رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا تريدون من مصر؟


بداية، وفى ظل هذه الظروف وتلك المواجهات غير العادية داخليًا وإقليميًا وعالميًا التى يمر بها الوطن وهو فى مرحلة مفصلية بكل معنى التعبير- أرى تأجيل الخلافات السياسية والاقتصادية وغير ذلك من خلافات مع النظام الحاكم، ليس اقتناعًا أو تأييدًا أو تطبيلًا للنظام، فمن الطبيعى، ومن حقنا، أن نختلف ونعارض ما لنا رأى آخر فيه، ولكن هذا التأجيل لأن الوطن هو الأهم، وهو الأبقى من الأنظمة السياسية المتغيرة طوال الوقت. هذه المقدمة نتاج لما يحدث الآن فى غزة وتأثيره المباشر والمقصود به مصر تحديدًا! 
فمن الثابت تاريخيًا أن منطقة الشرق الأوسط، وفى القلب منها مصر، تمثل قمة الأطماع الاستعمارية، أيًا كانت مسمياته أو مراحله الزمنية والنوعية. فكل الإمبراطوريات الاستعمارية فارسية إغريقية رومانية عربية صليبية فرنسية بريطانية أمريكية... إلخ- كانت ولا زالت لها أطماعها فى مصر، تحديدًا لأهمية مصر مكانًا ومكانة ودورًا تاريخيًا طوال الوقت. ولذا يمكن هنا أن نقول إن زرع الكيان الصهيونى فى المنطقة بعد استغلال النص التوراتى الذى برروا به فلسطين عن غيرها من الدول كان بهدف استغلال إمكانات المنطقة، وتقسيم الدول العربية والأهم العمل على تفكيك اللُّحمة العربية، وتفتيتها حتى يسهل الاستيلاء عليها.
أما موقع مصر من هذا الكيان، فهو يمثل الهدف الأول والجائزة الكبرى للصه يو.نية. ذلك لارتباط اليهود بمصر تواجدًا حتى الخروج إلى سيناء لأربعين عامًا. ولذا فهم يعتبرون أن سيناء هى الأرض المقدسة التى نزل فيها الوحى على موسى.
ومن هنا، نجد أن هدفهم الاستراتيجى ليس فلسطين فقط، ولكن تلك الدولة من النيل إلى الفرات. أى أن مصر هى قيمة دينية واستراتيجية سياسية. فإذا كانت مؤامرة التهجير لسكان غزة إلى سيناء تعنى إنهاء للقضية الفلسطينية، ولكن الهدف الآخر الذى لا يقل أهمية هو الوصول إلى النيل. ومن المخزى أنهم لم يقتصروا على من النيل إلى الفرات، بل قالوا إن حدودنا هى ما تصل إليه أيدينا. 
فالتحديات لم تقتصر على التهجير إلى سيناء حتى يتم انجرار مصر إلى حرب لا وقت لها الآن. أو الدفع الإنسانى أو الصهيونى إلى سيناء، فتتم المواجهة مع البشر وكلا الأمرين مر. إضافة إلى الآثار الاقتصادية التى ستضاف إلى المشكلة الاقتصادية الحالية نتيجة لضعف الحركة السياحية وتحمل الأعباء الاقتصادية الناتجة عن الأزمة. وهذا فى ظل ضغوط بعض الذين يرفعون شعار المعارضة للنظام «وفى ظل هذه الظروف للوطن» بفتح معبر رفح. ولا أعلم هل هم يدرون النتائج أم ماذا؟ مع العلم أن اتفاقية فيلادلفيا تجعل السيطرة على المعبر ليس من جانب مصر وفلسطين، ولكن للأسف مع إسرائيل. فإذا كان هذا مقبولًا أم مرفوضًا ولكن دعونا نتعامل مع الواقع بلا شعارات. 
هنا نُذكّر بعدة أمور: لا اختلاف على أن قضية فلسطين هى مرتبطة بالأمن القومى المصرى، ولذا فهى قضية مصر بصورة أو بأخرى. وكم دفعت مصر الأثمان من دم أبنائها وفى كل الحروب التى كانت تهدف إلى التمكن من الاستيلاء على فلسطين، والأهم هو إضعاف مصر عندما كانت رائدة التحرر الوطنى للدول المستعمرة فى العالم. نعم كان هناك شعار أن «فلسطين هى قضية العرب الأولى». فهل بعد كامب ديفيد التى أخرجت مصر من المعادلة العربية مما جعل العرب يصلون إلى هذا الهوان من عمليات تطبيع كانت ليس على حساب القضية، وإن قيل غير ذلك ذرًا الرماد فى العيون- لا زالت قضية العرب الأولى؟ وما الأمارة لذلك؟ هل هو الحضور الباهت للزعماء العرب فى مؤتمر السلام الذى عقد فى مصر؟ هل كان التجاهل للقضية وإسقاط لأى دور مصرى كعادتها التاريخية؟ أعتقد أنهما السببان.
ودون الدخول فى تفاصيل أكثر من ذلك وبعد القمة العربية الإسلامية: ما القرارات الخطيرة التى اتخذت ليس لحل القضية لاسمح الله، ولكن لوقف تلك المجزرة الإنسانية غير المسبوقة والتى أطلقوا عليها وقف إطلاق النار وليس وقف المجزرة ؟ وهل التوصيات بإرسال تلك الشعارات للعالم «يجب ويجب ويجب» فما الجديد؟ وهل كان منذ احتلال فلسطين أى موقف غير «يجب»؟ 
لكل ماسبق، ناهيك عن الأخطار القادمة من الجنوب والغرب والشمال وقضية سد النهضة التى يسهم فيها بعض الدول العربية، وغير ذلك، نقول: ماذا تريدون من مصر؟ وما أدواركم ودور أموالكم التى أهداها الله لكم؟ ولماذا هذا الإنكار لدور مصر مع الدول العربية عندما كانت تحتاج إلى مصر ولم تتأخر أبدًا «وهذه ليست معايرة، فمصر كانت دائمًا وستبقى أبدًا». 
وبالرغم من كل ذلك.. ستظل مصر مؤمنة بدورها التاريخى. ولن تتخلى عن القضية. وليعلم الجميع أنه إذا كان المقصود دائمًا مصر، لأنها بالرغم من كل الظروف التى تمر بها عبر التاريخ فهى مخلصة لطبيعتها التاريخية ودورها القدرى- فإنه دون مصر وفى ظل الواقع العربى المتردى لن تكون هناك دولة فلسطينية حسب مقولة الدولتين، بل لا أمن والأمان لأحد من تلك المخططات الاستعمارية التى أسفرت عنها وجهها السافر والغادر. 
حمى مصر وشعبها والشعوب العربية.. وحفظها من غدر القريبين والبعيدين.