رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكبر اقتصاد إفريقى

لسبب ما لم يحظ هذا الخبر بالاهتمام الكافى.. الخبر يقول إن مصر تقدمت درجة فى قائمة أكبر الاقتصادات فى إفريقيا لتصبح الأولى بعد أن كانت تحتل المركز الثانى بعد نيجيريا.. أحد مبررات الانشغال عن الخبر هو الوضع فى غزة وتعاطف الرأى العام المصرى مع ما يجرى هناك.. لكن ربما كان من الأسباب أيضًا إحساس البعض بأن الوقت ليس مناسبًا للحديث عن انتصار اقتصادى بينما كلنا نشعر بالأزمة.. من وجهة نظرى فإن الاقتصاد الناشئ فى مصر يُشبه شابًا فى التاسعة عشرة من عمره مثلًا.. إنه فى سن النمو، وفى كل عام يمر عليه يزداد حجمه ووزنه وكتلة عضلاته بشكل سليم ومناسب للغاية..  لا يعنى هذا أنه فى مرحلة النمو هذه التى تسير بشكل جيد قد يتعرض لوعكات صحية مختلفة.. قد يداهمه ميكروب للبرد مثلًا، أو يصاب بعسر هضم أو ارتفاع فى درجة الحرارة.. لكن كل هذه الوعكات القابلة للشفاء لا تعطل عملية نموه.. والخبر الجيد لنا جميعًا أن الاقتصاد يواصل النمو، وأن كل الظروف لم تنجح فى تعطيله.. تصنيف أقوى الاقتصادات فى القارة يصدره صندوق النقد الدولى.. صاحب الجولات الكثيرة مع المسئولين المصريين، وهو يعتمد فى تصنيفه لقوة الاقتصادات المختلفة على مؤشرين اثنين.. أولهما زيادة الناتج المحلى الإجمالى، وثانيهما تعادل القوة الشرائية.. وحسبما نشر موقع «إنسايدر مونكاى»، فقد وصل الناتج المحلى لمصر إلى ١٫٨٧ تريليون دولار أمريكى فى عام ٢٠٢٣، بينما بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلى ١٧١٢٠ دولارًا.. سبعة عشر ألف دولار وكسور تقريبًا، وكانت الدولة الثانية فى الاقتصاد هى نيجيريا صاحبة الثروة النفطية الكبيرة التى طالما تربعت على عرش أكبر اقتصاد إفريقى لمدة اثنى عشر عامًا متواصلة، وفى المرتبة الثالثة جاءت جنوب إفريقيا التى تجمع بين خبرة المستوطنين البيض السابقين وخبرة أبناء البلاد الأصليين منذ نهاية نظام الفصل العنصرى، وفى المرتبة الرابعة تأتى الجزائر ذات الثروة النفطية الكبيرة، بعدها تأتى إثيوبيا بفارق أربعة مراكز عن مصر.. بلا شك فإن الخبر ذو دلالة إيجابية رغم أزمة النقد الأجنبى وما يتبعها من تضخم، ولا شك أنه فى حاجة لمزيد من الشرح عبر خبراء متخصصين، بشكل عام فإن متوسط دخل الفرد فى بلد ما لا يعنى أن جميع المواطنين يحصلون عليه، ولكنه مجموع الدخل القومى مقسمًا على عدد المواطنين.. وفى البلاد التى تعانى سوء توزيع الثروة، قد يحصل رجل أعمال على ألف ضعف لمتوسط دخل الفرد، بينما يحصل عامل بسيط على ربع أو ثُمن الرقم المعلن على أنه متوسط دخل الفرد، ولكن تظل زيادة متوسط دخل الفرد مؤشرًا إيجابيًا فى حاجة لتعزيزه والبناء عليه.. قد يفاجأ الكثيرون أيضًا بأن القروض والتمويلات الدولية أحد أسباب نمو حجم الاقتصاد.. لأنها تنفق فى مشروعات داخل البلاد وتتدفق فى شرايين الاقتصاد فتؤدى إلى نموه.. هذه قضية مختلفة تمامًا عما يثار حول جدوى القروض أو طرق تسديدها... إلخ.. هذا موضوع مختلف تمامًا لأن لكل شىء أثرًا سلبيًا وآخر إيجابيًا، والأثر الإيجابى للقروض أنها سارت فى مسارها الصحيح وأدت لنمو حجم الاقتصاد المصرى؛ ليصبح أول اقتصاد فى إفريقيا للمرة الأولى فى تاريخه أو ربما للمرة الأولى منذ زمن طويل.. أحد أسباب عدم احتفاء الرأى العام بالخبر من وجهة نظرى أن التصنيف صادر عن صندوق النقد الدولى.. وقد علمتنا الأيام ألا نحفل كثيرًا بما يقوله الصندوق، سواء بالذم أو بالمدح كما هو الحال حاليًا، وأن نمضى فى طريقنا ولا نلتفت.. وهى طريقة ناجعة فيما يبدو، فالظروف تتغير من حولنا ونحن نواصل خطتنا للتنمية.  والأمثلة على ذلك كثيرة.. أيًا كان الأمر فتصنيف مصر إفريقيًا يتوافق مع توقعات بأن تصبح مصر ضمن أقوى ثلاثين اقتصادًا عالميًا خلال عشر سنوات.. وهو أمر ممكن إذا ما تم تجاوز أزمة النقد الأجنبى التى لا تزيد احتياجاتنا منها عن بضعة مليارات كل عام لتجاوز الأزمة.. المليارات تبدو كبيرة فى عالم الأفراد بالطبع، لكنها ليست كذلك بالنسبة لدولة تعدادها مئة وعشرة مليارات شخص دون حساب عدد الضيوف.. أظن أن فى الأمر ما يدعو للتفاؤل والأمل مع انتظار آراء الخبراء والاقتصاديين حول الخبر المهم.