رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خوف إسرائيلى من مصر

بين حين وآخر تصدر اختلاجة إسرائيلية تؤكد مشاعر الخوف من مصر.. هذه الاختلاجات ليست بريئة غالبًا وإن كانت لا تنفى أن مشاعر خوف الإسرائيليين من مصر حقيقية ولها ما يبررها.. آخر هذه الاختلاجات كانت تدوينة عضو كنيست سابق هو «ميخائيل بن آرى» وهو عضو قيادى فى حزب يمينى متطرف.. لقد كتب «بن آرى» يقول: «بدأنا ندرك أننا لا نحارب غزة ولا إيران وأن مصر هى المسئولة مباشرة عن تسليح غزة على مدار السنين!»، ويواصل قائلًا: «أنكروا كما تشاءون ولكن مصر لا تزال هى العدو الأكبر والأخطر لإسرائيل».. ويعود «بن آرى» ليعبر عن مخاوفه من أشباح نصر أكتوبر التى ما زالت تطارد الإسرائيليين قائلًا: «لقد سكتنا فى قبيل حرب أكتوبر مع مصر عام ١٩٧٣ على تحريك أنظمة الدفاع الجوى المصرى حتى قناة السويس، والنتيجة أن المصريين ذبحوا أبناءنا عند القناة ولم يستطع الطيران الإسرائيلى إنقاذهم.. بل إن طائراتنا كانت تتساقط مثل الذباب!»، انتهت تدوينة السياسى الإسرائيلى المتطرف والتى تعبر عن خوف إسرائيلى عميق من قوة مصر العسكرية.. لكنها من وجهة نظرى الخاصة تعبر عن أزمة عميقة داخل إسرائيل التى تعانى من العجز عن تحقيق نصر فى غزة فـ«ترمى بلاها» على مصر، وتدّعى أن الهزيمة التى أُلحقت بها لا بد أن يكون وراءها قوة كبيرة مثل مصر، وليست حركة حماس بمفردها.. من الناحية الشخصية يسعد أى مصرى وطنى أن يعلن الأعداء خوفهم من جيش مصر لأن وظيفة الجيش الوطنى أن يخيف الأعداء، ولكن هذا لا يمنع أن حديث السياسى الإسرائيلى عبارة عن هراء سياسى لا دليل واحد عليه، ولو كانت إسرائيل تملك دليلًا على هذه الأكاذيب فعليها أن تتقدم به للمؤسسات الدولية أو حتى لمجلس الأمن الدولى.. ولكنها لا تملك أى دليل لأن مصر علاقتها بالفصائل الفلسطينية علاقة سياسية بحتة وغالبًا ما تستخدم مصر هذه العلاقة فى تهدئة الأوضاع، وتلتزم مصر بمعاهدة كامب ديفيد لتنظيم علاقتها بالجانب الإسرائيلى.. لكن إسرائيل على ما يبدو تريد أن تعلّق عجزها على شماعة القوة المصرية.. وليس غريبًا أن السياسى صاحب تدوينة «الخوف من مصر» هو عضو فى نفس التحالف السياسى مع الوزير صاحب فكرة ضرب غزة بالقنبلة النووية الذى هو فى حقيقته تهديد مبطن لمصر التى يخاف منها الإسرائيليون الآن أكثر من أى وقت مضى.. أما «دبدبة» المتطرفين الإسرائيليين التى بدأ صوتها يعلو بالأمس وأمس الأول فهى فى ظنى محاولة للفت انتباه ماما أمريكا التى جاءت للمنطقة بقوات لم تشهدها منذ غزو العراق ٢٠٠٣، ومخاطبة لصانع القرار الأمريكى وتمهيد إعلامى لعمل شيطانى ضد مصر سيفشل كما فشلت كل المؤامرات ضد أرض الكنانة بإذن الله.. ولا شك أن تصريح السياسى الإسرائيلى الخائف من قوة مصر ليس بعيدًا عن المقال الذى كتبه تشاحى ليفى، مراسل القناة السابعة الإسرائيلية، عن الصراع بين مصر وإسرائيل على مصير سكان غزة بعد رفض مصر تصفية قضية فلسطين وتهجير سكان غزة.. فقد عبر المحلل العسكرى الإسرائيلى عن نفس وجهة النظر المتطرفة تجاه مصر قائلًا: «بالنسبة لمصر تعتبر غزة موقعًا متقدمًا يشتبك مع قوات الجيش الإسرائيلى فى الجنوب ويزعج إسرائيل ويمنعها من تعزيز قواتها!»، ويضيف: «إن من يتابع تعزيزات الجيش المصرى من مصادر مرئية يرى مجموعة من الجسور الضخمة التى يبنيها فوق القناة وتحتها.. والمشتريات العسكرية بعشرات المليارات من الدولارات فى جميع وحدات الجيش المصرى هى أمر واقع ومعروف.. وحتى الأقمار الصناعية تفهم أنه بالنسبة للجيش المصرى فإن إسرائيل هى التهديد الرئيسى بالرغم من اتفاق السلام».. انتهى الاقتباس من مقال المحرر الإسرائيلى.. وكمواطن مصرى أقول إن الإسرائيليين يلقون بمسئولية سياستهم الاستيطانية المتطرفة على مصر كما يلقون أيضا بفشلهم فى إدارة قطاع غزة وفى مواجهة غضب أهله على مصر.. يعرف العالم كله أن إسرائيل حولت غزة إلى سجن كبير، وأنها تراقب كل شاردة وواردة فيه.. لكن يبدو أن الإسرائيليين انتهوا من مرحلة تبادل الاتهامات الداخلية بالمسئولية عن التقصير، وانتقلوا إلى مرحلة اتهام مصر ورمى البلاء عليها دون دليل واحد أو سند واحد.. ولا يخلو هذا الهراء السياسى تجاه مصر من شبهة خبيثة لتحريض الولايات المتحدة ضد الجيش المصرى.. الجيش العربى الوحيد الذى نجا من المؤامرات التى تم تدبيرها تحت شعار الربيع العربى.. إن إسرائيل ينطبق عليها المثل القائل «رمتنى بدائها وانسلت»، فى حين أن ابن البلد المصرى يسمع الاتهامات الإسرائيلية، ويرد بالتعليق الشهير لأحد أبطال فيلم «الكيت كات»: «صح.. بس هانكر»، والمعنى أن المصرى بطبعه يحب أن تخاف منا إسرائيل، ولكن هذا لا ينفى أن ما يقوله بعض سياسييها هو حجة العاجز وأكاذيب لا علاقة لها بالواقع تمامًا.. فالمصرى محب للسلام ولكنه يؤمن جدًا بالمثل القائل «يا واخد قوتى يا ناوى على موتى» أى أنه يموت إذا اعتدى أحد على ما يملكه.. فهل حاولت إسرائيل إيذاء مصر اقتصاديًا فى آخر الأعوام؟.. إذا كانت الإجابة لا.. فلتطمئن إسرائيل إذن.. وإذا كانت الإجابة نعم فإن على إسرائيل أن تراجع نفسها كثيرًا فى سياستها تجاه مصر.