رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مخزن السعادة.. القاهرة التاريخية تستعد لشهر الصيام: خيامية وفوانيس

القاهرة التاريخية
القاهرة التاريخية تستعد لشهر الصيام

بدأت مظاهر البهجة تنتشر فى شوارع المحروسة، قبل حلول شهر رمضان المبارك، حيث تراصت الفوانيس على جانبى الشوارع فى المناطق المشهورة ببيعها وصناعتها، ومن أبرزها «منطقة تحت الربع» التى تكتسى بمظاهر تحمل عبق التاريخ.

هناك تُعرض المفارش والستائر والوسائد المنقوشة بالزخارف الإسلامية فى استقبال شهر الرحمات بمنطقة الخيامية الأثرية، ويسمع الزائر أصوات أغانى رمضان من كل مكان.

ورصدت «الدستور»، خلال جولتها بمنطقة «الخيامية وتحت الربع والدرب الأحمر ودرب سعادة»، تلك المظاهر، واستمعت إلى حكايات الباعة مع السياح والزوار، من الشباب والفتيات، فى موسم بيع الفوانيس والزينة.

وقال الباعة إنهم يبذلون مجهودًا كبيرًا خلال هذا الموسم، لكنهم يشعرون بسعادة تجعلهم ينسون الإرهاق.

صُناع الخيامية: ننشر البهجة فى البيوت والشوارع والمحلات خلال الشهر الكريم 

فى حارة ضيقة تحاصرها الأبنية الأثرية، ويمتد سقفها الخشبى المميز بفتحات صغيرة يتسلل منها الضوء إلى داخل المنطقة، يمكن للزائر أن يشعر وكأنه قد سافر بآلة الزمن مئات السنين فى الماضى.. والآن تسود البهجة المكان العتيق، وتسيطر روحانيات شهر رمضان حتى قبل قدومه.

يقول هانى عبدالقادر، أحد صُناع وتجار منطقة الخيامية، إن صناعة زخارف شهر رمضان فى منطقة الخيامية من أبرز الفنون التقليدية التى تعكس جمال الفن الشعبى فى مصر، وتتميز هذه الزخارف بألوانها الزاهية وتصاميمها الجميلة، التى تعبر عن فرحة وروحانية هذا الشهر الكريم.

وأضاف «عبدالقادر»: «كما يتميز فنانو الخيامية فى هذه المنطقة بمهاراتهم الفائقة فى استخدام الألوان والأشكال الهندسية والزخارف الإسلامية التقليدية، وتتضمن الزخارف التى يصنعونها تصاميم دينية، مثل الهلال والنجمة وآيات قرآنية، إلى جانب الزخارف الفرعونية، كزهرة اللوتس، وكذلك الرسوم الهندسية التى تضفى جمالًا خاصًا على المنتج النهائى».

وتابع: «يجرى استخدام القماش والخيوط الملونة فى صناعة هذه الزخارف، وتحتاج عملية الصنع إلى دقة واهتمام كبيرين»، مشيرًا إلى أن المنطقة لا تعمل فقط فى موسم شهر رمضان، بل إن العمل خلال العام كله، لكن لشهر رمضان تجهيزاته الخاصة.

وذكر: «كما أن المحلات بالخيامية لا تعرض جميعها بضاعة واحدة؛ فهى بالفعل تشترك فى فن الخيامية، لكن فى رمضان يتجه البعض إلى توفير المنتجات التى ترتبط بالشهر الكريم، لتكون بجانب وظيفتها الأساسية ديكورًا تستخدمه المحلات والمطاعم والفنادق، حتى المنازل، فى هذا الشهر الفضيل».

كما تتوافر، أيضًا، زينة شهر رمضان بأشكالها المختلفة، سواء الحديثة كالزينة المضيئة أو التقليدية كالقماش، سواء كان المطبوع منها أو المشغول بالخيط والإبرة، حسب البائع.

من جهته، قال محمد فوزى، بائع آخر، إن الموسم الرمضانى يحظى بأهمية كبيرة لدى جميع صناع الخيامية، ويجرى التجهيز له قبل بدء شهر رجب، ويبدأ مع حلول هذا الشهر ليستمر إلى مطلع شهر رمضان.

وعن أبرز ما يتم بيعه فى الخيامية، أوضح «فوزى»: «كل شىء متوافر، بدءًا من مستلزمات وأدوات المائدة، التى يجرى العمل عليها بالزخرفة اليدوية حتى الطباعة، مرورًا بالزينة المعلقة حتى الإكسسوارات التى تستخدم فى المطاعم والمنازل فى هذا الشهر».

وأشار إلى أن الزبائن يقبلون على المنطقة خلال هذه الفترة لشراء احتياجاتهم لشهر رمضان من الخيامية والمناطق المجاورة، كما أن الأجانب أيضًا لهم وجود ملحوظ إلى حد ما، لشراء الهدايا التذكارية من هذه المنطقة العتيقة.

تاجر فوانيس: نستخدم الليزر للطباعة على الفوانيس

قال محمد عمر، تاجر وصانع فوانيس رمضان الخشبية، إن الفوانيس تنوعت خلال السنوات الماضية بعدما كانت تقتصر فقط على الفانوس الصاج، وأصبح بإمكان العميل طلب فانوس يحمل اسم أو صورة شخص ما، ونطبع على الفانوس الخشبى من خلال تقنيات، من أبرزها الحفر والتقطيع بالليزر. وأضاف «عمر»: «تبدأ عملية الصناعة بتحديد رسم الفانوس حسب حجمه، ويجرى إدخال ألواح الخشب المحددة داخل الماكينة لتقطيعها، ثم يتم تجميع الألواح لتصبح الفوانيس جاهزة للبيع». وتابع: «هذا النوع من الفوانيس يحظى بطلب كبير كل عام، ويبدأ العمل به مع بداية شهر رجب، ويتميز هذا النوع من الفوانيس بتنوع أشكاله وأحجامه، كما تتم طباعة الصور الشخصية أو العبارات على بعض الفوانيس باستخدام تقنية السبلميشن، ما يجعلها تحمل طابعًا شخصيًا للعملاء، كما تجرى طباعة صور الشخصيات الكرتونية المشهورة التى ترتبط بشهر رمضان على بعض الفوانيس، ما يضفى جوًا من البهجة على الأطفال».

أصغر بائع بالطربوش الأحمر: «أنا سيد الفوانيس»

بطربوشه الأحمر الذى لا يتناسب مع صغر سنه، يقف الطفل صاحب الـ١٦ عامًا أمام بضاعته، يوزع البسمات على المارين، ويعلن عن بضاعته بأسلوبه اللطيف وابتسامته البريئة.. يُدعى «سيد».

تضم بضاعة «سيد» مجموعة متميزة من مستلزمات شهر رمضان الكريم، كالفوانيس والزينة الرمضانية والمصاحف وحواملها وسجاد الصلاة.

وأعرب «سيد» عن سعادته، كونه أصغر بائع للفوانيس بمنطقة الدرب الأحمر، وعن مدى شغفه وحبه لهذه المهنة. وقال: «بدأت العمل للمرة الأولى هذا العام بالتحديد، وكنت أحلم بالمشاركة فى هذا الموسم، كونه يمزج بين الجانب التجارى والشعور بالسعادة والأجواء المبهجة فى الوقت ذاته». وأضاف: «تواصلت مع أحد أصدقائى الذى يعمل فى هذا المجال، وطلبت منه العمل معه، ووافق.. ومنذ ذلك الحين وأنا سيد فوانيس، لى زى مميز وطريقة مميزة تؤثر فى الناس وتجعلهم سعداء ويطلبون الشراء».

بائع هدايا: 12 عامًا قُرب باب زويلة.. وحفظت الزباين

منذ ١٢ عامًا، يقف الرجل الخمسينى فى مكانه، فى هذا التوقيت من كل عام، بجانب باب زويلة الأثرى، لبيع هدايا ومستلزمات شهر رمضان، فهو ليس فقط مجرد بائع، بل إنه عرف وحفظ وجوه سكان المنطقة حتى الزائرين، فلطالما استقبل زواره بضحكته البشوشة ودعابته الخفيفة.

قبل أن يتحدث يعرفه أحبابه من مظهره المميز، إذ يرتدى طربوشًا أحمر على رأسه ويعلق مسبحة فى رقبته، كما يرتدى سترة بها رسومات كرتونية للشخصيات الرمضانية المشهورة.

يقول «أبوالدهب»: «يبدأ الموسم بالنسبة لى قبل شهر رجب بنحو ١٥ يومًا، وينتهى أول يوم فى رمضان، حينها أستعد لتصنيع بضائع الموسم المقبل وعلى مدار العام».

وأضاف: «الاحتفال بشهر رمضان فى مصر ليس له مثيل فى أى دولة أخرى، كما قال الفنان حسين الجسمى (رمضان فى مصر حاجة تانية)».

وأشار «أبوالدهب» إلى أن وجوده فى هذه المنطقة ليس فقط للبيع: «أنا أرى أن لى مهمة تسعدنى للغاية، وهى إدخال السرور على كل من زار هذا المكان، فلا يهمنى من يشترى، ولكن يهمنى من يأتى إلىّ ويصافحنى ونتبادل التهنئة بهذا الشهر.

ويبيع «أبوالدهب» كل مستلزمات رمضان، ويرضى جميع الأذواق والأعمار بمنتجاته التى يصنعها بنفسه، كالوسادات والمفارش وأوانى تقديم المشروبات.