رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قوافل مصرية..أولها فى رفح وآخرها فى القاهرة

بدأت الهدنة وبدأ تفعيل صفقة تبادل الأسرى، لم تسكت المدافع من تلقاء نفسها وإنما جاء صمتها بعد جهد دءوب على مدار الساعة من مختلف الدول العربية والإسلامية بل وأصوات من أمريكا اللاتينية نادت بوقف إطلاق النار، فضلًا عن الموقف الثابت لروسيا والصين.
وسط هذا البحر المتلاطم الأمواج كان صوت مصر هو الأوضح باعتبارها دولة المفتاح لبوابة غزة.
التحرك المصري، حكومة وشعبًا، لم يهدأ منذ أن أذاعت الفضائيات خبر تحرك حماس في غلاف غزة صباح السابع من أكتوبر الماضي، على المستوى الرسمي كانت الرؤية واضحة لا لتهجير سكان غزة ولا لتصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر ولا تراجع عن دعم الشعب الفلسطيني بكل ما أوتينا من إمكانات، سواء على المستوى المعيشي لسكان قطاع غزة أو على المستوى الطبي، لم يكن هذا فقط كل ما لدينا ولكن على المستوى السياسي والدبلوماسي ألقت مصر بثقلها وتحركت بثبات نحو أركان الدنيا الأربعة لتقول جملة مفيدة في هذا الصراع بأن حل الدولتين هو العاصم للجميع.
وبشكل مواز للتحركات العلنية لمصر، في ظني أن التحرك السري الذي تم بالمشاركة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودولة قطر في ملف المفاوضات من أجل إبرام صفقة لتبادل الأسرى مع هدنة مؤقتة مع فتح معبر رفح ودخول الوقود وأكبر كمية من المساعدات الإنسانية، هذا التحرك الذي كان سريًا صار الآن معروفا للجميع حتى إن الرئيس الأمريكي بايدن وجه شكرًا خاصًا لمصر على دورها في إتمام صفقة تبادل الأسرى.
كل ذلك يؤكد أن مصر عندما رفعت شعار"مسافة السكة" لدعم أي دولة عربية تعرضت للظلم، لم يكن ذلك الشعار للاستهلاك الإعلامي، ولكنه واقع تتم ترجمته على الأرض يومًا بعد يوم.
مساء الخميس الماضي بتوجيه من رئيسها عبدالفتاح السيسي تعلن مصر عن مضاعفة حجم المساعدات المصرية، وللمتابع أن يتخيل كمية المساعدات المصرية التي ستدخل قطاع غزة خلال الأيام المقبلة.
كل المؤشرات البيانية في بداية الأزمة كانت تقول إن حجم المساعدات المصرية يتفوق على مجموع كل المساعدات التي جاءت من الشرق ومن المغرب ومع الإعلان الأخير بمضاعفة كميات المساعدات المصرية سوف نرى قافلة أولها على بوابة رفح وآخرها على بوابة القاهرة، لنقول لكل الدنيا إن أم الدنيا قادرة على الوفاء بالوعد.
إذا كان الموقف المصري بهذه الصلابة وهذا الالتزام فإن موقف المواطن المصري لم يقل عن الموقف الرسمي يمكنك أن تلاحظ ملاحظة عابرة على المقاهي خاصة الشعبية فقد صارت كل التليفزيونات في هذه المقاهي مفتوحة على القنوات الإخبارية بدلًا عن قنوات الرياضة والأفلام، متابعة يومية دقيقة لمجريات الأحداث حتى حفظ المواطن المصري خريطة غزة وبلداتها من الشمال إلى الجنوب يعرف أن الخطر في جباليا أكبر من الخطر في خان يونس، هذه المتابعة انعكست حجم التبرعات المصرية ويمكن القول إن أزمة غزة قد أسهمت بشكل كبير في وحدة الشعب المصري الذي تماهى مع التوجهات الرسمية للدولة المصرية، بل وتراجعت نسبيًا الشكوى العامة من الغلاء ومن مشكلات أخرى.
هنا بالتحديد نعرف معدن الشعب المصري الذي ما إن يؤمن بقضية عادلة، فإنه يشق صدره ليكشف أجمل ما فيه وهو القلب الأبيض القادر على الرؤية الواضحة وعلى الاصطفاف وقت الضرورة.
ساعات صعبة سوف نراها في أيام الهدنة، ربما أصعب من الحرب ذاتها، وذلك بسبب مرور الدقائق ثقيلة على كل الأطراف، الكل يريد تحقيق هدفه، إسرائيل تريد أسراها والغزاوية يريدون الحياة، كل طرف متربص بهدفه يسعى للوصول إليه، أما أكثر الأطراف اطمئنانًا فهى مصر هدفها واضح وشريف وعادل دخول المساعدات والسعي نحو مد الهدنة، أما ملف التهجير فإنني أعتقد أن مصر قد أغلقته بالضبة والمفتاح وإلى الأبد.