رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد انتخابات الرئاسة

مع انتهاء التصويت في الانتخابات الرئاسية، تغلق مصر ملفًا طالما شغل النخبة والمتربصين في المجتمع الدولي، لتبدأ صفحة جديدة ومرحلة جديدة وسط تحديات عاصفة تموج بها المنطقة، ويبرز التحدي الأكبر في الحرب القائمة في غزة، وما يتبعها من ملف غاية في الخطورة، وهو ملف التهجير وإزاحة أهالينا في غزة نحو الحدود المصرية.
من المقرر رسميًا وفقًا للجدول الذي أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات أن يتم إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بصورة رسمية يوم 18 ديسمبر الجاري.. المؤشرات على الأرض ومن خلال متابعة التصويت تذهب بنا إلى أن تلك الانتخابات لن تشهد جولة إعادة، ومن المتوقع حسمها من الجولة الأولى لصالح المرشح الأوفر حظًا وهو الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.
نقول جولة واحدة تكفي لتحديد اسم الرئيس القادم، ونحن نعتمد على تصريح للمستشار حازم بدوي رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، حيث قال إن عمليات الاقتراع في الانتخابات الرئاسية تسير بسلاسة ويسر، وأوضح، في تصريح خاص لفضائية "سكاي نيوز عربية"، أن نسبة المشاركة بلغت 45 بالمئة في نهاية اليوم الثاني للتصويت، مشيرًا إلى أن نسبة المشاركة في نهاية أيام التصويت الثلاثة على هذا النحو ستكون نسبة قياسية.
لا يتخوف المراقبون من اكتمال النسبة القانونية لنجاح المرحلة الأولى، هذا الإنجاز يضع على كاهل الرئيس القادم مسئوليات كبيرة، ليس الملف الخارجي وحده الذي ينشغل به المصريون، مؤسسة الرئاسة تعلم ذلك جيدًا، وتعرف أن الملفات الداخلية لا تقل صعوبة عن حرب غزة، لذلك وفي توقيت حساس، وهو توقيت الحرب والانتخابات، رأينا الدولة المصرية تعلن القبض على موظف كبير بوزارة التموين، وقالت إن لذلك الموظف يدًا في التلاعب بالأسواق الداخلية.
المعتاد في زمن الحرب والانتخابات هو الصمت التام وعدم الشوشرة حتى ترسو المراكب الجانحة، وبعدها تكون التصفية القضائية لكل متلاعب في السوق السوداء، ولكن على عكس المعتاد اتجهت الدولة للمكاشفة، وكأنها رسالة للداخل تقول إننا نرى ما يؤلم الناس وسوف نعمل على معالجته.
مرحلة جديدة محددة بأمر الدستور المصري أن تكون مدتها ست سنوات، وهي كفيلة بأن يدخل الرئيس القادم التاريخ من أوسع أبوابه طالما إبرة البوصلة الوطنية تشير إلى الاتجاه الصحيح، هذا الاتجاه بالنسبة للشعب المصري يتلخص في نقطتين لا ثالث لهما.. الأولى نجاح ساحق وانتصار في الملفات الخارجية وتأمين حدود مصر الأربعة، والثانية هى تكثيف العمل نحو السيطرة على الأسعار ومعالجة التضخم وكسر هيمنة الدولار، ويمكن صياغة هذه النقطة بعبارة أخرى وهي ضرب السوق السوداء ومحاكمة الاحتكار.
67 مليون مصري تمت دعوتهم للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، ولكل صوت منهم مطالب وأحلام، هذه الأحلام هي الحمل الأكبر على كاهل المسئول الأكبر عن المقعد عالي المقام مقعد رئيس الجمهورية.
في اللحظات الفاصلة يكشف الشعب المصري قدرته على الوفاء، والأرقام الواردة من الهيئة الوطنية للانتخابات، والتي نعتمد عليها، تقول إن المصريين قد استجابوا للنداء وخرجوا من الريف والحضر ليقولوا لكل الدنيا إن مصر دولة مؤسسات، وإن مصر تكتب مستقبلها بالحبر الفسفوري على طرف الإصبع، وأن طموح وأحلام شعبها لا يمكن صدها بحرب على الحدود أو بتلاعب مقصود في الأسواق.
انتخابات الرئاسة التي شهدت حضور مراقبين من الداخل والخارج، وتتم بصورة هادئة أو كما وصفتها في مقال سابق أنها انتخابات بطعم المسئولية الوطنية، تفرض على كل الأطراف الاستعداد للسنوات الست القادمة من أجل بصمة فارقة تنعكس على معيشة المواطن وتحدد ملامح المستقبل، وتكتب صيغة أمان المجتمع المصري بحروف بارزة تضمن للجميع الاستقرار، وكأننا نترجم شعارًا في غاية البساطة، وهو وطن حر وشعب سعيد.