رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما الأسباب التي دعت الكنيست اليهودي لطرد الفيلسوف باروخ سبينوزا؟

 باروخ سبينوزا
باروخ سبينوزا

يعد باروخ سبينوزا، هو أحد أعظم العقول الفلسفية علي مدار التاريخ، بل واعتبره “نيتشه” الخليفة الحقيقي له.  لقب باروخ سبينوزا، والمولود في مثل هذا اليوم في العاصمة الهولندية أمستردام عام 1632 بلقب “أمير الفلاسفة”، ورغم انتماءه لليهودية، إلا أن أسئلته ونقده، دعا الكنيس اليهودي لطرده. فما القصة؟

أسئلة باروخ سبينوزا وجدله يتسببا في طرده

رغم أن والدا، باروخ سبينوزا، كانا يعدانه لدراسة اللاهوت والتعاليم اليهودية بعد أن تلقي مبادئها الأولي، إلا وأن كثرة أسئلته وجدله المتواصل ونقده داخل الكنيست اليهودي، كان السبب في طرده، بل وفصله ولعنه من الطائفة اليهودية برمتها.

كان والد باروخ سبينوزا، تاجرا يهوديا هاجر من البرتغال إلي هولندا هربا من محاكم التفتيش الكاثوليكية لليهود. وكان يأمل أن يخلفه ولده  باروخ سبينوزا، في أعماله التجارية، لكن الأخير كان شغوفا بالعلم والثقافة، وهو ما دفعه إلي دراسة التوراة واللغة العبرية والتاريخي اليهودي بشكل عام، حتي أن كبار الحاخامات الذين كانوا يدرسون لـ باروخ سبينوزا، كانوا يأملون أن يغدو هذا الفتي المتقد الذهن حاخاما ينهض بالطائفة اليهودية.

ولكن خاب أمل الحاخامات في باروخ سبينوزا، إذ لم يلبث أن أصبح مرتابا شكاكا في بعض أمور الدين اليهودي، ولكنه كان يتظاهر بالارتياح لأجوبة الحاخامات فيما يطرحه عليهم من أسئلة واستفسارات خشية غضبهم. ولكنه وبعد أن أنهي دراسته الدينية في التلمود، اتجه نحو دراسة الفلسفة، فأقبل دارسا وقارئا لنتاج الفلاسفة اليهود الكبار من أمثال: موسي بن ميمون، وابن عزرا، وموسي القرطبي وآخرين. واستوقفته الكثير من آرائهم وأفكارهم خاصة ما قاله موسي القرطبي حول وحدة الله والكون. كما استوقفت آراء ابن رشد باروخ سبينوزا، والتي استقاها من مؤلفات موسي بن ميمون.

بعد ذلك وسع باروخ سبينوزا، من قراءاته لتشمل فلاسفة من غير اليهود، حتي أنه تعلم اللغة اللاتينية ليقرأ من خلالها نتاج الفلاسفة، فقد كانت اللغة اللاتينية هي لغة الفلسفة، ومن ثم بدأ رحلته مع الفلسفة اليونانية القديمة بداية من أفلاطون وأرسطو وفلاسفة الإغريق، مرورا بالعصر الوسيط، ومن ثم اطلع علي فكر عصر النهضة ومفكريه وفلاسفته.

شدت أفكار “رينيه ديكارت” انتباه  باروخ سبينوزا، وخاصة أفكار ديكارت عن ثنائية الوجود، وطريقة عمل الكون بواسطة القوانين الرياضية وآلية سيره بما يشي بحتمية كونية. وأيضا أعجب باروخ سبينوزا، بقول “ديكارت”، أن خارج هذا العالم آلها كما أن داخل جسد الإنسان نفسا".

كما توقف  باروخ سبينوزا، عند أفكار الفيلسوف برونو جوردانو والذي أعدمته الكنيسة حرقا بعد اتهامه بالهرطقة، نظرا لاعتقاده بوحدة الوجود وألوهية قوي ونواميس الطبيعة.

شكلت هذه المصادر والينابيع أفكار وفلسفة باروخ سبينوزا، مما حوله فكريا، وهو ما أدي به إلي مواجهة رجال العقيدة اليهودية، بل والمجتمع اليهودي نفسه المتشدد والمنغلق علي ذاته. فبعد أن شهد ضده عدد ممن يدعون أنهم أصدقاءه وأفشوا أفكاره في بعض المسائل الدينية كرأيه في الله والمعجزات والخلود والملائكة وغيرها، مما ترتب علي استدعاء باروخ سبينوزا، إلي الكنيس اليهودي، وأصدر مجلس الحاخامات الأكبر قرارا باللعنة والحرمان والنبذ خارج شعب الله المختار.