رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام من الشوق

لا شىء يمتد بلا نهاية ما عدا الزمن، والشوق إليك. أحببتك فيما مضى حين لم أكن أعرفك، أحببتك فيما بعد حين لم أعد أعرفك، أحببتك فى كل لحظة، فقد جعلك الله فى زمنى من بين مليارات السنين، لأنك مقسومة لى، مثل زهرة ومثل خنجر، مجذوب إليك ورأسى يدور من العطر والدم. وأحس أننى أطلقتك فى كل زفير من صدرى، وأننى أعود فأشدك إلىّ فى كل شهيق. وفى أحلامى تمسك بك عيناى، أغمض جفونى عليك، أفتح عينى، فتحلقين عالية فى الهواء، ترفرفين ثم تعودين. تتربعين فى قلبى، بين نبضة ونبضة، بين اندفاع الدم وانحساره. ركبتاك لأعلى ويداك معقودتان فوقهما، وأنت تشيحين بوجهك، تشتاقين، لكن لا تتكلمين، تتأرجحين فى دمى وأنت تتطلعين إلى نقطة بعيدة. معى فى كل لحظة ولست معى. أى هلاك يطل من عينيك الجميلتين؟ وأى عذاب تكتبينه بالرقة؟ 

لجمالك أنت اخترعوا الشعر والناى وريشة الألوان، لأجلك خفقت الفصول الأربعة كلها ربيع، ولكى لا تتألمى فى سيرك امتدت السهول لينة، ولكى لا تعطشى يهمى المطر. يدخل الإنسان الجنة، لكن الجنة تدخله عندما يعشق جميلة، لا يدرى من أين يتسلل سحرها. أغمض عينى وأراك كاملة، تلوحين بيدك أمام وجهى، تقولين: تمهل لا تقاطعنى. ويتقطر وجودى كله حنانًا عليك، وتطويك محبتى كما يطوى الأفق كتفيه على يمامة وحيدة. أبتهل إلى الله أن يبقى عينى مغمضتين إلى الأبد لكى لا أفقدك لحظة. فإذا خرجت من أحلامى تمنيت أن أعيش فيك، وحدك، أن أصحو وأنام فيك، أن أجلس إلى مكتبى وأكتب فيك، أن يصيبنى أرق فأنام بعمق فيك، أن أصحو عامًا بعد عام وأجدنى لم أبرح مكانى، فيك، فلا يستطيع أحد أن ينتزعنى أبدًا من نظرتك ولا من بين نبرة صوتك المرتجفة، ولا من إحناء رأسك الصغير وأنت تفكرين شاردة. 

الذى كتب علينا المحبة كتب علينا الفراق مثلما تنفصل وردة عن غصن، عطرها فيه، وفى ألوانها دمه. وكنت إذا تطلعت لأعلى لا أشهد قمرًا سواك، وإن نظرت لأسفل لا أرى وردًا سواك، وإن مددت بصرى لا ألمح طريقًا سواك، السماء عيناك، والأرض قدماك، ولا شىء فى الكون سوانا وحدنا، أنا وأنت. تحطمت مزهرية العشق، ولم نكن نعرف أننا سنمشى على شظاياها، أرواحنا تطارد العطر الضائع، ونحن ندوس الذكريات. كأن الدنيا سفينة أبحرت من دونى، أقف وحدى على الشاطئ. أتحرك إلى الأمام على الطريق، وأنا أتلفت من وقت إلى آخر إلى كتفى، بأمل، لعل يدك قد استقرت عليها. إلى متى تظلين نائية عامًا بعد عام؟ وشوقًا بعد شوق؟ إلى متى تبقين مستحيلًا، وخيالًا من خيالات القلب؟، ونحن إن تعانقنا بقوة سيكبر الورد من قلبينا وتولد الدنيا الجديدة. عام مضى، وعام قد حل، لكنى لا أعرف زمنًا سواك، ولا أدرى لنفسى مكانًا سواك، ولا نهرًا، ولا تلًا، ولا سماءً غيرك. إلى متى تظل يداك معقودتين فوق ركبتيك، تتأرجحين فى دمى وتتطلعين إلى نقطة بعيدة؟ إلى متى تظلين شاردة؟ حلالًا على خيالى حرامًا على قلبى؟