رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء وحماس والتوريث.. وأشياء أخرى!


لأن الطبخة مسمومة وكريهة الرائحة.. فقد استمعت أمريكا دونما اهتمام يذكر ولم تصدر منها الإشارات المطلوبة والمدفوع فيها الكثير وبقى مفتاح القلب الأمريكى كالعادة فى يد إسرائيل

وقفنا فى الحلقة السابقة من سلسلة «أسئلة سيناء الملغمة» عند الطرح الإسرائيلى للحل السحرى بضم جزء من شمال سيناء إلى قطاع غزة الملاصق لها للتوسعة وفك اختناق المساحة (360 كم مربع).. وكانت وقفتنا فى رحلة هذا الطرح الشيطانى عند محطة العام 2008م الذى حمل متغيراً جديداً تمثل فى دفع قامت به «حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس» لاجتياح أهالى القطاع لثلاث مدن مصرية هى على التوالى من الشرق للغرب رفح ثم الشيخ زويد حتى الوصول إلى مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء!

فى هذا التوقيت كان لإمساك نظام مبارك بزمام الأمور وخاصة جهازى (المخابرات العامة ـ أمن الدولة) من خلال مفاتيح عديدة لهذا المكان الشائك سبب فى احتواء هذا التصرف وإعادة.. الأمور إلى نصابها وأهالى غزة إلى قطاع غزة وقادة حماس إلى رشدهم.

فقد كان تعاطى هؤلاء الأشاوس مع الوضع بهذه الصورة المنفلتة كفيلاً بخلط الأوراق، مع الوضع فى الاعتبار إصرار حماس على إفشال كل جهود المصالحة مع مؤسسة الرئاسة الفلسطينية ومنظمة فتح فى الضفة الغربية وقطع كل الجسور مع رام الله والتركيز المريب إعلامياً فى حملات مكثفة على مصر بشأن معبر رفح وكأنه لا يوجد احتلال إسرائيلى ولا مستوطنات تلتهم الأراضى يومياً، ولا معابر مغلقة فى وجوههم إلى جميع الجهات ولا قضية فلسطينية تتسرب من أيديهم على وقع خلافاتهم الداخلية.. فقط معبر رفح وما وراء رفح.

فى هذا التوقيت الحرج اعتباراً من العام 2008م وما بعده كان النظام المصرى يعيش مأزقه الخاص المتمثل فى قضية التوريث.. وكانت سياسته الداخلية قد غاصت بكامل أقدامها فى هذا المستنقع ومعها كل تفاصيل الدولة وبدأت فى سياستها الخارجية تطرق كل الأبواب المهمة والمتاحة لتسويق هذا السيناريو المشبوه والعصى على الهضم.

بالطبع كان أهم وأول الأبواب هو الولايات المتحدة الأمريكية.. وتعددت وقتها زيارات مبارك الابن للتعرف والحديث وفتح قنوات رسمية وغير رسمية فخريطة الداخل الأمريكى ودوائر صنع القرار بها من التشابك الكثير والعلاقات بين أمريكا ومصر أكثر تشابكاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبدأ الحديث عن شركات العلاقات العامة الأمريكية المتخصصة فى التسويق الإعلامى وتجهيز اللقاءات المدفوعة الأجر مع شخصيات نافذة فى الكونجرس ومجلس الشيوخ والدفع فى اتجاه كل لوبى موجود على الساحة من صحافة لمجتمع مدنى لروابط رجال الأعمال.

دفع الابن مبالغ طائلة من (ميزانية الدولة) وليس من حسابه الخاص لتلك الشركات المتخصصة فى تجميل الصورة وتقديم الحلول ورسم خطوط السير داخل المتاهة الأمريكية، ولأن الطبخة مسمومة وكريهة الرائحة.. فقد استمعت أمريكا دونما اهتمام يذكر ولم تصدر منها الإشارات المطلوبة والمدفوع فيها الكثير وبقى مفتاح القلب الأمريكى كالعادة فى يد إسرائيل التى كانت أكثر الأطراف اهتماماً بالإنصات إلى حديث مبارك الإبن ومتابعة تحركاته وما وصل إليه فى أمريكا حتى تكتمل عندها الصورة بعد إضافة ما عند مبارك الأب ليقدمه لتمرير مشروع التوريث ولدعمه أمريكياً ولتسويقه إسرائيلياً فى الدوائر المعنية بهذا الأمر.

وهنا تحديداً فى العام 2010م تجدد العرض الإسرائيلى القنبلة الذى تمثل فى الوصول إلى حل نهائى للقضية الفلسطينية بضم أجزاء من شمال سيناء إلى قطاع غزة وإعلان قيام الدولة الفلسطينية على هذه المساحة.. فالخلاف قد تجذر بين حماس وفتح وسار فى طريق اللاعودة وعداء حماس المعلن والخفى مع فتح صار أشد وأعقد من علاقاتهم بإسرائيل، لهذا كان هذا التوقيت هو المثالى بامتياز لإسرائيل لتقديم ما تطلبه حماس فى الخفاء لتحصل هى فى العلن على الضفة وتعلنها منطقة يهودية بمستوطناتها وأراضيها.

أما بالنسبة لجانب المصريين فى الصفقة فالتعويض عن أراضى سيناء المقتطعة والداخلة فى هذا الحل سيكون مقابلها عرضاً مالياً سخياً وصل إلى 70 مليار دولار غير إسقاط نسبة غير صغيرة من الديون المصرية لأمريكا وحلفائها لتخرج مصر من أزمتها الاقتصادية الخانقة مع ضمان تدفق استثمارات مباشرة داخل مصر لمدة عشر سنوات وهذا ينقل مصر نقلة واسعة إلى مصاف الدول المستقرة.. وقبل كل هذا والأهم ضمان النهاية السعيدة لمشروع التوريث.

حاول الابن وألح فى إقناع الأب بأن ما كان مرفوضاً سياسياً من قبل قد يمر تحت اللافتات الاقتصادية فالأزمة المالية بالفعل خانقة وقدرة الاقتصاد المصرى مكبلة بالدين الخارجى والدين الداخلى، ومن ناحية التوريث فالنجاح فيه يضمنه بنهايته السعيدة مضى الأب قدماً فى تنفيذ هذا العرض.

ويرفض مبارك العرض الإسرائيلى للمرة الثالثة أثناء فترة حكمه بنصيحة ذهبية من مدير المخابرات عمر سليمان تتلخص (وفق مصادر فلسطينية مطلعة) حول أن الدخول فى هذا النوع من الصفقات ووفقاً لتقدير دقيق للوضع الإقليمى كفيل بانفجار الأوضاع فى وجوهنا جميعاً وحينها ما أسهل أن تتجاوز إسرائيل كل الحدود المسموحة لنجد أنفسنا جميعاً وقد أمسكنا بيدينا الماء.. وفق نص حديثه فى اجتماع مغلق برام الله مع قيادة فلسطينية رفيعة المستوى على علم بتفاصيل العرض الإسرائيلى.

تاريخ هذا اللقاء فى خريف العام 2010م أى قبل اندلاع ثورة يناير بشهور محدودة.. ثم جاء الإخوان !

وصل التنظيم الأم لحكم مصر هل لينفذ ما تعهد به للمسئولين الأمريكيين قبيل انتخابات الرئاسة.. من أن مفاتيح حل القضية الفلسطينية ملك يمينه وناقش معهم تفاصيل كل ما سبق وفق رؤية الإخوة فى حماس.

بوضوح ودون مواربة هل يبيع الإخوان المسلمين سيناء لأقربائهم فى غزة فى ترتيب إقليمى برعاية إسرائيلية وضمان أمريكى لهم بعرش مصر كما كان معروضاً على مبارك الابن؟.

■ باحث فى العلوم السياسية

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.