رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معركة جديدة للحجاب فى إيران تحدد اختيار الولى الفقيه

أشعل فيديو انتشر حديثًا على منصات التواصل الاجتماعي لفتاة إيرانية غير محجبة وهي تتعرض لتوبيخ شديد من عناصر أمنية في إحدى عربات مترو طهران، فتيل صراع سياسي واجتماعي جديد في إيران، وأعاد إلى الأذهان مأساة (مهسا أميني) التي اتهمت شرطة الأخلاق بالتسبب في قتلها بسبب عدم ارتدائها الحجاب بالشكل القانوني، ما أدى إلى انطلاق العديد من المظاهرات في مختلف ربوع إيران استمرت لعدة أشهر وتسببت في وقوع ما يقارب الـ500 قتيل حسب الإحصائيات الدولية.

الفديو تظهر فيه فتاة حديثة السن لم تتجاوز الثمانية عشر عامًا، وهي في حالة غضب شديد، أمام الهجوم اللفظي من سيدات شرطة الأخلاق، كما يدعي بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، فرغم الإلغاء القانوني لشرطة الأخلاق كما صرح بذلك المدعي العام الإيراني منذ ما يقارب العام، إثر أزمة (مهسا أميني) إلا أن ما زال لها ظهور اجتماعي واضح، وإن انحصر دورها في مجال النصح وإرشاد السيدات غير المحجبات، وتم تداول معلومات عن  إلقاء القبض عليها، وتعرضها لمضايقات أمنية.

معركة جديدة للحجاب في إيران

معركة الحجاب في إيران تتجاوز مجرد كونها أزمة أخلاقية أو دينية، إلى كونه شأنا سياسيا بامتياز، فهو رمز سلطة وهيمنة الدولة، وليس المجتمع بشكل مستقل، ففي عهد الشاه وقبل الثورة الإيرانية (1979)، وتبني رضا شاه النظام العسكري العلماني في إدارة البلاد، صدر قانون الحجاب، الذي يمنع بالقوة الجبرية ارتداء النساء للحجاب مطلقًا في الأماكن والمواصلات العامة، لدرجة منعت الشرطة سلطة اقتحام المنازل الخاصة والبحث في ملابس النساء عن أي غطاء رأس، واعتباره تهمة تستحق العقاب، في محاولة للسيطرة من سلطة آيات الله ورجال الدين على المجتمع، وإعلان علمانية الدولة بشكل إجباري، ورغم أن هذا القانون تم تعديله وشبه إلغائه في نهايات حكم محمد رضا شاه، لكن ظلت فكرة عدم الحجاب مسمارا في نعش الدولة البهلوية ورمزًا من رموز الثورة في إيران بعد ذلك.

ومع نجاح الثورة، ووصول التيار الديني الحكم، تم إلغاء العمل بهذا القانون، وبالتدريج وفي سنة 1983، صدر قانون عكسي تمامًا، يلزم النساء في إيران بارتداء الحجاب، ويعاقب غير الملتزمة، بالسجن لمدة تتراوح بين 10 أيام وشهرين. ومنح حق الضبطية  القضائية للشرطة المدنية وقوات البسيج أو التعبئة التي تشكلت بعد الثورة، فأصبح لزامًا على كل نساء إيران ارتداء الحجاب.

ورغم محاولات المجتمع الإيراني خلال العقد الأخير تحديدًا، التمرد وبقوة على هيمنة الدولة على فكرة ملابس المرأة، وظهور جيل جديد لديه القدرة على التواصل خارج الحدود الإيرانية، ومحاولة ظهور العديد من السيدات والفتيات في الامكان العامة دون حجاب أو على الأقل دون الحجاب الإسلامي الذي ينص عليه القانون، ما وضع المجتمع أمام الدولة في حالة صراع دائم، وتحول التمرد على الحجاب إلى رمز للحرية أو لتسجيل موقف معارض لتوجهات الدولة،خاصة في ظل أزمات اقتصادية وتضخم يبتلع الشارع الإيراني. فبعد أزمة (مهسا أميني) خرج مشروع قانون من البرلمان (مجلس الشورى الإسلامي) ينص على اعتبار عدم ارتداء الحجاب مساوي في الجرم التعري أو ارتكاب فعل فاضح، وبالتالي اقترح مشروع القانون، زيادة فترة العقوبة إلى عشر سنوات مع غرامة مالية تُقدر بحاولي ما يعادل 8500 دولار على كل من لم تلتزم بالحجاب الإسلامي، بل اعتبار المحرض على عدم ارتداء الحجاب شريك في الجُرم ويقع عليه نفس العقاب، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. صحيح أن القانون لم يوافق عليه "مجلس صيانة الدستور" (المجلس المنوط به مراجعة قرارات وقوانين البرلمان) حتى الآن، ولكن تم الاتفاق على تجربة القانون لمدة 5 سنوات قبل إقراره بشكل نهائي، ما أثار حفيظة المجتمع من جديد.

تمر الآن الدولة الإيرانية بموقف سياسي حرج للغاية، فمع اقتراب الانتخابات التشريعية، في مارس القادم، الذي سيتم من خلالها انتخابات مجلسي الشورى الإسلامي (البرلمان)، ومجلس خبراء القيادة (وهو المجلس المنوط به اختيار المرشد العام للثورة "الولي الفقيه" في حال عدم أهلية المرشد الحالي أو وفاته)، وتتم انتخابات مجلس الخبراء كل ثماني سنوات، وهنا تكمن الأزمة الجديدة بين الدولة والمجتمع، فمع الوضع في الاعتبار سن المرشد الحالي "علي خامنئي" التي تجاوز 85 عامًا، وما يُشاع حول حالته الصحية غير المستقرة منذ سنوات، فمن المحتمل أن يختار المجلس القادم شخصية المرشد الجديد خلال الثماني سنوات القادمة، ما يحتم أن تكون نسبة المشاركة في الاستحقاقات القدامة، كبيرة ولها حضورها، لضمان استقرار المجتمع حال وقوع أزمة سياسية محتملة تخص منصب الولي الفقيه،خاصة وأن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية السابقة لم تتدع 42% وهي نسبة أقل بكثير من طموح النظام الإيراني في الجولة الجديدة.

وبما أن نسبة النساء في المجتمع الإيراني تتعدى 50%، أي نص عدد السكان تقريبًا، وبالتالي ستمنح مشاركتهن شرعية جديدة للنظام، سواء داخليًا أو خارجيًا، في ظل ظرف تاريخي مفعم بالصراعات الإقليمية والدولية، وأزمة اقتصادية داخليه يعاني منها الجميع، وحسب بعض استطلاعات الرأي التي قامت بها جهات الدولة خلال الأشهر السابقة، والتي تم تسريب بعض نتائجها، بعد نشرها على نطاق محدود للغاية، ومنها جهات تخص الحوزة الدينية في قم، فإن نسبة 52% من نساء إيران (عينة الدراسة)، ضد فكرة الحجاب بشكلها الحالي، بل إن نسبة 62% منهن، ضد فكرة الحجاب من أساسها، أو هيمنة الدولة على شكل ملابس المرأة، ما ينذر بموقف شريحة أساسية من المجتمع ضد توجهات الدولة في هذا الشأن،  وكما تشير العديد من استطلاعات الرأي إلى عزوف الإيرانيين عن المشاركة في الاستحقاقات القادمة، ما قد يُحرج النظام داخليًا إذا لم تأت نسبة المشاركة بشكل مُرض، ما حتم أن يُصرح "علي خامني" مرشد الثورة، أن عدم المشاركة في الانتخابات القادمة هو موقف ضد الإسلام ذاته، في محاولة لحث المواطنين على المشاركة الفعالة في الانتخابات.

حالة الارتباك والحرج تظهر بوضوح في تصريحات الدولة الإيرانية، فقد أتى تصريح  "طحان نظيف" المتحدث باسم "مجلس صيانة الدستور" (وهو المجلس المشرف على العملية الانتخابية برمتها)، أنه لن يتم منع النساء غير الملتزمات بشكل الحجاب الإسلامي من المشاركة في العملية الانتخابية، وأن لهن الحرية الكاملة في الإدلاء بأصواتهن، بحجة أن مخالفة القانون في بند من بنوده لا يمنع اتباعه في بند آخر، ما أثار حفيظة التيار المحافظ، الذي يعتبر أن اختيار أعضاء مجلسي الشورى والخبراء، فعل ديني مقدس، لا بد أن يتم في إطار من احترام القانون والإسلام، وظهرت العديد من الصحف الموالية تهاجم تصريحات مجلس صيانة الدستور، مثل جريدة "همشهري" التي كتب على صفحتها الأولى تجذر من نتيجة التسيب الأخلاقي والديني الذي قد يحدث في الانتخابات القادمة، معتبرة أن نسبة النساء اللائي يشجعن على عدم ارتداء الحجاب قليلة جدًا بالمقارنة بالنساء الملتزمات، وأنه لا داعي للمغازلة السياسية للنساء غير الملتزمات لزيادة نسبة المشاركة.

كما ظهر تصريح متناقض تمامًا عن لسان، وزير الداخلية "أحمد وحيدي"، الذي أكد أنه ملزم بتطبيق القانون، خاصة ما يتعلق بالشريعة الإسلامية وشكل الحجاب، وذلك بناء على تعليمات من "رئيس السلطة القضاية"، فالحجاب هو رمز للعفة والدولة. كما جاءت ممارسات الداخلية في الآونة الأخيرة متسقة مع تصريحات الوزير، فقد قامت بإغلاق العديد من المطاعم والمقاهي التي تسمح بدخول النساء بحجاب سيئ أو بدون حجاب. وكذلك الإشراف على نوعية الملابس التي تُباع في محلات الملابس النسائية.

ما خرجت العديد من تصريحات خطباء الجمعة وممثلي التيار المتشدد، تعارض الموقف السياسي لمجلس صيانة الدستور، الذي فضل الانتخابات على تنفيذ الشريعة. والمفاجئ في الأمر هو ظهور العديد من الأصوات من النساء أنفسهن، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، ترفض فكرة الانتخابات برمتها، وتعتبر أن محاولات الدولة استغلال موقفهم من الحجاب سلبًا أو إيجابًا، لهو أمر مرفوض، ويعكس صعف الدولة على إقامة انتخابات ذات مشاركة عالية.

قضية الحجاب تعكس حالة الصراع المصالح السياسية في إيران، فهناك تيار يرى ضرورة استغلال أي فرصة تمنح الانتخابات مزيدًا من الاستقرار والمشاركة، خاصة والمجتمع يعاني اقتصاديًا، مفتقد لثقة في آلية إدارة الدولة للأزمات الداخلية الحالية، خاصة ملف الإرهاب وحادثة تفجيرات كرمان الأخيرة التي راح ضحيتها ما يزيد على ثمانين قتيلا. أو بعض محاولات إيران نقل الصراع خارج أراضيها باستهداف عناصر في سوريا والعراق وباكستان. وتيار آخر يؤكد أن هيمنة الدولة وسطوتها أهم من كل الاعتبارات السابقة، وأن الحجاب من أسس الدولة الإيرانية بسمتها الإسلامي، ولا يجب التنازل عنه.

سوف ينعكس هذا الصراع على انتخابات مارس القادمة،الذي يتوقع بعض المراقبون أن نسبة المشاركة لن تكون كبيرة بشكل يحفظ ماء وجه النظام ويمنحة مزيدًا في الحضور والشرعية، فالصراعات الإقليمية والأزمات الداخلية، وحالة الخلاف السياسي في قيادة الاستحقاقات، كلها أسباب مجتمعة عن تسبب في عزوف المجتمع منح قبلة حياة جديدة للنظام.