رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النار تتمدد.. «الدستور» تتابع من العراق وسوريا: ماذا بعد الضربات الأمريكية؟

الضربات الأمريكية
الضربات الأمريكية

 

أكد عدد من الخبراء والسياسيين السوريين والعراقيين أن الضربات الأمريكية التى استهدفت عدة مواقع بسوريا والعراق، أمس الأول، تضع منطقة الشرق الأوسط على برميل بارود جاهز للاشتعال، خاصة أنها تأتى بعد تصعيد واضطرابات واسعة بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وقال الخبراء، لـ«الدستور»، إن الضربات فى سوريا والعراق تمضى فى مسار مختلف عن حرب غزة، فى سياق الصراع الدائر بين الولايات المتحدة وإيران، مشيرين إلى أن الحسم فى هذا الصراع لن يكون قريبًا، بل سيتم تأجيله لما بعد الانتخابات الأمريكية المرتقبة فى نهاية العام الجارى. 

سوريا.. واشنطن تحاول إحياء «داعش» بهجماتها.. والمنطقة ترقد على برميل بارود

قال الخبير العسكرى السورى، اللواء محمد عباس، إن الضربات الأمريكية فى سوريا والعراق قد تُدخل المنطقة فى تصعيد كبير حال استمرارها، خاصة أنها تأتى بعد وضوح الدعم الأمريكى لإسرائيل فى عدوانها وارتكابها جرائم الإبادة العرقية ضد الشعب الفلسطينى.

وأوضح أن الضربات قد تكون لها انعكاسات كبيرة على استقرار المنطقة فى حال حدوث رد ورد مضاد، ما يضع المنطقة كلها على برميل بارود، خاصة بعدما أعلن الأمريكيون عن توسيع الضربات فى المرحلة المقبلة، معتبرين أن الضربات التى تم تنفيذها تمثل فقط المرحلة الأولى من الهجمات.

وأضاف: «الاعتداء الأمريكى على سوريا، يوم السبت الماضى، استهدف أكثر من ٨٠ موقعًا، بعضها فى المنطقة الصناعية فى دير الزور، وأيضًا محطة كهرباء ومستودعات ومحطات وقود، والمناطق التى ضُربت هى مواقع عسكرية للجيش السورى، ومواقع مقاومة تعمل مع مجموعات شعبية، ما أسفر عن سقوط أعداد غير قليلة من الشهداء، فى محاولة لإرهاب السوريين ومحور المقاومة».

وواصل: «الاستهداف للقواعد الأمريكية بالمنطقة لن يتوقف، بل ربما يتصاعد فى المرحلة المقبلة، خاصة بعدما أكدت الجهات الرسمية والمقاومة الشعبية فى سوريا والعراق وجوب مواجهة القوات الأمريكية ورحيلها». 

ورأى أن «الصراع بين واشنطن وطهران يدور حاليًا خارج إيران وخارج أمريكا أيضًا، لذا استهدفت الضربات الأمريكية مواقع سورية وعراقية، وسقط بسببها شهداء سوريون وعراقيون، وتدمرت فيها بنى تحتية سورية وعراقية». وأكمل: «توسع مسرح الصراع ليس من مصلحة أمريكا لكنه من مصلحة إسرائيل، بعد أن ربطت واشنطن مصيرها بمصير الوجود الإسرائيلى ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لكن مصالح الولايات المتحدة تدفعها لتجنب الدخول فى صراع على المستوى الإقليمى، أو الدخول فى مواجهة واسعة مع إيران، مع البحث عن خوض الصراع فى مسارح بديلة».

وأشار إلى أنه رغم ما حدث فليس من مصلحة أمريكا أن تصعّد بقوة، لكن السياسة الأمريكية مرتبطة برغبات إسرائيل، التى من مصلحتها اليوم جر المنطقة إلى حرب إقليمية، وإدخال الولايات المتحدة وحلف «الناتو» فى صراع واسع، ما يسمح لإسرائيل بمغادرة غزة وتجنب الهزيمة التى تعرضت لها بعد عملية طوفان الأقصى.

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسى السورى، يعرب خيربك، إن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول- من خلال اعتدائها على المناطق الشرقية فى سوريا- إعادة إحياء تتظيم «داعش» الإرهابى فى هذه المنطقة، والدليل أن النقاط التى استهدفتها أمريكا جميعها مدنية وصناعية، ما يؤكد السعى لنشر الفوضى.

وأوضح «خيربك» أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفذ حاليًا عملية توسيع للضربات، ما يدل على العربدة الأمريكية فى المنطقة، وهذا جزء من الاحتلال، متوقعًا أن تلجأ أمريكا لزيادة الضربات خلال الأيام المقبلة.

وواصل: «سيكون هناك بكل تأكيد رد على الوجود غير الشرعى للولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة. المقاومة هى الحل الوحيد لمواجهة هذا الاحتلال»، مشددًا على أن «القواعد العسكرية الغربية فى الشرق الأوسط تمنع حدوث استقرار أو تحسن فى العلاقات بين العرب». وذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد إدخال المنطقة فى حرب صغيرة من خلال ضرب مصالح إيران، ما يضمن ابتعاد الشرق الأوسط عن الهدوء فترة طويلة.

العراق.. توقعات بتوسع دائرة عمليات الجيش الأمريكى لشل قدرات الفصائل المسلحة

اعتبر مدير المركز العراقى للدراسات الاستراتيجية، الدكتور غازى فيصل، أن الضربات الأمريكية فى العراق وسوريا تهدف إلى شل قدرات الفصائل المسلحة فى البلدين، فى حال اتساع دائرة المواجهة مع إيران.

وأوضح «فيصل» أن الضربات الأمريكية استهدفت القواعد الأساسية للفصائل المسلحة للمقاومة الإسلامية العراقية، والمرتبطة بالحرس الثورى الإيرانى، وهذه القواعد تضم مخازن الأسلحة الاستراتيجية من الصواريخ والطائرات المُسيّرة، وأيضًا مقرات القيادة والسيطرة فى مختلف المناطق فى العراق.

وأشار إلى أن هذه الضربات هى الموجة الأولى من القصف الأمريكى الذى شل جانبًا من القدرات العسكرية للفصائل المسلحة، التى هى فى حالة مواجهة مستمرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتبر أن واشنطن تحتل سوريا والعراق، وبالتالى يجب مقاومتها.

وواصل: «قبل ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ كانت هذه الفصائل تقصف السفارة الأمريكية، وتطالب بطرد السفير الأمريكى والبعثة الدبلوماسية وغلق السفارة الأمريكية»، مشيرًا إلى أن هذه المواجهة التى استمرت لسنوات بين الفصائل والقوات الأمريكية والتحالف الدولى تدخل اليوم فى فصل جديد من المواجهات المباشرة والواسعة.

وقال: «من المؤكد أن دائرة العمليات العسكرية للجيش الأمريكى ستتسع خلال الفترة المقبلة، وقد تصل إلى عمليات برية للجيش الأمريكى، مثل الإنزال المظلى أو نشر قوات مارينز برية فى مواقع مهمة فى العراق للمواجهة المباشرة مع هذه الفصائل».

وذكر أن ما حدث حتى الآن هو الموجة الأولى التى استهدفت البنية التحتية المسلحة للفصائل فى سوريا والعراق، وهناك موجات آتية ستستهدف المراكز الحيوية الاستراتيجية للفصائل المسلحة.

وبالنسبة للعراق، أكد «فيصل»: «لا يمكن أن تواجه الدولة العراقية الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب ضعف بنية النظام السياسى والدفاعى والأمنى، فالعراق يلتزم باتفاق الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتختلف مجموعة من الفصائل الموجودة فى الحكومة العراقية مع الفصائل المتحالفة مع إيران. إذن هناك انقسام فى المشهدين السياسى والأمنى، وبالتالى لا تستطيع الحكومة العراقية مواجهة هذه الفصائل، كذلك لا تستطيع اللجوء إلى مجلس الأمن الدولى، ولا تستطيع أن تضع حدًا لهذه الفوضى الأمنية الخطيرة التى يتعرض لها العراق».

وأوضح أن عدم استهداف الولايات المتحدة الأمريكية إيران مباشرة سببه الرغبة فى منع تصعيد حالة الصراع والحروب فى الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن هناك مواجهة مسلحة وبوارج وحاملات طائرات منتشرة فى المنطقة، وهناك مواجهة بالفعل مستمرة فى البحر الأحمر وباب المندب.

وأشار السياسى العراقى إلى أن المواجهة بين إيران وأمريكا مستمرة من خلال ضرب حلفائها، مثل قصف الحوثيين ومخازن ومراكز التسليح والصواريخ الباليستية والطائرات المُسيّرة التى لديهم، إضافة إلى المواجهة فى سوريا والعراق، والحرب فى غزة، والحرب بين «حزب الله» وإسرائيل. وقال إن المنطقة مشتعلة بالحروب المتعددة، ولا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية الآن اللجوء إلى إشعال حرب واسعة النطاق مع إيران قبل تصفية هذه البؤر العسكرية المنتشرة فى سوريا والعراق ولبنان واليمن وغزة، ولا ننسى قضية البرنامج النووى الإيرانى واستمرار العقوبات الاقتصادية والحصار الاقتصادى على إيران.

وتابع: «لن تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية فى الوقت الحاضر لشن حرب واسعة النطاق على إيران، ولكن ليس من المستبعد إذا تطورت الأمور أن تستهدف الولايات المتحدة المواقع الحساسة بطهران».

من جانبه، رأى الدكتور إحسان الشمرى، رئيس مركز التفكير السياسى العراقى، أن الضربات الأمريكية فى سوريا والعراق قد لا تؤدى إلى تصعيد الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط، موضحًا أن الضربات تمضى بمسار مختلف، خاصة أن المجتمع الدولى أصبح يناقش اليوم مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وذكر أن ما يدور بين الولايات المتحدة وإيران فى سوريا والعراق هو جزء من صراع ما قبل تدهور الأوضاع نتيجة عملية السابع من أكتوبر والحرب على غزة، التى لم تكن لها تداعيات كبيرة على هذا الجزء، مشيرًا إلى أن إيران غير قادرة على الرد، وتحيا فى قلق من مواجهة الولايات المتحدة، حتى إن الميليشيات التى تتبعها فى العراق يبدو أنها ترمى السلاح ودخلت فى إجازة بهدنة مؤقتة، بعد أن انتفى شعار تحرير القدس ومناهضة أمريكا.

وأضاف: «لن يتفاقم الصراع فى الوقت الحالى بالمنطقة، ولكن بعد انتهاء الحرب على غزة سيكون هناك توجه لإنهاء النفوذ الإيرانى، من خلال قطع أذرع طهران فى اليمن والعراق وسوريا، انتهاء بتنظيم حزب الله اللبنانى».

ولفت إلى أن الضربات الأمريكية فى الشرق الأوسط ستتوسع، خصوصًا بعد أن أعلنت واشنطن عن أن هذه الضربات هى البداية وليست النهاية، لأنها تريد إنهاء إمكانات الميليشيات المسلحة فى سوريا والعراق لحماية مصالح أمريكا وشركائها، خاصة أن هذه الميليشيات تهدد منطقة الشرق الأوسط، وتتصاعد الرغبة فى إنهاء قدراتها بشكل كامل، فى محاولة لعزل إيران عن المنطقة العربية.

وأكد «الشمرى» أن دولتى سوريا والعراق ستكتفيان على المستوى الرسمى بالإدانة والشجب، لأنهما لا تمتلكان القدرة على الرد، وبالتالى ستعتمد الدولتان أطرًا دبلوماسية، من خلال البيانات والشجب والاستنكار، كما أن الجماعات المسلحة بهما يبدو أنها غير قادرة على المواجهة أو الرد. وواصل: «لن يكون هناك رد يمكن من خلاله الذهاب نحو التصعيد، وحتى لو اتخذت الجماعات المسلحة قرارًا بالرد فإنه سيكون بسيطًا جدًا وغير فاعل، بل مجرد محاولة لحفظ ماء الوجه».

ونوه السياسى العراقى إلى أن الولايات المتحدة، من جانبها، لا تريد التصعيد أو الدخول فى حرب مباشرة مع إيران، لأنها لا تريد أن يتوسع الصراع، خصوصًا أن أمريكا دخلت فى مرحلة الانتخابات الرئاسية وليست لديها القدرة على فتح حرب طويلة، كما أن الإدارة الديمقراطية تحاول تأجيل حسم الصراع مع إيران، مع تركه للجمهوريين، الذين يبدو أن حظوظهم ترتفع فى العودة إلى البيت الأبيض.