رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

علاء خالد: «أمكنة» التجربة الأهم بمشوارى.. وأعتز بـ «بحث حر في عقل داود عبد السيد»

صورة للشاعر والكاتب
صورة للشاعر والكاتب علاء خالد بحضور الناقد السينمائي عصام زك
صورة لغلاف كتاب داود عبد السيد وسينما الهموم الشخصية لعلاء خالد.

بعد صدور عنوانه الأخير في تفاصيل طرحه الكلي، عن الصورة والصوت والإيقاع بلغة شعرية في متون" سينما الهموم الشخصية _ عند المخرج داود عبد السيد، يطرح الشاعر علاء خالد كثير من الرؤى_ فيما يخص علاقته بالإسكندرية كذلك كل من شغلته هذه المدينة.

الإسكندرية كان لها كثير من نقاط الثبات والتأرجح في مخيلة علاء خالد الذي أصدر من قبل أكثر من خمسة عشر عنوانا مابين الشعر الحداثي في قصيدته المغايرة، بالإضافة لروايات أربع وتجربة مثيرة وجمالية فارقة ومغايرة في مجلته “ أمكنة_ بعيدا حتى عن الجوائز المستحقة في نتاج وفعاليات الكاتب المتعدد المسارات والرؤى منها جائزة أفضل كتاب في معرض القاهرة الدولي العام قبل الماضى، ”الدستور" التقته فى حوار لاتنقصه الصراحة.

 

بورتريه للشاعر والكاتب والناقد علاء خالد.

عن كتابك (سينما الهموم وداود والواقعية الجديدة) وتلك العلاقة الحميمية بالإسكندرية، حدثنا عن ردود الأفعال من قبل قراء السينما والادب؟

تلقي كتابي الجديد:"داود عبد السيد: سينما الهموم الشخصية"، بالنسبة لسياقي الأدب وتاريخ السينما، تم في الغالب في مكانه الصحيح، الذي كنت أتمناه، بدون البحث عن تصنيف مخل، أو مسرف في تخصصه، فالكتاب مثل بحث حر في عقل ونص داود عبد السيد السينمائي، وإعادة اكتشاف الثوابت التي أقام عليها سينماه، وشكلت عناوين فصول الكتاب، مثل الصعلكة، والتجاوز، شكل حضور الراوي، حضور الذنب، ثنائية الحلم والواقع، وزمن البعث وغيرها من الأفكار المؤسسة.

أتذكر في هذا السياق المنهج البحثي الحر فيكتب الفيلسوف وعالم الفيزياء الفرنسي جاستون باشلار، على سبيل المثال "شاعرية أحلام اليقظة" و"جماليات المكان" رصد لظواهر فرعية حاضرة في نصوص نثرية وشعرية، ولها أكثر من حقل علمي لتأويلها، كالنقد الأدبي، علم النفس، الفلسفة، وغيرها، ولكنه صنع حقلا جديدا من التأويل معتمدا على كل هذه الأنواع. لم يعتمد، تبعا لنظرته، على دراسة الأدب عبر متونه الأسا سية، مثل الأسلوب والمضمون، لكن عبر الصورة الثانية المتوارية، خلف هذه الأساسيات، وهو ماكنت أبحث عنه في سينما وعقل داود عبد السيد، دون أن أتجه لنقد المتن"الوهمي" الذي استقي منه هذه الصورة.

صورة للشاعر علاء خالد في أحد اللقاءات الشعرية..

 

_ماهي رؤيتك لعلاقة المخرج يوسف شاهين من خلال كتابك الذي استعرضت فيه علاقة داود بالمدينة، وكيف ترى تلك العلاقة فنيا وسينمائيا ونقديا ؟

هناك تشابه في شكل حضور مدينة الإسكندرية، عند كل من داود عبد السيد ويوسف شاهين، بالاتفاق أولا على رمزيتها عند كليهما، لكن عند داود حضورها، ليس ذاتيا كما عند يوسف شاهين، يساهم في احتواء مصير وتحولات الأبطال الآخرين، وليس حكرا على بطل واحد، فهي ليست نجربة ذاتية، بل جماعية، هناك بطل متفاعل، له تأثير ملموس إلى حد كبير على الجميع.

أما عند شاهين، فالمدينة تجربة ذاتية، على مقاس بطلها، لها حميمية وسرية والالتصاق بها مثل الأم، لها تصعيد ميتافيزيقي لحد كبير، فالبطل في نزاع عاطفي بين حضورها وغيابها،وهناك تذكردائما لها.

وعند داود فهى متحركة على أكثر من سياق عاطفي، ربما هو ثابت أحيانا،لكن ليس له هذه الترددات الأمومية السرية، لذا هي متحولة ولها أكثر من وجه ورمز من فيلم لآخر. 

 -ما الفارق في الرؤية للإسكندرية الكوزموبوليتانية في عوالم شاهين/ عبد السيد ؟

الاثنان يتفقان عند هذه النقطة، بينما هامشية المدينة وتاريخها الحر يقف ضد السلطة الابوية دائما عند داود، يأخذ شاهين الجانب الآخر من الضدية، بوصفها السلطة الأمومية، في الحالتين تم استخدام المدينة لمحاربة القهر أو السلطة، هذا التثبيت الشعوري سيخلق رغبة للفكاك من اسر هذه السلطة ثم إستعادتها بالتذكر كما يحدث عند شاهين، أو بالمواجهة والتجاوزعند داود. 

إسكندرية داود قابلة للتجدد والعيش في الحاضر، أما إسكندرية شاهين فهي أيقونة لن تعيش إلا في الذاكرة، لتمارس سلطتها وتبعث حنينها باسنمرار.

_حدثنا عن تلك العلاقة التي تتأجج من نص لآخر في متونك السردية؟

أحب كتابة المقالات، كونها النوع الحر، الدقيق، المتعدد، غير الشعر أو الرواية، النوع الذي لا ينقذه فقط الأسلوب، لكن أهمية حضور فكرة واضحة، دون أبطال،أو غموض يكتنفها، وقادرة على التطور والتشابك مع أفكار أخري، وصنع هذا النسيج  المتماسك لنص المقال. أي مقال تحد لمفهوم المعرفة الذي بداخلي وكيفية تطويعه جماليا وفكريا.فالمقال وإن كان له مرجع تاريخي، ولكنه حديث وآني، ليس كالرواية أو الشعر.أي كاتب لمقال يمكن أن بكون هو المرجع لنفسه، عبر ثراء المصدر الفكري والمعرفي، وليس الأسلوب الجمالي فقط.فأشكال المقال لاتتناسخ، بل تتشعب في كل الاتجاهات كأوراق الشجر. 

_وماذا عن مقالاتك في هذه الأطر المعرفية / الفلسفية ؟

المقال يقف في منطقة وسطى بين عدة أشكال أدبية مثل الحكاية الصحفية، الاستقصاء،السرد الروائي الصرف، الحوار، حدس الشعر وغموصه، فليس الوضوح المعرفي للمقال يعني انتفاء الحدس منه، فالمقال هو النوع الحديث/ القديم، للكتابة الأدبية،وسيكون له حضور أكثر في المستقبل، كنوع مستقل، له جمالياته، بجانب أنه آنية تمنحه خصوبة تعوض لازمنية التأمل الشعري أو الروائي،هذه الآنية لها طزاجة كأني أكلم الناس مباشرة، أثناء الكتابة، المقال له جدار مفتوح كما الحائط الرابع في المسرح،يتم فيه تبادل الأفكار مع جمهور ما.

_علاء خالد يؤمن بماهية التوحد مع النصوص التي تدعم موقفه من طرائق ومسارات الابداع؟

نصوص السيرة على سبيل المثال تقع في دائرة اهتمامي المباشر، أو نصوص تعيد خلخلة فكرة المتعة، تجد فيها نوعا آخر من السير الفكرية، مثلا "شاعرية أحلام اليقظة" أو "حدس اللحظة" أو " المشي فلسفة"، وكتب "أنثروبولوجيا الطعام"، فهى نصوص تعيد أوتوسع الفكرة الجمالية كونها تضعها في مساحة أوسع أو بشكل ما هناك نوع من التحدي في قراءتها.

ويضيف: هناك أيضا نصوص تظل بيننا مسافة أثناء القراءة، بدون تماه أو تغيير في ذائقتي، وهذا نوع غالب في النصوص، سيكون له شهرة مسيطرة تحفزني علي التعامل معها، منها ماينصم لمفضلاتي، ومنها مايظل له مكانة لكن من خلال مسافة بيننا تمنع التماهي، وربما هذا النوع الأخير يكون له فاعلية غير مباشرة أو خفية داخل مركز إنتاج الكتابة في اللاوعي، يساهم ولكن عبر تفاعلات زمنية طويلة الأجل، أحيانا اشهد حضور فكرة أو تقنية من نصوص قديمة ولم اتفاعل معها وقتها، بشكل كامل، مثل ديوان لوتريامون أو "فصل في الجحيم" أو "بيدرو بارامو" أو "القضية" لكافكا.

 

_ ما بين الشعر والرواية وكتابة المقال، أين يجد علاء خالد بغيته وخلاصه؟

أتنقل بين كتابة الشعر والرواية والمقال، ليس إحداها تطورا لنوع آخر، بل مكملا له مع استقلال أدواته، في النهاية هناك تواطؤ بين أنواع، وتخليق لأنواع هجينة بينها لصالح النص المتخيل الذي نسعى جميعا لكتابته، ربما الجانب الروائي يقل في المستقبل، ولكن لن تختفي أدواته كون هناك أسباب خارجية ترشح نوعا عن آخر، ربما الشعر، كما أتخيله، والمقال الآن هما النوعان المفضلان، لأنهما يملكان آنية وبث مباشر لرصد التحولات من حولنا، ليس فقط للبحث في طبقات الوعي الشخصي والمجتمعي، فالسيرة الذاتية لا توجد فقط في الماضي، بل الحاضرأيضا ، والأكثر تعبيرا عنها بالنسبة لي هو المقال والشعر.

_ حدثنا عن حصاد تجربتك في مجلة " أمكنة" وكيف ترى هذا المسار بعد مرور مايزيد عن خمسة وعشرين عاما؟

مجلة " أمكنة" هي التجربة الأهم في حياتي، صنعت تحولا فكريا هادئا وطويل الأجل بدون نقلات وجودية جذرية كما حدث في بداية دخولي عالم الأدب، هي التجربة الوجودية ذات الاتجاهين، التي تشتغل على الوجود الداخلي واكتشافه عبر الالتحام بوجود خارجي متمثل في الناس وطبقات المكان وحفرياته. 

بدأنا، في المجلة، استلهام مفهوم"الحكاية" سواء الشخصية أوالعامة، بجانب المقال الذاتي، والحوار مع الناس،كأنواع ترشح لبداية كشف طبقات حفريات المكان وأي مفهوم جمالي، وظل "المكان" حاضرا كإطار متعدد الأوجه والطبقات يستوعب تحولات الفكر والبحث والانتقال من الفردي للجمعي والعكس. 

المجلة تجربة كشف لواقع مصري في لحظة تحوله العنيفة والتأريخ لها وبحث في هوامشها الممتدة حتى الآن، كونها، الهوامش، هي الصالحة للاستمرار والتبني وإعادة إنتاجها داخل الحاضر. وبشكل شخصي لقد غيرت المجلة من طبيعة أسلوبي في الكتابة،نظرتي للحياة، أنتجت حوارا داخليا وتصاعد معها مفهوم "الحكاية" من حكاية شخصية إلى حكاية مجتمع بكامله يبحث عن حقيقته. كنت اتطور انسانيا وأسلوبيا من عدد لآخر.

-كيف ترى تأثير " أمكنة على الواقع الثقافي والإبداعي المصري ؟

 عن تأثيرها في الواقع الثقافي،أجد منهجها في البحث والصياغة وتكوين السياق، تسرب لكتابات ومناهج بحث أخرى سواء فيما يخص مفهوم المكان، مفهوم الحكاية، قراءة التجربة الذاتية من خلالهما، بجانب شكل الريبورتاج الصحفي المدعم بالصور والتي كان لها حضور كثيف في المجلة نظرا لأهميتها في ذلك الوقت، بل ساهمت في ملء فراغ في المفاهيم المجتمعية ووسائل قراءة المجتمع والذات، في نهاية التسعينيات، لغياب أدوات بحث أخرى كان المجتمع الادبي والفكري وقتها في حاجة لمفاهيم يبدأ منها بدايات السرد الذاتي أو الفكري، أو النقد للماضي والكشف عن بدايات الأزمة الذاتية والمجتمعية معا. كانت المجلة حاضرة، بشكل مباشر وغير مباشر، وسط هذا المجهودات البحثية.

_ الإسكندرية_ العيش والحلم والملاذ، هل كانت هناك ثمة قصدية في قبوعك هناك وانعدام الإقامة بالقاهرة؟

اختياري العيش في الإسكندرية جزء من التجربة التي اخترتها لحياتي، كانت هناك قصدية في تحاشي سلطة أي مركز ثقافي، حتى وأنا في الإسكندرية كنت استبعد من علاقتي بالمدينة مركزيتها المتمثلة في فكرة التعدد والكوزموبوليتية، التي استهلكت. 

صورة من أحد اللقاءات السينمائية مع الناقد عصام زكريا.

 

_ ذكرت من قبل أن هناك إسكندرية أخرى بعد ثورة يوليو، هل كان للعيش أو الظرف السياسي أم لأسباب ذاتية_ إصرارك على الوجود بمدينتك_ حدثنا ؟

مع هذا النسيان للمركز، وتحديدا فيما آلت إليه الأحوال_ عقب ثورة يوليو، ظهرت مناطق القوة الهامشية في الإسكندرية، مثل ذاتيته، والتي تنعكس على ساكنيه، فقد تحول المكان إلى مركز ولكن من نوع جديد ليس مثقلا بالسياسة والتفوق والصراع الطبقي.فالمدينة ليست تاريخا قديما فقط، ولكنهت تاريخ بعدد وجدية وعمق انجازات الحاضر، واعتبر حضوري وحضور المجلة جزءا من إنجازات الحاضر أو اسكندرية الجديدة.

_ وكيف كانت علاقتك بأسرتك في هذا الظرف ؟

شيء آخر مهم أن كان لي عائلة، أبي وأمي،أعيش معهما، كانا يحتاجاني، لم أرد أن اتركهمافي لحظات ضعفهما، وبعدها تزوجت، وتشعبت فكرة العائلة.عند هذه النقطة كان يجب أن أعيش انقطاعي الفكري داخل هذا المتن الاجتماعي العاطفي وليس مفصولا عنه، كفرد داخل جماعة حميمة، أو كفرد مستقل، يريد أن يحافظ على روابط جمعية اختفت من المجتمع أو كانت على وشك. هنا كانت التجربة على ما اعتقد وأهميتها بالنسبة لي.

لقد أوجدت مدينتي ومجتمعي وتمردي الشخصي، داخل المدينة،فصنعت منها مدينة تخصني، ربما تقع ثقافيا بين الفردية المنفتحة لإسكندرية داود عبد السيد، وبين كونها العضو النفسي الحميم كما إسكندرية يوسف شاهين. 

_أكثر من خمسة وثلاثون عاما من الابداع بأكثر من مسار فني_ كيف ترى حصاد الرحلة؟

ربما يرى الآخرون حصاد الرحلة، لكن يمكن أن أخطط لها رسم بياني، فقد كانت تتضمن عدد من النقاط المفصلية والتحولات. كل تحول كان قبله نهاية لمرحلة ويتبعه بداية جديدة مثل نهايات وبدايات حسين البرغوثي في سيرته الذاتية عن فلسطين الطفولة: سأكون بين اللوز. 

الرحلة تاريخ لهذه النهايات والبدايات، التي لم أكن أعرف لأنها ستتحول إلى بداية ولكن بعد أن تم الامنزاج تماما بين القديم والجديد، النهاية والبداية، فالانفصال نقطة ترابط وليست نقطة قطيعة، ربما كانت هذه التحولات هي السبب في تعدد الرؤى الذي كنت اتمناه من حياتي ولحياتي ومن تجربتي فيها.