رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشيخ أمين حسنين.. حكاية مطرب غني وعزف مع روميل في تونس

الشيخ أمين حسنين
الشيخ أمين حسنين

الشيخ أمين حسنين، واحد من مطربي ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، له حكايات شيقة ومثيرة، غنى في فرح أحد الفتوات ونصره على غرمائه، حتى أنه أيضا غنى أمام ثعلب الصحراء “روميل”، والذي شاركه العزف، فما القصة؟

الشيخ أمين حسنين يتغلب على الفتوات 

حكايات كثيرة بقلم محمد علي غريب، محرر مجلة الكواكب الفنية المصرية عن الشيخ أمين حسنين، حملتها صفحات العدد 249 من مجلة الكواكب الفنية، والمنشور بتاريخ 8 مايو 1958 عن المطرب الذي غني للفتوات وشارك الفيلد مارشال الألماني إرفين روميل، في تونس وسط قصف المدافع وسقوط القنابل.

وبحسب “مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقي العربية”، عن تاريخ المطرب الشيخ أمين حسنين: أن والده حسنين سالم، أحد أساتذة القراءات في الأزهر. التقي الشيخ أمين حسنين، خلال دراسته الأزهرية بالشيخ زكريا أحمد ونشأت صداقة وطيدة بينهما  وقد اتّفق الاثنان على الذهاب إلى بيت الشيخ درويش الحريري لدراسة أصول الموسيقى العربية بموشحاتها وأدوارها.

كما التحق الشيخ أمين بنادي الموسيقى الشرقية الذي كان يرأسه مصطفى رضا، عازف القانون، ودرس هناك فترة من الزمن. ثم لجأ بعد ذلك إلى داوود حسني الملحّن، ونهل من فنّه وألحانه ومكّنه ذلك كله من الموسيقى العربية بأوزانها ومقاماتها، وأصبح قادرًا على التنقل بين أنغامها بيسر وحلاوة.

أدى الشيخ أمين حسنين عددا من الأدوار التي قدمها له القصبجي، وكتب له يونس القاضي “على ضي القمر والكاس”، وبعد تفرغه للغناء تعاقدت معه شركة “بوليفون” الألمانية علي إصدار وتسجيل أدواره الغنائية. زار العديد من الدول التي قد فيها العديد من الحفلات الغنائية في العراق وسوريا، فلسطين والأردن، لبنان، حتي استقر في تونس وأقام بها حتي العام 1968 بتشيجع من صديقه سيد شطا والذي كان يعمل في الإذاعة التونسية.

أما عن حكاياته في مصر مع الفتوات وأفراحهم، فيذكر محرر الكواكب محمد علي غريب أن الشيخ أمين حسنين، يمتاز إلي جانب صوته القوي، بقوي بدنية خارقة، حدث أن دعي لإحياء حفلة طرب أقامها "فتوة" في بولاق، وامتلأ السرادق بمئات من أبناء هذا الحي، وجعل النسوة يتطلعن من النوافذ ويتزاحمن عليها، ابتغاء أن يستمتعن بمباهج هذا الحفل.

وجلس الشيخ أمين حسنين فوق المنصة ليغني، وأخلد الجالسون إلي الصمت في ترقب الغناء، علي أن الشيخ كان يجيل بصره في النوافذ والشرفات، وظل علي هذا النحو وقتا طويلا حتي لاحظ الحاضرون انصرافه عنهم، فتصايحوا في وجهه، ووقع الذي يقع في مثل هذه الحال، حين اشتبك بعض المدعوين في مشادة مع المطرب، وتطورت المشادة إلي معركة. 

ونزل الشيخ أمين حسنين من فوق المنصة إلي أرض السرادق، وأمسك بكرسي وراح يضرب ويضرب، وهرب جميع الموجودين أمامه وكأنهم لا يصدقون أنهم نجوا بأرواحهم. ولم يبق إلا صاحب الحفل الذي جاء إلى الشيخ أمين يعانقه ويختضنه ويقول له: "يا صلاة النبي عليك، فتوة ومطرب يا خويا".

ويستطرد محرر الكواكب: كان الشيخ أمين حسنين يتوقع أن يغضب صاحب الحفل، لأن الليلة التي أقامها لمسرته أنقلبت إلي معركة، ولكنه وجده يغرق في امتداحه والحفاوة به والثناء عليه، وكشف الستر عن السر كله. أن صاحب الحفل "فتوة" اختلف مع فتوات آخرين، وقد أقام هذا الحفل ليدعوهم إليه ويزيل ما في نفوسهم من ضغينة وحقد، وإذا هو يجد المطرب الذي جاء به يتغلب علي هؤلاء "الفتوات" جميعا فيضاعف له الأجر.

 

الشيخ أمين حسنين مع تخته

عندما عزف “روميل” مع  الشيخ أمين حسنين 

ويمضي محمد علي غريب في حديثه عن حكايات الشيخ أمين حسنين: وفي إحدى رحلاته إلي الشام مع فرقة "جورج أبيض" كان يركب مع أفراد الفرقة سيارة أو أتوبيس خاصة، وفي الطريق في الجبل أنغرست عجلاتها في الرمال وتوقفت عن السير، فنزل أخوانه جميعا يحاولون أن يرفعوها فلم يستطيعوا، ونظر إليهم الشيخ أمين نظرة استهزاء قائلا: “بقى أنتم رجالة أنتم، 35 شخط مش قادرين يمشوا العربية؟ وقالوا له: تعالى ورينا شطارتك، وجاء الشيح أمين فنحاهم عن السيارة وراح يرفع فيها حتي غاصت قدماه في الرمال، ولكنه استطاع أخيرا أن ينجح في رفعها”.

وطوف الشيخ أمين حسنين في أنحاء العالم العربي كله، فزار فلسطين وشرق الأردن وسوريا ولبنان والعراق، واستقر المقام به أخيرا في تونس. وفي تونس شهد نشوب الحرب العالمية الأخيرة ــ الثانية ــ وتعرض لأهوالها الكثيرة.

وجاء الجيش الألماني إلي تونس وعلي رأسه ثعلب الصحراء روميل، فعرفه الشيخ أمين وتقرب إليه، وكان روميل يعرف اللغة العربية جيدا، وفي كل ليلة كان يذهب الشيخ أمين ليغني أمامه. كان يغني المقطوعة ويمسك روميل بآلة موسيقية ويعيد أنغام المقطوعة كما هي، وكان يدعي للغناء أمام الجيوش الألمانية، ويتولي إذاعة بعض النشرات في الراديو باللغة العربية.

ويلفت “غريب” إلي: ولما حوصر الجيش الألماني في تونس واعتزم الإنسحاب، كان الشيخ أمين في منزله قرير العين، وإذا بأحد رجال البوليس من أصدقاءه، يقول له أن روميل أهدي إليه سيارة فاخرة ودعاه مع فريق من أصدقائه للذهاب إلي مكان علي الشاطئ هو مصيف الباي. واسم هذا المصيف هو “لامف” وشاءت الظروف أن ينسحب الجيش الألماني من هذه البقعة، فوجد الشيخ أمين نفسه محصورا في مكانه. كانت القنابل تتساقط من حوله وهو في ذهول لا يقوي علي أن يحرك قدميه، وكان إلي جواره صديق أمسك بالسيجارة والتفت إلي الشيخ أمين ليشعلها له، وإذا به يجد أن شظية قسمت هذا الصديق إلي نصفين. وظل ثلاثة أيام بغير طعام ولا شراب حتي تم الانسحاب. 

ويختتم “غريب”: “وقد عاد الشيخ أمين حسنين إلي القاهرة ولكنه،  لم يستطع أن يوفق إلي الحياة التي يريدها، فقرر أن يعود إلي تونس ليبقي فيها مع أخيه الشيخ ياسين حسنين، وهو مطرب أيضا، ومع الأستاذ سيد شطا”.