رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهروب الكبير.. إسرائيل تواجه أزمة الهجرة العكسية وتوقف الاقتصاد: الآلاف يفرون من الموت

إسرائيل تواجه أزمة
إسرائيل تواجه أزمة الهجرة

فى خضم الحرب والعدوان على قطاع غزة، تواجه إسرائيل تهديدًا كبيرًا فى الداخل، يتمثل فى زيادة الهجرة العكسية منها بصورة قد تهدد الأمن القومى الإسرائيلى وفكرة الدولة القائمة على الوجود اليهودى، وهو ما حاولت الحكومة الإسرائيلية، خلال الفترة الماضية، نفيه، عبر الترويج لفكرة أن الهجرة إلى إسرائيل مستمرة؛ رغم تداعيات الحرب، لكن البيانات تكشف خلاف ذلك، وتوضح زيادة الهجرة من إسرائيل لا إليها.

بالإضافة إلى ذلك، تظهر البيانات والتقارير تراجعًا حادًا فى الاقتصاد، خاصة فى القطاع الزراعى، بعد هروب العمالة الأجنبية من العمل فى إسرائيل، الأمر الذى أدى إلى تعفن الخضروات والفواكه فى مساحات شاسعة من المزارع، خاصة بعد فشل الجهود الإسرائيلية فى تعويض خسارة قرابة ٣٠ ألف عامل تايلاندى وأكثر من ٢٠ ألف عامل فلسطينى، بالإضافة إلى نزوح قرابة المليون إسرائيلى من المنطقة الحدودية مع لبنان فى بداية الحرب، ورفضهم العودة إلى مناطقهم، ما ترك الأراضى الشمالية، خاصة الزراعية منها، شبه خالية من العمالة.

نصف مليون غادر للخارج فى 3 أشهر وثلت الشركات أغلق أو يعمل بالحد الأدنى

كشفت البيانات الصادرة عن هيئة السكان والهجرة الإسرائيلية عن أن ما يقرب من نصف مليون شخص فروا من إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى، وفقًا لما نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

وأفادت الصحيفة بأن قرابة ٤٧٠ ألف إسرائيلى غادروا منذ بداية الحرب، وليس من الواضح ما إذا كانوا سيعودون أم لا، فيما تشير البيانات أيضًا إلى انخفاض كبير بنسبة تصل إلى حوالى ٧٠٪ فى أعداد اليهود المهاجرين إلى إسرائيل، خاصة أنه فى نوفمبر الماضى وصل ٢٠٠٠ مهاجر يهودى إلى إسرائيل، مقارنة بـ٤٥٠٠ مهاجر شهريًا منذ بداية العام.

وأشارت إلى أنه فى يوم عملية «طوفان الأقصى» هرع المئات إلى المطارات فى جميع أنحاء إسرائيل فى موجة هروب جماعى، وحتى قبل اندلاع الحرب فى غزة ارتفع عدد الإسرائيليين المتقدمين للحصول على جوازات سفر أجنبية، بسبب الاستياء الواسع النطاق من خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للإصلاح القضائى، التى اعتبرها الإسرائيليون العلمانيون تهديدًا لديمقراطيتهم.

وأضافت الصحيفة أن الخوف الإسرائيلى القديم، من أن تؤدى الاضطرابات الداخلية وتصاعد الحروب إلى الهجرة العكسية والنزوح الجماعى لليهود إلى أجزاء أخرى من العالم، عاد مرة أخرى، ما يقوض سياسة الهجرة الجماعية لليهود المتبعة منذ أوائل القرن العشرين لدفع اليهود من معظم أنحاء العالم لتكوين دولة لهم على أرض فلسطين.

وأضافت «تايمز أوف إسرائيل» أنه منذ بداية الحرب وافق ٨٠٪ من الإسرائيليين على أن نتنياهو يجب أن يتحمل المسئولية العامة عن الإخفاقات الاستخباراتية والأمنية، التى أدت إلى نجاح عملية حركة حماس الفلسطينية، ما أظهره استطلاع للرأى أجرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية فى أكتوبر الماضى، فيما أشار استطلاع سابق، صدر فى أبريل الماضى، إلى أن غالبية الإسرائيليين كانت خائفة على مستقبل دولة إسرائيل.

وتابعت: «منذ ٧ أكتوبر الماضى، اتخذت الأمور منحى أكثر قتامة، حيث دمرت الحرب الاقتصاد الإسرائيلى»، لافتة إلى أن البيانات الواردة من مكتب الإحصاء المركزى الإسرائيلى كشفت عن أن واحدة من كل ثلاث شركات أغلقت أبوابها أو تعمل بطاقة ٢٠٪، كما أن أكثر من نصف الشركات لديه خسائر فى الإيرادات تجاوزت ٥٠٪.

ولفتت إلى أن المناطق الجنوبية، الأقرب إلى غزة، تتحمل العبء الأكبر من الخسائر، لأن نحو ثلثى الشركات إما مغلق أو يعمل بالحد الأدنى.

وذكرت أن وزارة العمل الإسرائيلية أفادت بأن ٧٦٤ ألف شخص، أى ما يقرب من خمس القوى العاملة فى إسرائيل، عاطلون عن العمل، بسبب عمليات الإخلاء وإغلاق المدارس أو الاستدعاء للخدمة الاحتياطية.

فيما كشف موقع «زيمان» الإسرائيلى عن أن بيانات الهجرة التى تروج لها الحكومة الإسرائيلية، بشأن هجرة ٣٠٠ ألف شخص إلى إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، مضللة، لأن تلك البيانات تكشف عن أن هؤلاء إسرائيليون كانوا فى عطلة ثم عادوا مرة أخرى.

وأوضح أن بيانات السفر كشفت عن أن قرابة ٦٠٠ ألف شخص كانوا يقضون العطلة الصيفية فى الخارج، لكن لم يعد منهم سوى ٣٠١ ألف شخص فقط.

وأضاف «زيمان» أن العدد الحقيقى للمغادرين من إسرائيل بلغ حوالى ٣٧٠ ألفًا، ومعهم ٩٧٠ ألفًا من المسافرين، مشيرًا إلى أنه مع طرح عدد الإسرائيليين الذين عادوا لوطنهم بعد اشتعال الحرب يتبين أن المغادرين كانوا أكبر من العائدين بنحو ٤٧٠ ألف شخص.

وأشار الموقع إلى أن صافى الهجرة السلبية من إسرائيل بلغ نصف مليون شخص، ولا تشمل هذه الإحصائيات آلاف العمال الأجانب واللاجئين والدبلوماسيين الذين غادروا، كما لم يُعرف بعد عدد مَن غادروا ولم يعودوا من إجازة العيد، ومَن منهم غادر بشكل دائم أو مؤقت.

السفن تهجر إيلات والإيرادات تنهار.. وشركات الشحن تخسر 23% من قيمتها 

عن حركة التجارة والشحن، قال موقع «كالكاليست» الإسرائيلى إن ميناء إيلات شوهد خاليًا من السفن لعدة أيام، بعد هجمات الحوثيين على السفن العابرة من مضيق باب المندب باتجاه إسرائيل، وأعلن الميناء عن انخفاض حاد فى نطاق النشاط وانهيار الإيرادات بنسبة ٨٥٪ خلال شهر.

ونقل عن المدير العام للميناء، جدعون جولبر، قوله إنه فى أعقاب الأزمة المتصاعدة ستطالب إدارة الميناء الحكومة بتعويضات عن فقدان بعض الإيرادات.

وأضاف «جولبر»: «أصبحت السفن تخشى المرور من باب المندب فى طريقها إلى إيلات، وتختار طريقًا يتجاوز القارة الإفريقية بأكملها، ما يطيل مدة الرحلة بحوالى ٢٠ يومًا، وهكذا تدخل السفن البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق، ومن هناك تستمر إلى ميناءى حيفا وأسدود».

وتابع: «يضعنا هذا فى وضع غير موات للغاية».

وأكد «كالكاليست» أن ميناء إيلات يعد بوابة البضائع الجنوبية لإسرائيل، وبوابتها الوحيدة للتجارة مع دول الشرق الأقصى وأستراليا، دون الحاجة للمرور عبر قناة السويس، ويتميز نشاطه بشكل رئيسى فى تصدير البضائع مثل البوتاس والمعادن إلى الصين والهند ودول أخرى فى الشرق الأدنى، واستيراد الماشية من أستراليا، والسيارات من الشرق الأقصى، خاصة من الصين وكوريا الجنوبية واليابان.

ولفت إلى أن استيراد المركبات من الشرق يعد الصناعة الأكثر نشاطًا فى الميناء الجنوبى، ويشكل حوالى ٧٥٪ من إجمالى النشاط الذى يحدث هناك.

وحسب الرئيس التنفيذى لميناء إيلات، تخشى شركة «NYK» اليابانية للشحن البحرى من أنه إذا استمرت فى إرسال السفن إلى البحر الأحمر فى طريقها إلى أحد الموانئ البحرية الإسرائيلية، فإن الحوثيين سيلحقون الضرر بأفراد طاقم السفينة المختطفة، ولهذا أمرت السفن التى تديرها بتحويل مسارها إلى موانئ فى أوروبا. 

كما أكد الموقع أن حوالى ٤٥٪ من إجمالى واردات السيارات إلى إسرائيل، وحوالى ٥٪ من جميع البضائع التى تستوردها عن طريق البحر، تمر عبر ميناء إيلات.

فى السياق نفسه، ذكرت صحيفة «جلوبس» الإسرائيلية المتخصصة فى الشئون المالية، أن شركات الشحن الإسرائيلية خسرت نحو ٢٣٪ من قيمتها السوقية، ما يمثل خسارة بمليارات الدولارات.

عفن الأشجار يهدد بأسوأ أزمة فى التاريخ بعد فرار العمالة الأجنبية ونزوح المستوطنين 

عن الأضرار فى القطاع الزراعى، قالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إن المحاصيل فى المزارع الإسرائيلية ذبلت وفسدت، وسط تحذيرات من تحول المزارع إلى أراض قاحلة، بعد هروب العمالة الأجنبية ورفض الكثير من الدول إرسال العمالة، خصوصًا تايلاند، التى كانت إسرائيل تعتمد على عمالتها بشكل كبير فى الزراعة.

وأشارت إلى أن المتطوعين حاولوا تخفيف حدة الدمار، الذى لحق بالقطاع الزراعى بعد عملية طوفان الأقصى فى ٧ أكتوبر الماضى، ولكن مع تفاقم نقص القوى العاملة الأجنبية والفلسطينية الماهرة فقد المزارعون الأمل فى إنقاذ المزارع.

وأضافت الصحيفة: «إن روائح الفواكه والخضروات المتعفنة أصبحت تسيطر على المزارع الإسرائيلية التى تمتد على آلاف الكيلومترات، التى تعد بمثابة شهادة على مدى الخسائر التى لحقت بالاقتصاد الإسرائيلى نتيجة هجمات حماس».

ووصف المدير العام لوزارة الزراعة، أورين لافى، الوضع، بأنه «أسوأ أزمة للقوى العاملة فى مجال الزراعة فى تاريخ إسرائيل»، مشيرًا إلى أن هناك نقصًا يصل إلى نحو ٤٠ ألف عامل زراعى، وذلك وفقًا للبيانات التى قدمتها وزارة الزراعة إلى لجنة فرعية فى الكنيست حول النمو الاقتصادى، منتصف نوفمبر الماضى.

ونوهت «تايمز أوف إسرائيل» إلى أنه بعد هجوم ٧ أكتوبر مباشرة رحل أكثر من ١٠ آلاف عامل أجنبى، أغلبهم من تايلاند، وسط خشية العمال على حياتهم، وتلقيهم رسائل من حكوماتهم تطالبهم بالعودة للوطن فى أسرع وقت، وبالفعل غادر الآلاف منهم على متن رحلات منتظمة ممولة من الحكومة التايلاندية.

كانت دراسة للكنيست فى عام ٢٠٢١ قد أظهرت أن أكثر من ٧٥ ألف شخص يعملون فى قطاع الزراعة فى إسرائيل، ٤٩٪ منهم إسرائيليون، و٣٢٪ منهم أجانب، معظمهم من تايلاند، بالإضافة إلى نسبة ١٩٪ من الفلسطينيين.

وأفادت الصحيفة بأنه فى الأيام الأولى التالية لعملية طوفان الأقصى أخلى الجيش الإسرائيلى منطقة حدود غزة، وهى واحدة من أكثر المناطق الزراعية إنتاجية فى إسرائيل، ما تسبب فى نقص الخضروات وضاعف أسعار الطماطم والخيار ثلاث مرات.

وذكرت أن الخسائر الكبيرة دفعت الكثير من أصحاب المتاجر والمصانع فى إسرائيل لتوقيع عقود لاستيراد المحاصيل الزراعية من الخارج، فى محاولة للتغلب على النقص الكبير فى المنتج الزراعى المحلى.