رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد سالم أبوعاصى: القرآن أمرنا بتجديد الخطاب الدينى ودعوة الرئيس ضرورية جدًا

الدكتور محمد سالم
الدكتور محمد سالم أبوعاصى

قدم الدكتور محمد سالم أبوعاصى، أستاذ التفسير، العميد السابق لكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر، رؤية شاملة بشأن تجديد الخطاب الدينى، الذى رأى أنه بحاجة إلى تجديد المناهج التعليمية والعقول بالتزامن، مشددًا على أن هذا التجديد لا يكون بالخطب والمؤتمرات.

قال «أبوعاصى»، فى الجزء الثانى من حواره فى برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، إن نجاح تجديد الخطاب الدينى مرهون بما يقدمه من نفع للمجتمع، كما أنه فى الوقت نفسه لا يعنى التعدى على النص المقدس.

وشدد على أن المجتمع فى حاجة إلى خطاب دينى روحى يحل أزمات الناس، وفى الوقت نفسه يجعلهم يعملون وينتجون، مع الاستعانة فيه بعلماء النفس والاجتماع والاقتصاد والإعلام، معتبرًا أن الجهود الدينية مبعثرة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء.

■ بداية.. كيف استقبلت دعوة الرئيس السيسى لتجديد الخطاب الدينى؟

- عندما أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى دعوته لتجديد الخطاب الدينى، شعرنا بأننا أمام رئيس مختلف وغير تقليدى، رئيس يقول الواقع، إنه قارئ ومطلع ويشعر بالهموم التى يشعر بها كل المثقفين.

الرئيس السيسى رأى، باعتباره رجلًا مسلمًا يغار على دينه، أن دينه يُقدَّم بطريقة لا تناسب هذا الدين الذى أراده رب العالمين، فأطلق هذه الدعوة لتجديد الخطاب الدينى، التى أرى أنها ضرورية جدًا.

■ لكن تبقى المشكلة: هل نحن فهمنا مقصد الرئيس من دعوته لتجديد الخطاب الدينى، أم أخذها البعض بسطحية وتركيز على أشياء سطحية وليست عميقة، ليبدو أمام الإعلام كأنه مجدد للخطاب الدينى؟

- لو جمعت المختصين وسألتهم: «ما المقصود بتجديد الخطاب الدينى؟»، ستجد أن الإجابات مختلفة، وفى معظم الأحيان، حسبما تتبعت، جاءت سطحية، البعض فهم المقصود على أن الإسلام دين الوسطية والرحمة والحب، ويردد ذلك فى الخطب والمؤتمرات، وكأن تجديد الخطاب الدينى ينحصر فى تلك الكلمات البرّاقة.

شخص آخر فهم أن المقصود بتجديد الخطاب الدينى تقديم ٥٠ أو ١٠٠ خطبة فى المساجد، أو تأليف بعض الكتب وتجميعها من هنا وهناك وتقديمها للدولة على أن هذا هو التجديد، لذا فإننى أرى أن المشكلة الحقيقية تتمثل فى عدم فهم مقصد تجديد الخطاب الدينى.

لكى نقول: «جددنا الخطاب الدينى»، يجب أن نعرف الثمرة التى أعطاها هذا التجديد للمجتمع، فالأهم أن تكون لهذا التجديد تجليات فى المجتمع، ولا تكون عبارة عن خطب أو كتب فقط، لذا فإن دعوة الرئيس السيسى ضرورية ومُلحة، لكن تحتاج منّا جميعًا إلى الصدق مع النفس ومع الله، وبعد ذلك حب هذا الوطن.

■ ما فهمك الخاص لتجديد الخطاب الدينى؟

- تجديد الخطاب الدينى يجب أن يتم على عدة مستويات، فالخطاب عبارة عن مُلقٍ ومتلقٍّ، وواسطة تنقل هذا الخطاب من الطرف الأول إلى الثانى، وأرى أن التجديد ينبغى أن يكون فى مضمون الخطاب نفسه، الذى يتلقى الخطاب، وكذلك الذى يحمل هذا الخطاب. بغير ذلك لن يكون هناك تجديد. فلنفترض أننا جئنا بمضامين جديدة جدًا، لكن العقلية لا تستوعب، ما الفائدة إذن؟

التجديد لا يعنى التعدى على النص المقدس أبدًا، إنما التجديد يكون فى المضمون والفهم والاكتشاف. ولكى نجدد مضمون الخطاب الدينى نحتاج إلى إصلاح مناهج التعليم، خاصة مناهج التعليم الدينى، نحن نحتاج لتجديد المناهج التعليمية والعقول، لأن هذا الخطاب بمضمونه هو ثمرة هذه المناهج.

كما نحتاج إلى عقلية جديدة مستنيرة مؤسسة على العلم تستطيع نقل هذا الخطاب المُجدَّد، فى ظل وجود عقليات حاليًا تقول إن الفلسفة حرام، وعلم الاجتماع بدعة، وعلم النفس «بتاع القردة»، وآخرون يتصدون للخطاب الدينى، وفى اعتقادهم أن كل الحلول فى خطبة الجمعة فقط، وكذلك نحتاج إلى التعامل وفقًا لعقلية المتلقى، فالتجديد له زوايا متعددة، لكن قبل ذلك كله، هل اتفقنا ووضعنا ورقة عمل عن تجديد الخطاب الدينى؟

القرآن الكريم ذاته هو الذى أمرنا بتجديد الخطاب الدينى، والدليل على ذلك أن أسلوب القرآن وموضوعاته فى مكة غير المدينة، حيث كان يُعالج فى مكة قضايا العقيدة بأسلوب موجز، لكن فى المدينة كانت هناك دولة قائمة، ومن ثم كانت هناك ضرورة لتوضيح كيفية تنظيم هذه الدولة.

على سبيل المثال، البعض يقول إن النبى عليه الصلاة والسلام، لم يجاهد بالسلاح فى مكة لأنهم كانوا قلة ضعفاء، وعندما ذهب إلى المدينة أصبح قويًا فقاتل، وهذا كلام خطير جدًا وخاطئ تمامًا، لأنه يعنى أن الرسول امتنع عن القتال فى مكة بسبب ضعفه، وبالتالى يظهر للمسلم أنه عندما يتمكن سيقضى على العالم.

القتال الذى حدث فى المدينة ليس من باب القوة، وإنما كانت هناك دولة يجب الحفاظ عليها وعلى مقوماتها، لذلك كُتبت وثيقة بين المسلمين واليهود فى المدينة، فى ظل أن الإسلام شرع القتال للحفاظ على الدولة والإنسان، وليس فى المطلق.

■ فى هذا السياق.. هل الفتوحات الإسلامية كانت للحفاظ على الدولة؟

- الفتوحات كانت لسببين، إما لدرء حرابة واقعة أو لدرء حرابة متوقعة، فمن حق أى دولة تعلم أن هناك اعتداءً سيحدث عليها أن تؤمن نفسها، لكن لا يوجد فى الإسلام أبدًا قتال دون عدوان، وكل الآيات التى جاءت فى القرآن تؤكد ذلك.

■ كيف يستفيد الناس من تجديد الخطاب الدينى؟

- أريد خطابًا دينيًا روحيًا يحل أزمات الناس، وفى الوقت نفسه خطابًا ماديًا يجعل الناس يعملون وينتجون، كما نريده خطابًا ينصف المرأة، خاصة أن أكثر ما يرفضه العالم الغربى فيما يخص الدين الإسلامى يتعلق بقضايا المرأة، والحديث عنها بأنها أخرجت آدم من الجنة، وأنها الشر كله و«أُس البلاء».

يجب تجديد الخطاب الدينى فى قضايا المرأة والأسرة للحفاظ على الأولاد، مع توجيهه إلى العالم الذى يستمع إلى مصر والأزهر، محور الإسلام فى العالم كله، حتى لا يكون خطابًا محليًا ولا بيئيًا ولا محكومًا بقرية.

■ مؤسسات الأزهر والأوقاف والإفتاء تبدو وكأنها تعمل فى طرق مختلفة.. هل تتفق معى فى ذلك؟

- نعم، الجهود مبعثرة بين كل من الأزهر والأوقاف والإفتاء، هى تعمل لأن المسئولين يريدون ذلك، فالمؤتمرات التى تقام عن الإرهاب وقضايا الأسرة، الدولة هى التى تشير لها فى البداية.

وأرى أن كل هذا التفاعل نظرى وكلام على الورق، بدليل أن الخطاب الدينى كما هو، بل على العكس، ربما تستبعد تلك المؤسسات بعض الذين يفكرون ويحاولون التغيير، لأنهم «عايزين الدنيا زى ما هى».

■ حتى الآن نجد أسئلة للوعاظ حول البنوك وفوائدها، والوعاظ يردون بالرد القديم، فأين تجديد الخطاب الدينى، والله تعالى يقول: «وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ»، أى بأخذ الزيادة؟

- أيضًا المرأة علم يُدرَس فى الغرب، لكن لدينا يُدرس إذا ما كانت المرأة بكرًا أم ثيبًا، إلى جانب الحديث عن العادة الشهرية والولادة، فهل لدينا تجديد للخطاب الدينى فى هذا؟ هل ندرس حالتها البيولوجية والنفسية؟ أم نكتفى فقط بترديد أن المرأة نصف المجتمع، وأن الله ساوى بينها وبين الرجل.

■ هل نفتقد لدعاة يتحملون تجديد الخطاب الدينى؟

- نعم، نفتقد للدعاة الذين يتحملون تجديد الخطاب الدينى، وكما قلت من قبل، نحتاج إلى تجديد مناهج التعليم، وأنا شخصيًا تُعرض علىّ موضوعات للدراسات العليا لا تعود بأى ثمرة على المجتمع، بل إن هناك باحثين ينهون الدراسات العليا وهم لا يعرفون الكتابة أصلًا، وكل ما يقدمونه منقول عن المراجع والإنترنت، فهل يمكن لمثل هذه الرسائل العلمية أن تقدم جديدًا؟ هل يمكنها أن تُحدث ثورة فكرية فى المجتمع؟ بالتأكيد لا لمعظمها.

■ ما رأيك فى تكفير العلمانيين ومطاردة ورفع قضايا على بعضهم؟ هل لديك رؤية لكيفية نقدهم والتعامل معهم؟

- لا أحب نظرية المؤامرة التى تبثها «الإخوان» والجماعات المتطرفة، وأنا ضد تكفير أى شخص، لأن تراثنا يقول: «الإنسان المسلم لا يرمى بكفر ولا بفسق ما دام له تفسيره»، والإمام الشاطبى قال: «ممن يدخل تحت رحمة الله عثرات المجتهدين»، والمخطئ لدينا له أجر، والدين ليس حكرًا على طائفة.

قرأت «إسلاميات» لزكى نجيب محمود، وهى من أجمل ما يكون، قرأت فيها تفسيرات لآيات القرآن الكريم لم أقرأها فى حياتى، رغم أن الكاتب له فكر معين، فهو يرى أن الإيمان يستوجب أن تؤمن بالله وبالرسل، ولكن فى قضية الفكر، يمكنك أن تطرح كل التأويلات.

وأبوحامد الغزالى قال فى كتابه «فيصل التفرقة»: «لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة وغير المتخصصين والمتشددين»، وذلك لأنه يوجد رأى ورأى آخر، صواب وخطأ، أما الإيمان والكفر فهما بين العبد وربه.

■ ما تقييمك للدكتور فرج فودة؟ 

- لا أستطيع أن أرميه بباطل، لأن كل ما ذكره من قضايا يتفق عليها كل العقلاء، فهناك فرق بين «المُقدس» و«الحواشى»، هل طعن فرج فودة فى النص القرآنى الثابت؟ لا، هل طعن فى المعلوم من الدين بالضرورة؟ الأمور الخفية فى أحكام الشريعة إذا أنكرها الإنسان لا يُكَفر.

العلمانيون فى مصر ليسوا «ملاحدة»، ولدينا خلط فى قياس العلمانيين فى مصر بمن هم فى أوروبا، رغم أنهم يختلفون فى التطبيق، فالعلمانى فى مصر يرى أن الدين يكون حبيسًا للمسجد، ولا يشمل حركة المجتمع، لكنه لا ينكر الدين الثابت.

وفى كل الأحوال، الانتقال إلى القتل والتكفير عمل إرهابى لا علاقة له بالدين، والعالم الراسخ يتقبل الفكر ويناقشه، يواجه الفكر بالفكر، أما الجاهل فليس لديه فكر، ولديه معتقدات مشوهة بداخله، فيعتقد أن هذا الرجل ما دام يُحارب التراث لا بد من مهاجمته، ويبدأ فى التحرك نحو ذلك، ويعتبر نفسه مجاهدًا فى سبيل الله، وهذا نتاج الجهل والتعصب، وجماعات تغذى الفكر بالخطأ.

■ كيف يحدث هذا؟

- عندما تبحث فى مناهج التعليم لدى جماعة «الإخوان» ستجد كل التفسيرات الخاطئة، التى تصف المجتمع بأنه «جاهلى كافر»، وبالتالى ينشأ الأولاد من الصغر على عداء كل الطبقات.

«الإخوان» فعلت ما يمكن أن نسميه «عسكرة السيرة النبوية»، من خلال حراك عسكرى وسياسى، وليس اعتمادًا على الهدى، لذا تتم تربية أفراد الجماعة على كتب بفكر معين ليست له علاقة بالمقدس، مثل سيد قطب، الذى كتبه فى «الظلال»، وما كتبه سيد قطب كلام بشرى يُقبل ويُرفض، أما النص القرآنى فهو مقدس.

ومع ذلك، يتمتع النص القرآنى بالمرونة، وألفاظه تحتمل هذه المرونة، لأنه الكتاب الخاتم والكلمة الأخيرة للعالمين، والله سبحانه وتعالى أعطاه للبشرية نصًا تستطيع أن تستخرج منه ما يطور حياتك إلى أن تقوم الساعة، أما «الإخوان» فتوظفه فى الفكرة التى تنفعها، مع توريط و«جرجرة» الأزهر لهذه المعارك.

كان على مؤسسة الأزهر أن تعلن، رسميًا، عن رفض قتل فرج فودة، وأرى أن تطوع الشيخ الغزالى للشهادة فى هذه الجريمة بالمحكمة غلطة شنيعة وبقعة سوداء، رغم أنه زار نجيب محفوظ فى المستشفى. لذا فإن ما فعله محمد الغزالى بشأن جريمة قتل فرج فودة كان سقطة، كان من المفترض ألا يذهب، أذهب للشهادة فى قضية فكرية، لكن لا أذهب للشهادة فى جريمة قتل.

مؤسسة الأزهر لم تقر ما حدث مع فرج فودة، ولم تتدخل فى قضية نصر أبوزيد، لكن الدكتور محمد عمارة رد على «أبوزيد» فى كتابه «التفسير المرقسى فى الإسلام»، وكان ردًا كاملًا، واستبعد فى مقدمته «التكفير»، لكن من يقرأ الكتاب إلى آخره سيجد هناك «تكفيرًا بصيغة غير مباشرة»، وهذه مشكلة كبيرة.

وأرى أن أكثر الكتابات التى ترد على مثل فرج فودة ونصر أبوزيد تفتش وتحفر فى ضمير ونوايا الكاتب، فمثلًا نصر أبوزيد قال إن «القرآن منتج ثقافى»، هل هذا معناه أنه يقول: «القرآن ليس كتابًا إلهيًا أو سماويًا؟».

أقصد من هذا كله أن هذه ستظل قضايا فكرية، فى الساحة الفكرية العلمية، والخروج بها إلى دائرة الكفر والفسق والقتل والدماء والمحاكم ليس من منهج العلماء القدامى أو المحدثين.

■ هل تأخذ على الكتابات التى من «أرضية علمانية»؟

- نعم لدىّ ردود على هذه الكتابات، مثلما رددت على الدكتور نصر أبوزيد، وما يتعلق بمنهج التعامل مع التراث، لأن بعضهم لديه قراءة جزئية للتراث ولديه حكم مسبق على هذا التراث.

الخلاف الأساسى بين العلمانيين والأزهريين، أن كلا الفريقين لا يقف فى خندق واحد، كل واحد ينظر من زاوية، لكن عندما نضع منهجًا عقليًا يتفق عليه الجميع ربما نلتقى. مثلًا، لو نظرنا إلى من ينكر بعض الأحاديث من الزاوية الدينية، سيقول صاحب هذه الزاوية إن هذا «إنكار للسنة»، أما الفريق الثانى فسيقول: «ليس إنكارًا للسنة».

وكم من أحاديث صحيحة لم يعمل بها العلماء وتركوها، لأنها أحاديث قامت على قرائن وشواهد أخرى، مثل حديث «المصراة»، وهو يعنى ربط البقرة ٣ أيام دون أخذ اللبن، حتى عندما يأتى أحد لشرائها يجدها قوية وحلوبًا، وبعد شرائها وأخذ لبنها يكتشف أنها هزيلة، وهو ما دعا النبى لأن يقول: «هو بخير النظرين، إن شاء أخذها، وإن شاء ردها وصاعًا من تمر»، وهو ما رد عليه الأحناف، معتبرين إياه «كلامًا غير صحيح»، لأن رد الشىء يكون بمثله أو قيمته، والتمر ليس مثل اللبن ولا بقيمته، وبالتالى هذا حديث صحيح، لكن الأحناف رفضوه.

وأريد الإشارة هنا إلى أن الدكتور عبدالمعطى بيومى كان يتحدث عن الأحاديث بجرأة أكثر من الأشخاص ذوى الأرضية العلمانية الذين تناولوا هذه الأحاديث، ومع ذلك كان يتم التعامل معه بطريقة راقية، فهل عندما يخرج عالم أزهرى ليتحدث عن تنقيح السنة وكتب الصحاح مثل «البخارى» نتناقش معه، ولكن خارج الأزهر يُعارض ويُهاجم؟!

لا بد فى تجديد الخطاب الدينى من بناء جسر تواصل بين الفقه والحديث، وأعجبنى الشيخ الغزالى عندما قال: «لا سُنة بغير فقه». والحديث الذى يخالف العقول، علماء الوصول قالوا إنه غير معقول، لأنه ليس من المنطقى أن يأتى النبى بحديث يخالف العقل والمنطق والكليات التشريعية والقواعد العامة فى الشريعة.

ولا يُقبَل الحديث الواحد فى الأصول العامة والأمور الحياتية المهمة، وفى قضايا الأمة المهمة أو الشائكة، ولا بد من بناء جسر بين السُّنة والفقه، والنظر إلى مقاصد الأحاديث النبوية كما ننظر إلى مقاصد القرآن.

■ كيف يمكن أن نحرر العقل العربى والإسلامى من أثر الخرافة والتفكير الخرافى؟

- هذه قضية متعبة جدًا وفى غاية الصعوبة، لا بد أن تُنشر فى المجتمعات فلسفة العقلانية، إعلاء العقل وتمكينه، والذى يقول عنه الإمام ابن الجوزى: «شمعة تضىء لك كيف تطفئها؟». نحن بالعقل عرفنا الله، والعقل له مهمتان فى الإسلام: إيجاد وجود الله، وإثبات النبوة، والدين قام على هذين المبدأين، وهذان المبدآن ثبتا بالعقل.

لا بد لعقلية الإنسان المسلم أن تُبنى على عقلية فارقة، تفرق بين القطعى والظنى، بين الثابت والمتغير، بين الأمر الذى يقبل الاجتهاد والذى لا يقبل الاجتهاد، بين الحقيقة والخرافة، وهذه مهمة كبيرة، وسيكون المستقبل خطيرًا دون بناء عقول تفكر وتبدع، تعرف المنهجية العلمية، ويكون لديها رسوخ.

وأنا حتى الآن أستغرب من العلماء والأزهريين المشتغلين بالأحاديث الذين يقولون إن «الفلسفة حرام»، رغم أنها نمط من التفكير والتحليل، والقرآن نفسه عندما تقرؤه تحلله وتفسره.

■ هناك اتهام لبعض العلماء بأنهم أوصلوا تجديد الخطاب الدينى إلى الجمود، وأنهم يحتكرونه لأنفسهم.. ما رأيك؟

- تجديد الخطاب الدينى لا ينبغى أن يقتصر على المؤسسة الدينية، فنحن بحاجة إلى علماء الاجتماع والنفس والاقتصاد والإعلام، حتى نقدم خطابًا دينيًا ملائمًا للعقل، ومجمع البحوث فى الأزهر يستدعى علماء فلك وأطباء وعلماء جيولوجيا، وغيرهم بالفعل. وأرى أن أول خطوة فى تجديد الخطاب الدينى هى ورشة يُدعى إليها العلماء من كل التخصصات، ومن خلالها نحدد المقصود من تجديد الخطاب الدينى.