رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صلاح وأمينة.. أمينة النقاش: «الجبرتى.. الانتلجنسيا» يؤرخ لأول احتكاك بين الثقافة المصرية ونظيرتها الأوروبية

صلاح وأمينة
صلاح وأمينة

لا يكف المؤرخ الكبير صلاح عيسى عن إبهارنا، حتى بعد وفاته بسنوات، فقد صدر له حديثًا كتاب «عبدالرحمن الجبرتى: الانتلجنسيا المصرية فى عصر القومية»؛ عن دار الكرمة للنشر؛ الذى ينشر للمرة الأولى.

ويعد الإصدار الجديد الكتاب الخامس الذى صدر للمؤرخ الراحل بعد وفاته، إذ تولت زوجته الكاتبة الصحفية الكبيرة أمينة النقاش جمع محتوياته؛ ومن المقرر إتاحته للقراء ضمن إصدارات الدار فى معرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته الـ55.

و«الانتلجنسيا» تعنى النخبة المثقفة، وهم فئة من الأشخاص المتعلمين المنخرطين فى الأعمال الذهنية المعقدة التى لها دور نقدى وتوجيهى وقيادى فى تشكيل ثقافة وسياسة معينة؛ وهى فئة ركز صلاح عيسى على رصد أحوالها فى فترة الاحتلال الفرنسى لمصر، من واقع ما رصده عبدالرحمن الجبرتى؛ الذى عاصر الحملة الفرنسية على مصر وأرخ لتلك الفترة.  عن هذا الكتاب، تتحدث الكاتبة الكبيرة أمينة النقاش زوجة «جبرتى الصحافة المصرية» صلاح عيسى لـ«حرف»، عن كواليس إصدار هذا العمل.

■ أتفهم طبيعة ما كان يشغل الكاتب والمؤرخ الكبير صلاح عيسى فى تاريخنا الاجتماعى والثقافى.. ولكن لماذا اختار إعادة التأريخ للجبرتى والانتلجنسيا المصرية فى عصر القومية فى كتابه الجديد؟

- أود بداية؛ أن أشير إلى أن هذا الكتاب نشر لصلاح عيسى كدراسات فى سبعينيات القرن الماضى بعد خروجه من السجن؛ وهى جميعًا نُشرت فى مجلات عربية مهتمة بالدراسات التاريخية مثل «آفاق عربية، ودراسات عربية، وقضايا عربية»؛ وهى مجلات ليست مصرية، لأنه كان ممنوعًا من الكتابة فى تلك الفترة، وفصل من عمله بجريدة الجمهورية؛ وكان من الطبيعى بعد صدور أول كتبه «الثورة العرابية» أن يعود إلى الجذور فى تاريخ مصر، كما أنه كان ينتوى جمعها فى كتاب ولكن الوقت لم يسعفه ورحل، وهو ما دفعنى لجمعه وإصداره بعد طلب من دار نشر الكرمة التى تقدر مشروع صلاح عيسى وتحترم القارئ، وأريد أن أؤكد أن صلاح عيسى كان دائمًا ما يؤكد أنه، من لا يعرف تاريخه لن يستطيع قيادة حاضره ومستقبله.

■ من أبرز الشخصيات التى تعرض لها صلاح عيسى من فئة الأشخاص المتعلمين المنخرطين فى الأعمال الذهنية التى أرخ لها عبدالرحمن الجبرتى.. ماذا عنه؟

- هذا الكتاب يضم ثلاثة فصول؛ الفصل الأول يضم رؤية الجبرتى فى الظواهر التاريخية، أما الثانى فيدرس فيه الجبرتى عهد الحملة الفرنسية على مصر، وعنوانه: «روح مملوكية تصارع الفرنساوية»، أما الفصل الثالث وهو عن محاولة فهم منهج «الجبرتى» ففى التأريخ.

 أما بالنسبة لشخصيات هذا الكتاب فهى شخصيات العصر التى أرخ لها عبدالرحمن الجبرتى «١٧٥٣-١٨٢٥»؛ ابتداء من الجبرتى نفسه الذى عهد فى طفولته الدولة المملوكية، ثم عهد محاولة محمد على الكبير الثورة على الحكم العثمانى ومحاولة الاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، ثم عاش فى عهد محمد على، وشهد الحملة الفرنسية، بالإضافة إلى كليبر، ورموز العصر من التجار والمستثمرين وشخصيات مهتمة بالعلم والثقافة والتنوير وقتها.

■ الجبرتى عاصر الحملة الفرنسية على مصر وأرخ لها.. لماذا أعادنا صلاح عيسى لنماذج فى تلك الحقبة بالتحديد؟

- نظرًا لكونها فترة بدأت تتكون فيها ملامح القومية المصرية، التى تطورت فيها مقاومة الشعب المصرى للحملة الفرنسية؛ ثم الثورة العرابية، ثم ثورة ١٩١٩، وهى فترة شهدت صعود ما يسمى بالقومية المصرية، وثانيًا كونها فترة شهدت التأريخ لمصر ما بعد صدور المطبعة، وهى فترة تختلف عن فترة المؤرخ ابن خلدون الذى أرخ لما قبل المطبعة، وكذلك فإنه عند تناول صلاح عيسى منهج الجبرتى فى التأريخ أشار إلى أنها أول فترة تشهد احتكاك الثقافة المصرية بالثقافة الأوروبية، حيث دخلت عوامل حداثة لم تكن موجودة قبل ذلك فى مجتمعنا المصرى، كما أنه رأى أن التأريخ عند الجبرتى من قبيل الرصد دون عقد مقارنات للأحداث أو إبداء لرأى، كما أنها فترة شهدت ما يسمى بالفكر الليبرالى.

■ ما أبرز المراجع التى اعتمد عليها صلاح عيسى فى دراسته المهمة عن عبدالرحمن الجبرتى؟

- أبرزها كتابان للجبرتى «مظهر التقديس لزوال دولة الفرنسيس»، والثانى «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»، حيث اعتمد عليهما، بالإضافة إلى كُتب بعض المستشرقين الأجانب لتلك الفترة، حيث لاحظ صلاح عيسى مدى ظلم هؤلاء المستشرقين للجبرتى، لكونهم درسوه خارج عصره وسياقه بما فيه من إقطاع واحتلال، وبالتالى يرى صلاح عيسى أن الجبرتى أهم من قدم شخصية المثقف والواقع الاجتماعى المحيط بهذه الشخصيات، والظواهر الاجتماعية فى مجتمعنا المصرى فى تلك الفترة؛ ويعتبره من أكبر المؤرخين لهذا العصر.

■ فى كتابه «هوامش المقريزى» أرخ صلاح عيسى لتاريخنا المصرى بداية من عصر المماليك وحتى نهاية ثورة ١٩١٩ وهى فترة شملت الحملة الفرنسية وهو ما أعاد فعله فى كتابه الجديد «الجبرتى».. إذًا ما الجديد الذى يقدمه كتابه الذى أُعلن عن أنه ينشر لأول مرة؟

- الجديد الذى يقدمه هذا الكتاب هو تجميع ما نشره صلاح عيسى من دراسات مهمة نُشرت فى مجلات تاريخية خارج مصر فى سبعينيات القرن الماضى؛ وهو الجهد الذى أبذله لتوثيق أعماله التى كان يرغب فى صدورها وهو حى، لكن كما أشرت، الوقت لم يمهله لذلك، وهو ما أرجو أن أفعله على نحو جيد، حيث نشرت له أربعة كتب بعد وفاته، وهذا هو الكتاب الخامس.

■ بعد وفاة صلاح عيسى توليتِ مهمة الحفاظ على مخطوطاته وأعماله.. ما الذى يزعج أمينة النقاش فى سوق النشر عند التعاقد على أعمال المؤرخ الراحل؟

- أعتبر نفسى محظوظة، لأن دار نشر الكرمة ورئيسها من محبى صلاح عيسى وهو من بادر بالاتصال بى، وكونه متحمسًا لأعماله، ولولا هذه المبادرة لكنت عانيت كثيرًا، وهى دار شديدة الاحترام للكاتب ولما تقدمه وللقارئ، وأود أن أعترف بما تتعرض له صناعة النشر من أزمات.

وأظن أنه بعد انتهاء فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب، ستدعو وزيرة الثقافة الدكتورة، نيفين الكيلانى لمؤتمر موسع، لبحث حلول لما تتعرض له صناعة النشر فى مصر من أزمات، ويكفى أن أشير إلى أنه بالنسبة لدور النشر الحكومية، مثل هيئة الكتاب وقصور الثقافة، فقد نشرت لصلاح عددًا من أعماله وأعادت طباعة بعضها، وهى لم تقصر فى أداء دورها تجاهه، وقدمت خدمات جليلة بتقديم أعماله بسعر رخيص، وهو ما يتيح نشرها على أكبر نطاق، وأؤكد أن الدولة تقوم بدورها فى ذلك، ولكن لدينا بيروقراطية لا بد أن تنتهى فيما يتعلق بآليات عمل صناعة النشر.

■  هل ما زالت هناك مخطوطات لصلاح عيسى سيتم الإفراج عنها قريبًا؟

- نعم، ولأول مرة أعلن عن كتاب كان قد بدأ فيه صلاح عيسى ولم يستكمله لوفاته، وهو عن «فرج الله الحلو»، وهو قائد شيوعى عربى بارز قتل على يد جلاديه وذوبوا جسده بالأسيد؛ وهو لبنانى الجنسية، كان قائدًا بارزًا فى الحزب الشيوعى اللبنانى السورى، وما زال رمزًا للشيوعيين السوريين، واللبنانيين حتى بعد انفصال الحزب الشيوعى اللبنانى عن الحزب الشيوعى السورى، بالإضافة إلى كتابين كانا بمثابة مشروع تاريخى كبير؛ الأول عن تاريخ الحركة اليسارية المصرية، حيث جمع محاضر التحقيقات مع من قدم منهم إلى المحاكمات وسجن، قمت وسلمتها لمكتبة الإسكندرية على أن يتم عرضها للجمهور عبر موقع باسم صلاح عيسى، وهو ما لم يحدث حتى اليوم، وتراث الحركة الإسلامية المصرية وهو المشروع الثانى، وأتمنى أن يتولى الدكتور أحمد زايد، مدير المكتبة تحقيق ذلك، أو يرجع هذا الأرشيف الكبير لى مرة ثانية، وأتمنى أيضًا أن تعمل الهيئة المصرية العامة للكتاب على تجميع الأعمال الكاملة لصلاح عيسى.