رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزلة فنية ليست إجبارية.. ضد تسليع الفنانات

تابعت الكثير مما كتب من مقالات رأى ومن بوستات وتعليقات على السوشيال ميديا عن تكريم الفنانة الرائعة صوت الشجن وعيون القلب "نجاة". ومن قبلها تابعت استضافة العديد من الفنانين والمبدعين المصريين فى مهرجانات الرياض واحتفالاتها، سواء للمشاركة أو التكريم. 

وجدت اتجاهين رئيسيين من ردود الأفعال. الاتجاه الأول يرفض التكريم والاستضافة، ويرفض ظهور فنانة مثل نجاة وقد شكلت السنوات ملامحها الجديدة غير التى نتذكرها من أفلامنا الجميلة حفاظًا على صورتها التى ارتبطنا بها. والاتجاه الثانى الذى لا يرى أى مشكلة فى هذا باعتبار الأمر نوعًا من الحرية الشخصية لكل فنان حسب أولوياته. لست مع الاتجاه الأول أو الثانى، ولكن سأعبر لرأى مختلف تمامًا، يستند على بعض الأفكار التى تساعد فى اتخاذ رأى وموقف محدد.

– مصر دائمًا كانت نقطة البداية لانطلاق المبدعين فى الغناء والتمثيل. وكانت دائمًا هى من يمنح صك الشرعية الفنية ليشتهروا فى كل أرجاء الدول العربية ليعبروا بتميزهم الفنى إلى كل المجتمعات العربية بغض النظر عن انتمائهم وحملهم لجنسية دولة عربية أو أخرى. والمبدعون ليسوا مجرد فنانين أو من أصحاب الأصوات العذبة ولكنهم علامة فارقة فى تاريخ الفن للمنطقة كلها. ترتبط بهم الشعوب العربية ويتحولوا إلى رموز محل اتفاق مهما اختلفت التوجهات والمصالح بين الدول العربية. وأصبحوا هم المشترك الوحيد المتفق عليه.

– أحترم جدًا وأقدر أى جهة أو مؤسسة أو دولة تكرم المبدعين أو المفكرين، وتذكرهم فى حياتهم. وأعتقد أن تكريم المبدعين والفنانين بعد رحيلهم نوع من تكريم الورثة فى الحقيقة، وإهدار لحقهم أثناء حياتهم. إن رحيل هؤلاء المبدعين هو خسارة حقيقية للإبداع. وعلينا أن نقدر مسيرتهم بعد رحيلهم بتوثيق مسيرة حياتهم، وعمل متاحف فردية أو مجمعة لمقتنياتهم حتى لا تضيع بين أيدى التجار أو الباعة الجائلين.

- لدينا فنانون كثر ولا يمكن حصرهم، احترموا جمهورهم، وقبلها احترموا أنفسهم وأخلصوا لفنهم، واختاروا لأنفسهم عزلة ليست إجبارية حتى يتركوا صورة جميلة لهم فى الوجدان الشعبى. وهم مبدعون غير قابلين للتكرار، وفعليًا تجاوزوا الشهرة والتكريمات لمساحة أبعد وأكبر بكثير. ولكن العكس أيضًا صحيح وليس مجرمًا أو محرمًا. أدين بشدة كل من يعيب على أى مبدع أو فنان لظهوره وتكريمه بعد أن حفر الزمن على ملامحه الكثير والكثير مما لا يمكن أن ينكره أحد أو يتجنبه. وليس من العيب أن يجد بعض ما قدمه من يحترمه ويتذكره ويكرمه بعد أن اقتربت مسيرته على الوصول للمحطة الأخيرة. والتقدم فى العمر ليس عيبًا أو إهانة أو اذلالًا حتى نهاجمه وندينه.

- أدين بشدة حالة الهجوم والتربص والتنمر والتمييز على تكريم المبدعات والفنانات فى الغناء والتمثيل بعد أن تقدموا فى سنوات العمر. وهو ما لا يحدث مع المبدعين والفنانين. وكأنه نوع من العنف ضد المرأة الفنانة بشكل جديد ومختلف ومبتذل، يسمح بظهور الرجل أيًا كان عمره، ويرفض ظهور المرأة إلا فى حدود سنوات عمر محددة فى شكل من أشكال تسليع المرأة بشكل غير إنسانى ينمطها في قوالب محددة سابقة التجهيز للجمال والعنفوان. 

نقطة ومن أول الصبر..

تكريم أى مبدع وفنان مصرى فى أى دولة أمر مستحق، بل وأجده تأخر كثيرًا. وأرى أن تكريم فنانينا تكريم لمصر ولتاريخها الإبداعى المتميز والفنى المتفرد.

يستطيع المبدع والفنان وأى إنسان أن يواجه تحديات وأزمات كبيرة، لكن لا يزال الزمن يحجز لنفسه مساحة عنوانها: لا يستطيع أحد أن يتحدانى أو ينافسنى.

الإبداع الفنى المصرى لا ينضب. قديمًا احتفت به بيروت، والآن تحتفى به الرياض، وغدًا ستحتفى به عاصمة عربية أخرى، وهكذا..