رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شد أجزاء

فى عالم القتال، فإن «شد الأجزاء» هو الخطوة التى تسبق ضرب النار مباشرة.. يُخرج المقاتل سلاحه.. يملأه بالذخيرة.. ثم يشد أجزاءه ويبقى فى انتظار الأمر بالضرب.. ليس سرًا أن قوات مصر فى سيناء حاليًا فى مرحلة «شد الأجزاء».. وفق موقع «إكسيوس» الصحفى، فإن مصر أبلغت إسرائيل بأنها لن تلتزم بمعاهدة السلام فى حالة تهجير أهل غزة إلى سيناء.. عدم الالتزام بالمعاهدة يعنى إعلان الحرب.. حسب تسريبات صحفية، فإن مصر أبلغت الاتحاد الأوروبى بأنه فى حالة دفع أهل غزة إلى الحدود، فإن الجيش المصرى لن يكون لديه جهد لمراقبة قوارب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا؛ لأن تأمين الحدود سيكون هو شغله الشاغل.. فى هذه الحالة يمكن للفارين من غزة أن يركبوا القوارب من الشاطئ القريب نحو أوروبا.. السودانيون فى مصر أيضًا سيمكنهم ذلك، والسوريون أيضًا، وكذلك العراقيون.. الشواطئ المصرية طويلة للغاية ويحتاج ضبطها لجهد كبير.. هذا الجهد سيوجه لضبط الحدود مع غزة فى حال دفع الغزاوية إلى حدود مصر.. من جهة ثانية فإن تنظيم حماس ليس فى أفضل أحواله.. أسامة حمدان القيادى فى التنظيم يصرح دائمًا بتصريحات تحمل أكثر من معنى، وأكبر أخطائه أنه يوجه خطابه لأحد مكونات الداخل المصرى؛ غير مدرك أن دولة مثل مصر تتناغم جميع مكونات مشهدها الداخلى وتعمل مثل قرار واحد.. أحيانًا يخاطب حمدان كيانًا فضفاضًا اسمه «الجماهير المصرية» ويطلب منها كذا وكذا.. وعادة ما يذهب نداؤه سُدى لأن ما يطلبه ليس فى مصلحة المصريين جميعًا.. مؤخرًا قال تصريحًا يشى بقبول حماس التهجير؛ حين قال إن صحراء سيناء لن تبتلع الفلسطينيين فى حال هجرتهم إليها، وإنها ستكون مركزًا للمقاومة.. هذا كلام فارغ لأن الجهة الوحيدة المصرح لها بحمل السلاح فى مصر، هى القوات المسلحة المصرية، وما عدا ذلك هُراء لا يستحق الرد عليه، خاصة أنه صادر عن قيادى من المستوى الوسيط لا يعول على تصريحاته كثيرًا، خاصة أن متحدثًا باسم «فتح» تولى الرد عليه.. من جهة أخرى فإن لجان الذباب الإلكترونى تقول الشىء وعكسه حسب الجهة التى تدفع لها.. يقول أحدهم مثلًا «كيف تترك مصر الفلسطينيين يموتون ولا تفتح حدودهًا لهم؟»، ويقول هارب آخر يعمل لدى دولة أخرى «لقد اقترب مخطط التهجير ومصر مشاركة فيه، وهذه هى الأدلة»!! الأول شخص أحمق والثانى أكثر حماقة منه.. وكلاهما يذكرنى بعبارة شهيرة فى مسرحية القضية ٦٨ وهى «نفتح الشباك ولا نقفله؟».. والحقيقة أن مصر لا تفتح شباكها ولا تغلقه إلا وفق المصلحة الوطنية المصرية ومصلحة القضية الفلسطينية، التى قدمت لها ما لم يقدمه غيرها، وما زلت متهمة بمساعدة المقاومة الفلسطينية حتى اليوم، وهى تهمة لا تنكرها وشرف ندعيه، والذين يتحدثون عن توتر العلاقات الإسرائيلية- المصرية منذ ٧ أكتوبر الماضى يجب أن يعرفوا أن ذلك بسبب تيقن إسرائيل من مساعدة مصر الكبيرة لتنظيم حماس، واعتقادها بأنه لولا مساعدة مصر لما تمكنت حماس من توجيه الصفعة لإسرائيل.. لكن مصر علاقتها بحماس علاقة سياسية فقط، كما يعرف الجميع، وهى تستخدمها لتسهيل حياة الناس فى قطاع غزة لا أكثر ولا أقل، كما يعرف الجميع أيضًا.. من جهة ثانية فإن هناك حالة متعمدة من تعذيب الذات العربية وتعظيم الشعور بالذنب تجاه معاناة أهلنا فى غزة.. والحقيقة أن تخفيف معاناة أهل غزة واجب على كل من يستطيع، وأن معاناة المدنيين هناك عار على العالم كله.. لكن أيضًا يجب أن نقرأ التاريخ.. للحرية ثمن تدفعه الشعوب راضية مختارة.. لقد مات عشرون مليون روسى لوقف الزحف النازى على موسكو مثلًا.. فى معركة ستالينجراد عانى الجنود والأهالى الجوع والعطش والبرد والصقيع لشهور كثيرة متواصلة.. ولكنهم فى النهاية حققوا النصر الذى يريدون وحفظ التاريخ انتصارهم.. لا يمكن أن نتخيل أن شعب غزة الذى اختار المقاومة سبيلًا للحرية يمكن أن يحظى بحياة عادية مثل من اختاروا عدم المقاومة.. للحرب ثمن يدفعه الجميع، وسبق أن دفعه المصريون، وستدفعه مرة أخرى إذا اضطررنا للحرب.. هذه هى طبائع الأمور، يجب أن نضعها أمامنا، ونحن نشاهد حملات جَلد الذات واتهام مصر بالضعف من عملاء يقيمون فى فنادق السبع نجوم، ويحصلون على ثمن ما يكتبون بالعملة الصعبة.. ولا يعنى هذا أبدًا التخلى عن دعم المقاومة، ولا عن دعم أهل غزة، ولكن مصر تفعل ذلك بالفعل وبالعقل والتخطيط، وليس بلعق الجراح وإقامة حفلات اللطم الجماعى على وسائل التواصل.. هذا الشهر هو شهر الحسم، وهو غالبًا الشهر الأخير فى الحرب، حيث لن يتحمل بايدن دفع فاتورة إسرائيل أكثر من ذلك.. إذا نجح قادة حماس فى الهروب من مصيدة «خان يونس» والاحتفاظ بالرهائن، فهذه هزيمة مؤكدة لإسرائيل رغم أى شىء، وإذا لم ينجحوا فقد قدموا لوطنهم ما يكفى، وستظهر أجيال أخرى ترفع راية المقاومة ما دامت القضية لم تحل حلًا عادلًا ونهائيًا.. حمى الله مصر وجيشها وشعبها.. ونصرها دائمًا وأبدًا، فهى لكل مصرى المبتدأ والمنتهى.. والله على كل شىء قدير.