رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فضيحة فى هارفارد!

مع إعلان لورانس باكو، الرئيس التاسع والعشرين لـ«جامعة هارفارد»، فى يونيو ٢٠٢٢ عن اعتزامه الاستقالة من منصبه خلال سنة، بدأ البحث عن بديل. ومن بين ٦٠٠ مرشح للمنصب، وقع الاختيار على كلودين جاى، أستاذة العلوم السياسية، التى صارت فى أول يوليو ٢٠٢٣، الرئيس الثلاثين للجامعة الأمريكية العريقة، وأول امرأة سوداء تتولى هذا المنصب، قبل أن تصبح، منذ أيام، أول رئيس للجامعة يضطر إلى الاستقالة، لمجرد أنه دافع عن حرية تعبير الطلاب داخل الحرم الجامعى!

تعرضت «جاى»، Claudine Gay، لهجوم حاد، عن عدم إدانتها «بشكل مناسب» عملية «طوفان الأقصى»، أو الهجمات التى تعرضت لها إسرائيل فى ٧ أكتوبر الماضى. ثم زادت حدة الهجوم وشراسته، بعد أن وصفت المظاهرات المناهضة لدولة الاحتلال فى حرم الجامعة بأنها تندرج تحت نطاق «حرية التعبير»، واتهمها اللوبى الصهيونى الأمريكى بـ«معاداة السامية»، كما استدعاها الكونجرس الأمريكى، فى ٥ ديسمبر الماضى، فى جلسة استماع حول «تزايد معاداة السامية فى الحرم الجامعى»، استمرت لأكثر من خمس ساعات، وانتهت بتوقيع ٧٠ نائبًا فى مجلس النواب على بيان يطالب بإقالتها، بزعم أنها لم تقم بما يكفى لإدانة «معاداة السامية» ومكافحتها!

فى المقابل، قام ٧٠٠ من أعضاء هيئة التدريس بالجامعة بالتوقيع على بيان يعترض على المطالبة بإقالة «جاى»، وأكدت «رابطة خريجى هارفارد» أنها تدعم قيادتها الجامعة «بالإجماع وبشكل لا لبس فيه»، وتشيد بها، وتؤيد «حق جميع الطلاب فى التعبير عن آرائهم». وبزعم أن «جاى» التزمت «بمضاعفة حرب الجامعة ضد معاداة السامية»، قال مجلس إدارة مؤسسة هارفارد، فى ١٢ ديسمبر الماضى، إنه يؤيد «بالإجماع» بقاءها فى منصبها. غير أن «جاى» قررت الاستقالة، فى ٢ يناير الجارى، وأوضحت فى بيان نشرته جريدة «نيويورك تايمز»، أنها فعلت ذلك حتى لا يتسبب الجدل بشأن شخصها فى «إلحاق ضرر بالجامعة»، وأكدت أن الحملة، التى استهدفتها، قامت على الأكاذيب والإهانات الشخصية.

هنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن مجموعات طلابية فى الجامعة نفسها، جامعة «هارفارد»، تعرضت، أيضًا، لحملة هجوم شديدة الحدة والقسوة، حين أصدرت بيانًا مشتركًا، أواخر أكتوبر الماضى، يحمّل «النظام الإسرائيلى كامل المسئولية عن العنف»، ويؤكّد أن عملية «حماس» لم تأتِ من العدم، وأن «العنف الإسرائيلى يهيمن على كل جوانب الوجود الفلسطينى منذ ٧٥ سنة». وكان أطرف ما شهدته تلك الحملة هو تأكيد رجل الأعمال الأمريكى بيل أكمان، فى حسابه على شبكة «إكس» أن بعض رؤساء الشركات طالبوا بالكشف عن أسماء الموقعين على هذا البيان «حتى لا يتم توظيفهم فى المستقبل»!

المهم، هو أن كلودين جاى، المولودة سنة ١٩٧٠ فى مدينة نيويورك الأمريكية لأبوين مهاجرين من هاييتى، تخرجت فى جامعة ستانفورد، سنة ١٩٩٢، وحصلت سنة ١٩٩٨ على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد، وفازت بجائزة تمنحها الجامعة لأفضل رسالة دكتوراه فى العلوم السياسية، و... و... توصف بأنها من أبرز الباحثين فى السلوك السياسى الأمريكى، خاصة ما يتعلق بالعنصرية والإثنية، وأوضاع السود فى حقبة ما بعد الحقوق المدنية. وعليه، كان غريبًا أن تضيف حملة الهجوم، التى استهدفتها، إلى «معاداة السامية»، اتهامات أخرى من بينها السرقة العلمية واستخدام مواد من مصادر دون إسناد مناسب فى رسالتها للدكتوراه، وفى نصف المقالات الصحفية المدرجة فى سيرتها الذاتية. وهو ما ردت عليه لجنة شكلتها الجامعة، بأنه «لا يوجد انتهاك لمعايير هارفارد فيما يتعلق بسوء السلوك البحثى».

.. وتبقى الإشارة إلى أن مجلس إدارة مؤسسة هارفارد اختار الطبيب والاقتصادى آلان جاربر، Alan Garber، المولود سنة ١٩٥٥، لأبوين يهوديين، رئيسًا مؤقتًا للجامعة، وقال أعضاء المجلس، فى بيان، إنهم محظوظون «لوجود شخص يتمتع بخبرة آلان الواسعة والعميقة وحكمه الثاقب وأسلوبه التعاونى، ومعرفته المؤسسية الاستثنائية للمضى قدمًا بالأولويات الرئيسية وتوجيه الجامعة خلال هذه الفترة المؤقتة».