رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سليم حسن

توقفت بإعجاب كبير أمام قرار معرض الكتاب بتكريم العالم «سليم حسن»، قرار اللجنة العليا للمعرض باختياره شخصية العام تكريم لمثقف عضوى وعالم كبير أعطى الكثير لوطنه ونال من التكريم أقل مما يستحق.. إنه واحد من مثقفى العصر الليبرالى فى مصر لكن عدم اهتمامه بالسياسة أدى لأن ينال من الشهرة أقل مما يستحق.. على عكس الدكتور محمد حسين هيكل وطه حسين وأستاذ الجيل لطفى السيد، لم يكن سليم حسن رجل سياسة أو صحافة، لكنه وهب حياته لدراسة تاريخ أجداده الفراعنة، لم يكتب فى الإسلاميات مثل العقاد وطه حسين وهيكل؛ لذلك تم التعتيم على اسمه فى سنوات صعود التطرف منذ السبعينيات حتى ثورة يونيو ٢٠١٣، وكأنه يعاقب على ولعه بتاريخ الأجداد وسعيه لتمصير علم الآثار المصرى واسترداد الآثار المصرية فى الخارج.. يتوازى تاريخه الشخصى مع تاريخ النهضة المصرية وإحساس المصريين بذاتهم القومية، التحق بمدرسة المعلمين فى ذروة صعود حركة الحزب الوطنى بين طلاب المدارس العليا وحصل على الليسانس فى الآثار قبل ثورة ١٩١٩ بأعوام قليلة، حاول العمل فى المتحف المصرى فى التحرير، لكنه اصطدم بأن العمل هناك حكر على الأجانب فقط، عمل لفترة كمدرس للتاريخ، ثم تدخل وزير الأشغال عام ١٩٢١ ليفرضه كأول مصرى يعمل فى متحف الآثار المصرية، سافر إلى أوروبا على نفقته وطاف بمتاحفها وهاله كم الآثار المصرية الموجودة فى أوروبا، كتب سلسلة من المقالات فى الأهرام يطالب بعودة هذه الآثار ويتحدث عن أهميتها، بشكل ما كان من الذين يخدمون وطنهم بالعمل والتعلم الدائم وليس بالكلام، فى المتحف المصرى تتلمذ على يد عالم آثار روسى هو «جولنشيف»، ثم سافر إلى فرنسا ليدرس تاريخ الفراعنة ودياناتهم فى السوربون، عاد ليدرّس علم الآثار لطلاب جامعة القاهرة، وفى ١٩٢٨ كان أهم مصرى يشارك بعثات الأجانب فى الحفر الأثرى فى منطقة أهرام الجيزة، وفى ١٩٢٩ بدأ التنقيب لحساب أول جهة مصرية للمرة الأولى فى تاريخ مصر، وكانت هذه الجهة العلمية هى جامعة القاهرة، كان منقبًا ناجحًا عن الآثار وليس مجرد دارس للتاريخ فقط، واكتشف عدة مقابر أثرية مهمة فى منطقة الهرم، حتى عام ١٩٣٩، وقبل عام من اعتزاله كان قد اكتشف مئتى مقبرة فرعونية بجهد مصرى خالص للمرة الأولى فى تاريخ مصر، يمكن القول إنه قام بتمصير علم الآثار ونقل ريادته من الأثريين الأجانب الذين أسسوا هذا العلم وأخلص بعضهم له، أثناء إدارته المتحف المصرى أعاد له مجموعة آثار كان يملكها الملك فؤاد، ويقال إن ابنه فاروق رغب فى استعادتها مرة أخرى حين تولى العرش، تقول الروايات إن رفض سليم حسن هذه الرغبة أدى لتعرضه لمضايقات عدة واعتزاله العمل فى المتحف من ١٩٤٠، أيًا كان السبب فى اعتزاله العمل الإدارى فقد أدى لتفرغه لإنجاز الموسوعة الهامة «مصر القديمة» فى ١٨ جزءًا متواصلة، وهى من أهم ما كتب فى تاريخ مصر القديم على مستوى العالم، فى فترة تفرغه أيضًا ترجم سليم حسن كتاب «فجر الضمير» لجيمس هنرى بريستد، وهو أهم ما كتب عن قيم المصريين القدماء وحضارتهم فى تاريخ العالم. تحافظ الهيئة العامة للكتاب على إصدار طبعات شعبية من موسوعة مصر القديمة، وهو تقليد محمود توجته باختيار سليم حسن كشخصية للمعرض فى دورته لهذا العام، من وجهة نظرى فإن هذا الاختيار تجسيد للرؤية الفكرية لثورة ٣٠ يونيو، تسعى هذه الرؤية لتعظيم شعور المصريين بالذات القومية وبمكانة مصر بين الأمم، لا يجوز أن نهمل تاريخنا العظيم، بينما دول بلا تاريخ تسعى لانتحال الحضارة ومحاولة مد الجذور فى هواء من اللا شىء الحضارى.. يدّعى الصهاينة كذبًا أن جذورهم تعود لألفى عام، بينما تاريخ حضارة مصر يتجاوز خمسة آلاف عام بكثير، وقِس على ذلك كل الدويلات المحيطة. تحارب ثورة يونيو ميراثًا من غزو الصحراء للوادى وتزييف طبعة صحراوية من الإسلام وتسليم عقول المصريين لها بتواطؤ استمر عقودًا كاملة ودفعت مصر ثمنًا غاليًا له، وما زالت آثاره ممتدة حتى الآن.. تكريم سليم حسن جزء من إحياء الروح القومية المصرية، ورد اعتبار لمن ظلموا تاريخيًا على يد دعاة التطرف والبداوة؛ لذلك يستحق التحية والإشادة والتشجيع.