رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"كانت تقرأ الأفكار".. مَن هي فاطمة المليجي صاحبة أعظم قصة وفاء في حياة أم كلثوم؟

أم كلثوم
أم كلثوم

كان لوالدة سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، أثرا بالغا في حياتها ومسيرتها الفنية٬ سجلته الكاتبة نعمات أحمد فؤاد في كتابها "أم كلثوم عصر من الفن".

 

 أعظم قصة وفاء في حياة سيدة الغناء العربي

 

تذكر الباحثة دكتورة نعمات أحمد فؤاد في كتابها "أم كلثوم عصر من الفن"، أن أعظم قصة وفاء في حياة سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، كانت قصتها مع أمها “فاطمة المليجي”. لم تكن تعرف الكتابة والقراءة لكنها كانت تقرأ الأفكار والأخبار والأحداث والوجوه. طويلة الصمت فإذا تكلمت أدت٬ قصيرة العبارة في بلاغ٬ كثيرا ما تغني نظرتها عن الكلام٬ تري الرأي فيكون٬ في محيط أسرتها علي الأقل. تحترم نفسها وتحترم الناس٬ حددت نسلها وأهل الريف هوايتهم التناسل والتكاثر٬ وعلمت فتاتها والفلاحون في القري لا يعبأون بتعليم البنين.

 

وتمضي سيدة الغناء العربي، في حديثها عن والدتها فاطمة المليجي بحسب “فؤاد”: إذا أكلت تعففت وإذا تحدثت تلطفت٬ تزهو بابنتها دون أن تشعرها بالزهو٬ بل لعلها تتعمد إشعارها بأنها كبيرة عند الناس ولكنها إزائها ابنتها فقط أمام أمها فحسب٬ غضبتها مروعة٬ ودعوتها مباركة رائعة السعيد من نالها والشقي من حرمها. عن هذه الأم ورثت أم كلثوم العذوبة و"القفشة" ولهذا سهل عليها الاكتساب في هذا الباب٬ كما أخذت عنها أم كلثوم غير صفة من الصفات. 
 


لم تكن أم كلثوم كبيرة أشقائها٬ بل كانت أصغرهم ولكنها أقربهم إلي قلب أمها وأعزهم عليها وآثرهم عندها. توسمت الأم في الصغيرة الخير٬ وأدركت الطفلة مكانها فزادها المكان والمكانة٬ فتمايزت وامتازت وقررت أن تكون شيئا فكانت٬ وصارت أم كلثوم وسارت بها الأيام٬ ولكنها بعد هذا كله ظلت لأمها "ابنة" تقبل يدها قبيل خروجها للحفلة٬ ولم تذهب أمها إلي المسرح قط٬ ولكنها كانت لا تنام قبل أن تعود. 
 

والدة أم كلثوم خزانة أسرارها


وتلفت “فؤاد” إلي: ولدت سيدة الغناء العربي أم كلثوم في ليلة القدر٬ وفي ليلة القدر من كل عام كانت الأم تحتفل بهذه الليلة٬ احتفالا كبيرا وخاصا٬ وتظن الأسرة أن الاحتفال بالمناسبة الدينية وحدها٬ وإن كانت تحس أنه موسع٬ ولم يدر أحد أن التوسعة لإزدواج المناسبة فإن ليلة القدر هي ليلة المولد أيضا٬ مولد أم كلثوم.    
 

وظل هذا سرا بين الأم وابنتها٬ وكلتهما خزانة أسرار لا تبوح ولا تصيح٬ وظلت الأسرة تشارك في الاحتفال بالليلة المباركة دون أن تعرف سر نكهتها الخاصة حتي أواخر الستينيات.  
 
أخيرا أفصحت أم كلثوم٬ وإذ عرف الجميع ازداد الابتهاج بالليلة المباركة٬ فأطفال الأسرة يحملون الورود والشموع والكبار يهنئون. وظلت الأسرة منذ ذلك التاريخ تحتفل بمولد أم كلثوم مرتين في العام٬ مرة في ليلة القدر وتعتبره مولد المعجزة٬ مرة في 31 ديسمبر وتعتبره مولد الإنسانة.  

علي أن سيدة الغناء العربي أم كلثوم لم تشأ أن تخرج بالإعلان عن اطار الأسرة إلي الحياة العامة التي كانت تتلقف أخبارها٬ لم تشأ أن تكلف أحد شيئا وهي تعرف جيدا ماذا يفعله محبوها وما أكثرهم لو أن الأمر أصبح معروفا ومؤكدا٬ وهو لون من ألوان التعفف ولون من الذكاء يتقي الحرج في حالة الاحتفال أو عدمه.
 


وتؤكد "فؤاد": أحبت أم كلثوم أمها حبا جما٬ واعتزت بها بل كانت لها حياة حتي إذا مرضت مرض القلب أحست أنها ستفقد بفقدها مقوماتها هي٬ وماتت عنها 1947 وهي في سن الرشاد والنضج والوصول ولكنها تفجعت عليها. لقد أحست أنها فقدت كل شيئ٬ فقدت عزوة من الحب والملاذ والسر والحب والحنان. 
 
وانهارت أم كلثوم أذ غادرت أمها البيت وغادرت الدنيا٬ بكتها وظلت أسبوعا لا تغادر حجرتها في صلاة موصولة تفزع فيها إلي الله فلا تهدأ من روع إلا أذا زارت مدفنها وخلت إليها غائبة كالحاضرة كما كانتا تخلوان في الحياة. وظلت أم كلثوم تفعل هذا إلي أن لحقت بها٬ فكانت كلما أثقلها هم تفزع إليها حتي أصبح ذهابها إلي مدفن أمها علامة يخشاها المحيطون٬ أزمة نفسية تفرجها هي حين يعجز الأحياء٬ وما أكثر ما ترددت علي أمها في العامين الأخيرين من عمرها.