رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود محيى الدين يتحدث: ضبط سوق الصرف مهم.. ودعم القطاع الخاص أولوية

محمود محيى الدين
محمود محيى الدين

قال الدكتور محمود محيى الدين، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعنى بتمويل خطة التنمية المستدامة، إن انضمام مصر إلى تكتل «بريكس» مع بداية العام الجديد هو فرصة جيدة، تتيح تعميق العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر والدول الأعضاء، خاصة أنها ترتبط بعلاقات متميزة وتاريخية ببعضها، مثل روسيا والهند والإمارات والسعودية، إلى جانب وجود دول أخرى سيتم التعاون معها لأول مرة، مثل إيران.

وأضاف «محيى الدين»، فى تصريحات لـ«الدستور»، على هامش ندوة عقدها معهد التخطيط، الأربعاء الماضى، تحت عنوان: «الحروب والديون والعملة الصعبة»، أن تكتل «بريكس» يمثل فرصة لتوحيد وتنسيق المواقف بين الدول الأعضاء، وزيادة القدرة التفاوضية، إذا ما تطلب الأمر ذلك، لكن فى الوقت ذاته ليس هناك ما يمكن تصنيفه باعتباره «إكسير حياة» يعالج كل الأمراض الاقتصادية، لأن علاج عوار الاقتصاد يحتاج لجذب استثمارات ممتدة ومتراكمة.

ورأى أن أهمية الانضمام إلى تكتل «بريكس» تكمن فى أنه يضم مجموعة من الدول الكبرى، التى تستحوذ على ٢٥٪ من صادرات العالم، ويمثل تعدادها ٤٦٪ من سكانه. كما أن التكتل يستهدف كسر هيمنة الدولار، لا سيما فيما يخص التمويل والديون، من خلال طرح بدائل وحلول مختلفة، فى ظل تبنى الحكومة الأمريكية سياسة خارجية متشددة، تقوم على استخدام العقوبات الاقتصادية سلاحًا دبلوماسيًا، منوهًا إلى أنه لا يتوقع التوصل إلى عملة موحدة لـ«بريكس» قريبًا، لأن الأمر يتطلب ترتيبات بين الدول الأعضاء لابتكار نظام مالى جديد.

وإزاء توقعاته بشأن أداء الاقتصاد العالمى فى عام ٢٠٢٤، قال «محيى الدين» إن الحروب والنزاعات لها مخاطر وتكلفة اقتصادية على دول المنطقة، خاصة الدول المجاورة، سواء لحرب غزة أو أوكرانيا، ومنها تأثيرات على قطاع السياحة وحركة النقل والتجارة، لكنها جميعًا تظل تأثيرات مؤقتة تزول بعودة السلام والاستقرار الأمنى.

وأضاف الاقتصادى الدولى: «توقعات النمو الاقتصادى العالمى تتراوح بين ٢.٥ و٣.٥٪، ومن المتوقع أن يشهد العام المقبل مزيدًا من الانخفاضات فى معدل التضخم عالميًا، بعدما قفز إلى أعلى مستوى منذ ٤٠ عامًا، ليتراوح ما بين ٥ و٦٪، مقابل ٩٪ خلال العام المالى ٢٠٢٢، وأقل من ٧٪ عام ٢٠٢٣، ومع ذلك يجب العمل على ألا يكون هذا التخفيض على حساب التشغيل والنمو وفرص العمل بفعل سياسات تشديد نقدى وأسعار فائدة معوقة للاستثمار وفرص العمل».

وواصل: «هناك توقعات، بعد التثبيت الأخير لسعر الفائدة، أن يبدأ مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة، والتى تتراوح وفقًا لتقديرات البعض بين ٥٠ و٧٥ نقطة أساس، تتم على مرتين أو ثلاث، ولكن فى ظل التخوف من ارتفاع معدلات التضخم لا ننتظر أسعار فائدة كتلك التى كانت بعد الأزمة المالية العالمية، والتى كانت تقترب من ١٪».

وأكمل: «أى حديث عن تخفيض مفرط فى أسعار الفائدة الأمريكية هو نوع من المضاربة السياسية، التى تتوقع أن تشكل الانتخابات الرئاسية الأمريكية ضغوطًا على قرارات الفيدرالى، وهو أمر غير صحيح، نظرًا لاستقلاليته، وبالتالى لا ينبغى المراهنة على انخفاضات عنيفة فى أسعار الفائدة الأمريكية خلال عام ٢٠٢٤، أو الاعتماد على فرق نسبى فى سعر الفائدة محليًا وعالميًا فى جذب الأموال الساخنة بالطريقة المعتادة، وإنما يجب التحوط والعمل على تحفيز الإنتاج والتصدير والاستثمار؛ لضبط سعر الصرف وتحسين قيمة الجنيه وتجاوز الأزمة الاقتصادية بنجاح».

وعلى الصعيد المحلى، شدد «محيى الدين» على أن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى فى المراجعات بشأن الإصلاحات المزمع تنفيذها هو أمر ضرورى، لكنه ليس كافيًا، مضيفًا: «لا ينبغى أن تقتصر الإصلاحات على تحقيق الاستقرار الكلى، بما يشمله من السيطرة على التضخم وضبط انفلات أسعار الصرف، وإنما يجب البناء على نمو شامل ومستدام يتطلب الاستثمار فى البشر، من خلال مزيد من الإنفاق العام والخاص على التعليم والرعاية الصحية، والاستثمار فى البنية التكنولوجية، جنبًا إلى جنب مع ما تم من تطوير مهم فى البنية الأساسية المادية، التى يمكن رؤيتها بكل مكان فى مصر».

وواصل: «ذلك يجب أن يحدث جنبًا إلى جنب مع توسع الاستثمار فى التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى والاستدامة، حتى لا تكون نتائج الإصلاح مجرد إنجاز مؤقت أو عارض، ولكن يبنى عليه بزيادة الناتج والإنتاجية وفتح المجالات التى يتمتع بها الاقتصاد المصرى، من زخم بشرى وكبر حجم السوق، فضلًا عما تمتلكه مصر من إمكانيات هائلة فى الزراعة والتصنيع والسياحة».

ورأى «محيى الدين» أن ضبط سوق الصرف ومواجهة انفلات أسعار العملة الصعبة أمر مهم، لكنه يجب أن يأتى فى إطار خطة شاملة ومتكاملة للتطوير الاقتصادى، وأن يكون هذا فى إطار أهم، وهو استهداف التضخم، وتحسين مستوى دخول ومعيشة الأفراد، وذلك من خلال تنسيق بين السياسات النقدية والمالية.

وأكد أن الاقتصاد المصرى أمام فرص واعدة، لما يتميز به من تنوع اقتصادى كبير وزخم بشرى، يمكن الاعتماد عليه لتهيئة مناخ جاذب للاستثمار، واستعادة تدفق التحويلات، ودوران عجلة الإنتاج بكفاءة عالية.

ونبه إلى ضرورة إفساح المجال أمام القطاع الخاص، لكون هذا خطوة مهمة وجيدة تتماشى مع السياسة الصناعية الجديدة، التى تتدخل خلالها الدولة بتدفق مالى ضخم، لكنها لا تتولى الإدارة أو الملكية، وإنما تقوم بعملية التمويل والمساندة والمراقبة والإنفاق على بعض المجالات، خاصة البحوث المتطورة ومجالات الاقتصاد الأخضر بتنوعه، على أن يتولى القطاع الخاص التنفيذ، نظرًا لكونه أكثر تنافسية وقدرة على اتخاذ قرار بمرونة عالية وتنويع المخاطر.

وأشار إلى أن ذلك اتضح جليًا فى نجاح مبادرة المشروعات الخضراء الذكية، تزامنًا مع استضافة مصر قمة المناخ تحت رعاية رئيس الجمهورية، وبإشراف وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فى جذب ١٢ ألف مشروع كبير ومتوسط وصغير الحجم من جميع المحافظات.