رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاجل.. المناورة الجديدة.. كيف يستخدم نتنياهو «إلغاء حل الدولتين» للبقاء رئيسًا للوزراء؟

نتنياهو
نتنياهو

كثيرون فى مجتمع السياسة فى إسرائيل والعالم سوف يشربون زجاجات الشمبانيا فى اليوم الذى يسقط فيه نتنياهو، ويتحدث الجميع عن أن هذه اللحظة قد تكون قريبة بشكل مثير. وفى الأيام الأخيرة، هناك مَن ربط بين بقاء نتنياهو السياسى وصفقة وقف إطلاق النار المرتقبة مع حركة حماس. فى البداية، نُشرت خطوط أولية تحذر من الصفقة، التى تهدف إلى إطلاق سراح آلاف الأسرى من حماس، وبعد ذلك نشرت القناة ١٢ تقريرًا جاء فيه أن أغلبية كبيرة من الجمهور ضد هذه التصورات الأولية، ثم جاء تصريح نتنياهو خلال زيارته مستوطنة عيلى: «لن نحرر آلاف المخربين»، وفى النهاية، عقد اجتماعًا مع عائلات المخطوفين قال فيه: «كل المساعى لإطلاق المحتجزين ستبقى طى الكتمان، وثمة حظوظ كبيرة لنجاحها».

يحاول نتنياهو السيطرة على الأوضاع، وثمة شك فى أنه لا يسارع إلى الدفع قُدُمًا بالصفقة خوفًا من أن يجد نفسه فى مسار تصادمى مع الجناح اليمينى المتطرف فى ائتلافه، ما يهدد بانهيار حكومته. فى السطور التالية نستعرض مناورات نتنياهو الأخيرة بين الصفقة وبقائه فى الحكم كرئيس الوزراء الأطول عمرًا فى إسرائيل.

يتمسك بموقف اليمين المتطرف الرافض وقف القتال والإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين

وزراء اليمين المتطرف، ومعهم بعض وزراء الليكود، ينتقدون علنًا الصفقة المرتقبة بين إسرائيل وحماس، التى يتم الدفع بها من قبل الولايات المتحدة ومصر وقطر، ووفقًا للتفاصيل المسربة، فالحديث عن صفقة من عدة مراحل؛ فى البداية يُطلق سراح الحالات «الإنسانية» بين المخطوفين، ومنهم ٣٥-٤٠ امرأة «ومن غير الواضح إذا كان المقصود جنديات محتجزات» أو كبارًا فى السن، وهذا الجزء سيستمر ٦ أسابيع. 

وفى المراحل المقبلة، يُطلق المحتجزون، رجالًا وجثامين لإسرائيليين، بينما يُطلق سراح الجنود فى النهاية. والمقصود هنا إتمام الأمر على مرحلتين أو ٣ مراحل، خلال مدة شهرين تقريبًا، يجرى خلالها وقف كامل لإطلاق النار، وبخلاف مطالب سابقة، يبدو حاليًا أن «حماس» لا تطالب بانسحاب كامل لقوات الجيش الإسرائيلى من القطاع من أجل الموافقة على الصفقة، أو كشرط لتنفيذها.

وفيما تحتجز «حماس» ١٣٦ من الإسرائيليين والأجانب، وأعلن الجيش الإسرائيلى عن وفاة ٣٠ منهم بالاستناد إلى أدلة تم جمعها، مع وجود احتمالات أن يكون عدد القتلى الفعلى أكبر بكثير، وفى المفاوضات، لم يجرِ تحديد رقم، وليس معروفًا- حتى الآن- عدد الأسرى الذين ستطلقهم إسرائيل فى مقابل كل محتجز فى غزة، حيث تريد إسرائيل إطلاق الأسرى بنفس أرقام مثل الصفقة السابقة «١٣ محتجزًا إسرائيليًا مقابل ٣٩ أسيرًا من حماس»، لكن حماس ترفض وتريد الإفراج عن عدد أكبر، وهو ما يرفضه نتنياهو.

فى هذه الأثناء، لا يزال نتنياهو قادرًا على الوفاء بوعوده «عدم وقف القتال وعدم إطلاق آلاف الأسرى على الأقل فى المرحلة الأولى»، لكن إذا تم الاتفاق على الصفقة سيزيد مصاعبه السياسية مع الجناح اليمينى فى الحكومة، وأيضًا إزاء قسم من ناخبيه. وكلما اقترب موعد اتخاذ قرار بشأن صفقة المحتجزين، يزداد الضغط فى الشارع وفى الحكومة، ويصبح من الصعب عليه تحقيق أهدافه.

يعارض إجراء انتخابات مبكرة.. والاستطلاعات  تشير لاستمرار تفوق الأحزاب اليمينية «مُجتمعة»

اقترح زعيم المعارضة ورئيس حزب «يش عتيد»، عضو الكنيست، يائير لابيد، عقد اجتماع مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لتحديد موعد لإجراء انتخابات إسرائيلية جديدة، ورد وزير المالية ورئيس الحزب الصهيونى الدينى، عضو الكنيست، بتسلئيل سموتريتش، على «لابيد» بعد وقت قصير من تصريحه، قائلًا: «هناك موعد محدد لإجراء الانتخابات.. خلال عامين ونصف العام».

وسلّطت تصريحات «لابيد» الضوء على الخلافات فى الرأى بين أحزاب المعارضة الإسرائيلية بشأن إجراء انتخابات فى زمن الحرب. فى حين كرر رئيس حزب «يسرائيل بيتنو»، عضو الكنيست، أفيجدور ليبرمان، ادعاءه بأن الانقسام فى الانتخابات سيضر بجهود الحرب الإسرائيلية، بينما «لابيد» ورئيسة حزب العمل، ميراف ميخائيلى، يدعوان منذ أسابيع إلى توجه إسرائيل إلى انتخابات رغم الوضع الأمنى المتوتر.

واتخذ حزب «الوحدة الوطنية»، الذى يتزعمه بينى جانتس، وهو وزير بلا حقيبة، موقفًا وسطًا، حيث قال الرجل الثالث فى الحزب، عضو الكنيست، غادى آيزنكوت، إنه فى أعقاب ٧ أكتوبر يجب على القيادة الإسرائيلية أن تحصل على الثقة قريبًا من الشعب عبر الانتخابات، لكن «آيزنكوت» لم يحدد موعد ذلك. وعلى الرغم من الانتقادات التى توجه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، إلا أن صحيفة «فاينانشيال تايمز» نشرت رسمًا بيانيًا كاشفًا فى ١٩ يناير الماضى، أظهر أن المشهد السياسى فى إسرائيل لم يتغير كثيرًا منذ بداية الحرب، على الأقل فيما يتعلق بالكنيست، فلا تزال لدى الأحزاب اليمينية «مجتمعة» ٥٨ مقعدًا، وهو ما يقل قليلًا عن الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة «٦١ مقعدًا». بينما لدى أحزاب اليسار وسط «٤٨ مقعدًا»، والقائمة العربية الموحدة «٥ مقاعد»، والقائمة المشتركة «٥ مقاعد»، وميرتس اليسارى «٤ مقاعد»، وهو ما يشكل ٦٢ مقعدًا، لكن الخلافات الأيديولوجية بينها وبين أحزاب الوسط قد تمنع من تشكيل هذا الائتلاف، ما يعنى أن أعضاء الائتلاف المحتملين من الوسط واليسار لا يمكنهم الاعتماد إلا على الحصول على ٥٧ مقعدًا، وبطبيعة الحال يمكن لأعضاء القائمة المشتركة أن يدعموا حكومة من خارج الائتلاف. 

ومع ذلك، فإن هذا أمر محفوف بالمخاطر من الناحية السياسية بالنسبة لجانتس، ويائير لابيد، الذى يقود حزب «يش عتيد»، لأنهما سيعتمدان على مجموعة «غير صهيونية» لضمان حكومتهما، وهو أمر محظور فى السياسة الإسرائيلية.

يناور حول «اليوم التالى للحرب» رغم الخلافات مع «الحليف الأمريكى».. ومنع قيام دولة فلسطينية سلاحه الانتخابى المرتقب

نتنياهو يعطى عذرًا مختلفًا فى كل مرة يتم سؤاله عن «اليوم التالى للحرب»، مرة يبرر ذلك بأن الأهم هو الاهتمام بالحرب والانتصار فيها، ومرة يقول إن على إسرائيل الاهتمام بقضيتها فى لاهاى.

ويعرب نتنياهو مرة أخرى عن تحفظاته بشأن الدولة الفلسطينية، ويتعهد بالسيطرة على أمن قطاع غزة «فى اليوم التالى»، لكنه لا يقدم خطة حقيقية لما ستبدو عليه فى نهاية الحرب. 

الفعل المفضل لدى رئيس الوزراء هو «تأجيل»، وهو ما يسبب غضب الولايات المتحدة التى تريد إجابات حول الرؤية الإسرائيلية للوضع فى غزة فى اليوم التالى للحرب، حسب صحيفة «جيروزاليم بوست».

كما أشار نتنياهو، فى مقابلة مع «وول ستريت جورنال»، إلى الخلاف مع الولايات المتحدة بشأن قضية اليوم التالى للحرب، على خلفية الضغوط التى تمارسها إدارة بايدن للترويج لتسوية تقوم على حل الدولتين. وشدد نتنياهو على امتنانه للدعم الكبير الذى قدمه بايدن طوال الحرب، وادّعى أنه على الرغم من الخلافات، فإن الأمريكيين متفقون أيضًا على أن الهدف هو «تدمير حماس».

ومن المتوقع أن يستغل نتنياهو «الدفع العالمى» نحو حل الدولتين، لتحقيق مكاسب سياسية، حيث قال نتنياهو لـ«وول ستريت جورنال»: «من يدعم إسرائيل ويدعم أيضًا حل الدولتين عليه أن يسأل نفسه بعض الأسئلة: هل يؤيد حل الدولتين؟ الفلسطينيون لديهم جيش؟ الجواب: بالطبع لا. هل يجب أن يكون لدى الفلسطينيين القدرة على جلب الأسلحة؟ الجواب: بالطبع لا. هل يجب أن يكون لدى الفلسطينيين القدرة على توقيع تحالفات عسكرية مع إيران؟ بالطبع لا». وكرر نتنياهو فى المقابلة موقفه بأن الفلسطينيين هم العقبة الحقيقية أمام السلام، بسبب رفض قادتهم القبول بوجود دولة إسرائيل ذاتها، وكشف بوضوح عن خطته قائلًا: «هناك من يعتقد فى الولايات المتحدة أن العائق أمام السلام مع الفلسطينيين هو أنا. إنهم لا يفهمون أننى أمثل موقف غالبية الإسرائيليين»، وهو ما يتفق مع استطلاعات الرأى التى تفيد بأن معظم الإسرائيليين لا يؤيد قيام دولة فلسطينية، فحوالى ٦٥٪ من الإسرائيليين يعارضون حل الدولتين، وأغلبهم لا يوافق على السلطة الفلسطينية، وأغلبية ساحقة تؤيد الجهود التى تبذلها الحكومة لتدمير حماس. وليس من الضرورى أن تكون عبقريًا سياسيًا لكى تفهم كيف يمكن استغلال وجهات النظر الإسرائيلية السائدة بشأن هذه المجموعة من القضايا سياسيًا لكسب الناخبين مرة أخرى، فنتنياهو سيعارض بقوة حل الدولتين، وسوف يستفيد من الضغوط التى يمارسها الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية للحصول على كل ما يستحقونه من الناحية السياسية.