رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السيدة الشجاعة فى الفيلم الجزائرى

قد تتخيل من أول وهلة بعد سماع اسم "مدام كوراج" أن الفيلم يدور حول امرأة فرنسية ما وأن الأحداث سرد روائي عن حياتها، ولكن عندما تبدأ أولى مشاهد الفيلم بجريمة سرقة يقوم بها أحد المراهقين الجزائريين، والذي لا يتعدى عمره السادسة عشرة فربما تراجع نفسك وتعتقد ربما من تمت سرقتها هى المدام المذكورة أو أن دورها كضحية للسارق الصغير، ثم تكتشف أن مدام كوراج هو اسم مخدر رخيص يتناوله السارق "عمر" الذى ما لبث أن فر هاربا بعد أن خطف العقد الذهبي للفتاة سلمى/ فادية زهرة أثناء سيرها وسط صديقاتها المراهقات الصغيرات، ثم عاد بعد عدة ساعات ليعيد العقد اليها وتمتلئ عيناه بالندم والشغف فى ذات الوقت!

تدور أحدث الفيلم في المكان الأثير للمخرج مرزاق علواش وهو الجزائر العاصمة حيث "عمر" إحدي ضحايا ثقافة التهميش التى سادت المجتمعات الجزائرية في العقود الأخيرة، يعيش وعائلته فى أحدي الصفائح المعدنية الفقيرة، وقد حرم من التعليم بعد وفاة والده، وعملت شقيقته فى الدعارة الإلكترونية.

ركز السيناريو على عنصر الاسم الفرنسي للمخدر "مدام كوراج" السيدة الشجاعة، الذي يتعاطاه عمر فى محاولة لخلق رابط مباشر بين ما خلفه الاحتلال الفرنسي لعقود طويلة وبين عقول الأجيال الجديدة متمثلًا فى السلبية واللامبالاة والضياع وفقدان القيمة، وغياب الواعز الأخلاقى والإنساني لدي البطل. 

لم تغب أكوام القمامة عن مشاهد فيلم الجزائري مرزاق علواش، بل كانت تلك الأكوام العامل المشترك فى جميع المشاهد، وليس فى مشاهد المناطق الفقيرة العشوائية فقط بل بأرقى المناطق التى تقع على ممشى الشاطئ، فما خلفته السياسة غير العادلة هى أن أنتجت جيلًا كاملًا من المشوهين نفسيا وعقليًا كما تشوه شوارع المدينة بالقمامة. 

يعتمد الفيلم على التصوير الحر في الشوارع والمواقع الطبيعية، ويمتلئ باللقطات الطويلة التي تتابع البطل أثناء وقوفه أو تحديقه لتأكيد انعزاله النفسى عما حوله، وكثيرا ما يثبت المخرج لقطة لوجه "عمر" في حجم قريب جدا (كلوزأب) أو يتابعه وهو يتجول فى الشوارع بدراجته النارية متواضعة الصُنع بكاميرا مهتزة في حركة حرة، وكأنها كاميرا محمولة فى مشاهد فيلم تسجيلي، كما توحي اللقطات المهتزة بحالة عدم استقرار نفسية البطل المراهق أو سلامة قدراته العقلية سواء نتيجة الإدمان أو الظلم الاجتماعى الذى يعانيه، وكلاهما أسوء ما يواجهه الفتي وغيره من الشباب المكبوت، رغم ما يتمتع به من ذكاء فطري وقدرة على سرقة النساء ثم الفرار بخفة، وفي أحد المشاهد يذهب عمر لشراء هاتف محمول، لكي يستخدمه ككاميرا يمكنه أن يلتقط بها الصور عن بعد لسلمى التي يغرم بها دون أن يجرؤ على مفاتحتها في الأمر، فللفتاة شقيق يعمل شرطيا وقد ضاق ذرعا من متابعة الفتى لشقيقته، فيأخذه إلى قسم الشرطة للتحقيق معه ولكن فى نهاية الأمر يسامحه ويفرج عنه؛ نظرا لسوء حالته الاجتماعية والنفسية.

كما أشرنا فإن الفيلم يلقى الضوء على سلبيات المجتمع الجزائرى التى لا تختلف كثيرًا عن نظيراتها من دول الشرق، متمثلا بشكل مباشر بين الخطاب الديني والتأخر الاجتماعي في الجزائر، ويربط بين الفقر والجهل والمرض وغياب الدولة، وبين ما يتردد من أحاديث ونصائح دينية فى الخلفية والتى تسيطرعلى عقول البسطاء من البشر.