رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العدوان.. والقرار الأممى

بموافقة ١٥٣ دولة، مقابل رفض ١٠ فقط، على رأسها الولايات المتحدة، وامتناع ٢٣ دولة عن التصويت، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يطالب بوقف إطلاق النار فى غزة، والإفراج الفورى عن الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وتعرب فيه الدول الأعضاء عن قلقها بشأن «الحالة الإنسانية الكارثية فى قطاع غزة»، و... و...، ومع ذلك لا يزال العدوان الإسرائيلى مستمرًا.

العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة يدخل، اليوم الخميس، يومه التاسع والستين، دون وجود أى إشارات إلى هدنة جديدة، كتلك التى استمرت أسبوعًا، أواخر الشهر الماضى. ووفقًا لبيان أصدرته وزارة الصحة فى غزة، أمس الأول الثلاثاء، فقد أدّى العدوان إلى استشهاد ١٨٤١٢ فلسطينيًا، تزيد نسبة الأطفال والنساء منهم على الـ٧٠٪، وأضيف إليهم، فجر الأربعاء، أكثر من ٥٠ شهيدًا. والإشارة، هنا، قد تكون مهمة إلى أن قرار الجمعية العامة، الصادر فى ٢٦ أكتوبر الماضى، الذى دعا إلى «هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة»، وافقت عليه ١٢٦ مقابل اعتراض ١٤ وامتناع ٤٥ عن التصويت. ما يعنى وجود تحوّل فى مواقف بعض الدول، سواء من الرفض إلى الامتناع عن التصويت، أو من الامتناع إلى الموافقة.

الأوضاع الإنسانية فى قطاع غزة «تخطت مرحلة الانهيار»، بوصف فولكر تورك، المفوض السامى للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الذى أشار إلى أن ١.٩ مليون شخص اضطروا للفرار من المعارك وانتقلوا إلى جنوب قطاع غزة، الذى يبلغ عدد سكانه ٢.٤ مليون نسمة. كما قال مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، «أوتشا»، إن عشرات آلاف النازحين الذين وصلوا إلى رفح منذ ٣ ديسمبر الجارى «يواجهون ظروفًا كارثية فى أماكن مكتظة بالسكان داخل وخارج الملاجئ»، موضحًا أن «الحشود تنتظر لساعات حول مراكز توزيع المساعدات»، وأن «غياب المراحيض يزيد من مخاطر انتشار الأمراض».

المهم هو أن القرار الأممى الجديد صاغته مصر، وتقدمت به المجموعة العربية، بعد أن عرقل «الفيتو» الأمريكى، الجمعة الماضى، مشروع قرار كانت قد تقدمت به دولة الإمارات إلى مجلس الأمن، يدعو إلى الوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة لأسباب إنسانية. ومع أن قرارات الجمعية العامة غير ملزمة، إلا أن الموقع الرسمى للأمم المتحدة يقول إنها «تعكس الرأى العالمى»، و«تؤدى إلى وصم بعض الممارسات». مع ملاحظة أن إسرائيل لم تلتزم بقرار مجلس الأمن الصادر فى منتصف نوفمبر الماضى، الذى دعا إلى «هدنات إنسانية» عاجلة لفترات أطول، ولعدد كافٍ من الأيام.

يرأس المجموعة العربية السفير أسامة عبدالخالق، مندوبنا الدائم لدى الأمم المتحدة، مندوب مصر، الذى ناشد كل دول العالم، قبل بدء التصويت، أن تدعم مشروع القرار «تطبيقًا للكيل بمكيال واحد وحفاظًا على القيم الإنسانية»، وقال، طبقًا لما نقله الموقع الرسمى للأمم المتحدة: «أخاطب ضمائركم جميعًا، وأناشدكم مساندة مشروع القرار، لوقف نزيف الدماء.. كل الدماء»، مؤكدًا أن اعتماد، ثم تنفيذ، مشروع القرار، وفى قلبه المطالبة بوقف إطلاق النار، هو وحده الكفيل بإنقاذ أرواح الأبرياء. 

بمنتهى الصفاقة والانحطاط، وصف جلعاد إردان، مندوب دولة الاحتلال الدائم لدى الأمم المتحدة، مشروع القرار بأنه «منافق ومشين»، زاعمًا أنه «يطيل أمد الموت والدمار». وفى المقابل، قال السفير رياض منصور، المندوب الدائم لدولة فلسطين، عقب اعتماد مشروع القرار، إن التصويت يمثل «موقفًا قويًا ونبيلًا وعظيمًا للجمعية العامة»، وأكد أن السلطة الفلسطينية ستواصل العمل من أجل اعتماد قرار من مجلس الأمن، يسهّل دخول المساعدات بطرق سريعة إلى قطاع غزة، بعد توقف إطلاق النار، لأسباب إنسانية.

.. أخيرًا، وتعقيبًا على التصريحات التى أدلى بها رون ديرمر، وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلى، بشأن تشجيع الفلسطينيين فى قطاع غزة على الهجرة، أعاد السفير أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، التأكيد على موقف مصر الرافض، جملةً وتفصيلًا، أى محاولات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين خارج غزة، بشكل طوعى أو قسرى، مطالبًا إسرائيل بالتوقف الفورى عن قصف واستهداف المدنيين، وفرض ظروف وأوضاع إنسانية تجعل من القطاع منطقة غير قابلة للحياة الآمنة والمستقرة.