رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"هنا فلسطين من القاهرة".. الشركة المتحدة: إهداء لكل شهداء مصر دفاعًا عن حق فلسطين

الفيلم الوثائقي هنا
الفيلم الوثائقي هنا فلسطين من القاهرة

رصد الفيلم الوثائقي "هنا فلسطين من القاهرة"، من إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لقطات من فيلم "سحر ما فات في كنوز الوثائق والمرئيات" للدكتور مدكور ثابت، الذي قدم إهداء لكل شهداء مصر الذين دفعوا حياتهم ثمنًا للدفاع عن حق فلسطين.

بدأ الفيلم بتاريخ سبتمبر 1945، حيث تسيطر حالة من السعادة الغامرة على الأجواء العامة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبدأت أوروبا في مرحلة البناء، بينما تستمتع الولايات المتحدة بدورها الجديد كقوى عظمى، وتبدو الصورة وكأنها مثالية.

ولكن الوضع في العالم العربي كان بعيدًا عن الهدوء، ووسط مشهد عالمي متغير شهد صيف عام 1946 أول تحرك مصري للدفاع عن فلسطين مع أول اجتماع للقمة العربية، والمؤكد أن حرارة الصيف لم تكن تقترب من حرارة المشهد المشتعل في القدس.

وكانت مصر والعديد من الدول العربية ترى ما يجري التخطيط له، المقدمات كلها كانت تؤكد أن وعد "بلفور" أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقق، الوعد الذي كان يعد اختصارًا للمقولة الشهيرة "لقد أعطى من لا يملك وعدًا لمن لا يستحق".

أرض بلا شعب لشعب بلا أرض

وعد "بلفور" هو الوعد الذي قدمه وزير خارجية بريطانيا أرثر جيمس بلفور في نوفمبر 1917 إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية، منحت بموجبه بريطانيا حقًا لليهود في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين بناءً على المقولة المزيفة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

واجتمع ملوك ورؤساء وممثلو سبع دول عربية في أنشاص للتباحث في قضية فلسطين، ومواجهة هجرة اليهود للأراضي الفلسطينية، وأعلنت مصر أن الاستقلال الفلسطيني قضية لا يمكن المساومة عليها، وهو المبدأ الذي لم تتخلى عنه مصر على مدار التاريخ.

مصر هي الفاعل الرئيسي في دعم القضية الفلسطينية 

وأدرك العالم أن الفاعل الرئيسي في دعم ومساندة القضية الفلسطينية هي مصر، إيمانًا منها بحق الشعب الفلسطيني، وفي ظل دورها كشقيقة كبرى وقائدة للعالم العربي، والقوة الإقليمية القادرة على تغيير مجرى الأحداث.

وأتت اللحظة الفاصلة أو اللحظة المؤلمة عام 1948 عندما تم الإعلان عن نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين، وبداية إعلان الدولتين اليهودية والفلسطينية.

وبعد ذلك أعلنت المنظمات الصهيونية قيام دولة إسرائيل، بعد أن تم تهجير قرابة 950 ألف فلسطيني عبر المذابح والترهيب من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني.

وفي تلك اللحظة، أعلن الملك فاروق عن مشاركة الجيش في حرب 1948 مع عدد من الجيوش العربية، وذهب الجيش المصري إلى فلسطين دفاعًا عن الحق العربي وإيمانًا منه بشرعية القضية.

شهداء مصر على أرض فلسطين

ولم تكن حربًا ولم تكن معركة، بل كانت جريمة في حق كل جندي مصري، واستشهد أحمد عبدالسلام عفيفي في أكتوبر عام 1948 بمعركة تقاطع الطرق، واستشهد يوزباشي أنور محمد الصيحي في 20 مايو 1948 بدير سبع، واستشهد صاغ عزالدين صادق الموجي في 21 مايو 1948 بدير سنيت.

واستشهد قائم مقام أحمد عبدالعزيز في 22 أغسطس 1948 بالقرب من عراق المنشية، والصاغ الدكتور محمد السايح عدلي استشهد في 2 يونيو 1948 بعراق سويدان، واستشهد يوزباشي صلاح الدين محمد إبراهيم في 2 يونيو 1948 بأسدود، واستشهد يوزباشي أحمد فؤاد في 7 يونيو 1948 بأجماما، والصاغ عبدالمنعم إسماعيل استشهد في 7 يونيو 1948 بغزة.

عام النكبة

ومنحت الحرب عام 1948 لقبًا لا يزال عالقًا وهو "عام النكبة"، لكن لم تكن مصر تحارب إسرائيل فقط بل تحارب معها الدعم البريطاني، ودعم المجتمع الدولي، لم يكن الجيش المصري يواجه خصمًا واضحًا، بل كان يواجه عدوًا خفيًا، وصمدت مصر كعادتها وكانت حرب 1948 نقطة فاصلة غيرت مجرى الأحداث.

ولكن لم تضع هذه الحرب نهاية لأزمة فلسطين، بل فتحت الباب للتغيير السياسي في مصر، مع تأسيس حركة الضباط الأحرار، وقيام ثورة يوليو 1952، ظلت القضية في مركز الاهتمام المصري بعد الثورة، وكان هذا الدعم سببًا في العدوان الثلاثي على مصر، إلى جانب قرار مصر بتأميم قناة السويس وبناء السد العالي.

وبحسب براين أوركارت الدبلوماسي البريطاني السابق وعضو البعثة البريطانية في الأمم المتحدة، كان الهدف الذي يجمع الدول الثلاث هو هدف واحد ولم يتم الإعلان عنه بشكل صريح؛ ألا وهو القضاء على نظام جمال عبدالناصر، وكان لكل دولة هدف خاص بها.

العدوان الثلاثي على مصر

بريطانيا الإمبراطورية العظمي في ذلك الوقت كانت تعتقد أن الوضع الجديد في مصر كان السبب الرئيسي في كسر كبريائها وتعزيز المشاعر المعادية للقوة الاستعمارية، وكانت تشعر فرنسا بالغضب من دور القاهرة الكبير في مساعدة حركة الاستقلال الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، أما إسرائيل كانت تسعي من أجل القضاء على قواعد الفدائيين في سيناء وقطاع غزة ونزع سلاح سيناء.

وانتصرت مصر وغادر جنود العدوان الأراضي المصرية بعد المقاومة الباسلة لمدينة بورسعيد، واستمرت المساندة المصرية، حيث قدمت وزارة الخارجية المصرية توصية الي مجلس جامعة الدول العربية في مارس 1959 من اجل العمل على إبراز الكيان الفلسطيني.

وفي عام 1963 دعا الرئيس عبدالناصر إلى عقد مؤتمرًا للقمة العربية لبحث التهديدات الإسرائيلية، بتحويل مياه نهر الأردن، وانعقدت القمة بالفعل في القاهرة في الفترة بين 13 إلى 17 من يناير 1964، وكانت بمثابة نقطة تحول كبيرة في تاريخ النضال الفلسطيني.

وناقشت القمة القضية الفلسطينية والكيان الفلسطيني واتخذت القرارات العملية في ميدان تنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه بالقيام بدوره في تحرير وطنه وتقرير مصيره؛ نتيجة لذلك تم عقد المؤتمر القومي الفلسطيني في 28 مايو 1964، حيث تم إعلان تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية التي ترأسها فيما بعد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكانت مصر من أكثر الدول العربية تأيدًا لقيام المنظمة، وقدمت لها مل التسهيلات اللازمة لقيام المنظمة.

وكانت رؤية “عبدالناصر” للمنظمة تمثل داعمًا لها، لأنها في رأيه نتيجة مهمة من نتائج العمل العربي الموحد في مواجهة قوى الاستعمار والصهيونية التي كانت تعتقد القضاء على شعب فلسطين هو الطريق نحو القضاء على مشكلة فلسطين، إلا أن قيام منظمة التحرير الفلسطينية أثبت عجز تلك القوي في القضاء على الشعب الفلسطيني.

ومن خلال منظمة التحرير أصبح ممكنا إحياء وجود شعب فلسطين وفي ذلك إحياء للديمقراطية كلها، وبعد حرب يونيو 1967، كان من الممكن أن تتراجع مصر عن دعم الشعب الفلسطيني، وكان احتلال سيناء بمثابة طعنة أصابت شعب مصر، لترتوي صحراء سيناء بدماء ما يقرب من 11 ألف مصري رحلوا في حرب حملت اسم “النكسة”.

ولكن الجيش المصري لم يحارب لكي يخسر المعركة، فقد انتهي كل شىء قبل أن يبدأ، لهذا بعد أيام قليلة من حرب 1967، كان الجيش المصري في رأس العش يكتب التاريخ من جديد، ويعلن صراحة أن يونيو هى جولة في حرب طويلة، وسوف تنتصر فيها مصر بالنهاية.

واعلنت مصر التحدى في القمة العربية في الخرطوم يوم 29 أغسطس 1967، رفضت القمة الشروط الإسرائيلية وعرفت بقمة اللاءات الثلاثة “لا صلح.. لا اعتراف.. لا تفاوض مع إسرائيل قبل أن يعود الحق لأصحابه".

وفي عام 1969، أشرف “عبدالناصر” على توقيع اتفاقية القاهرة دعمًا للثورة الفلسطينية، واستمر دفاعه عن القضية إلا أن توفى عام 1970، وودعته كل الشعوب العربية وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني، رحل بشكل مفاجئ وترك وراءه سؤالًا مهمًا هل سوف تستمر مصر في الدفاع عن الحق الفلسطيني؟، ولم ينتظر الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي تولي إدارة مصر كثيرًا قبل أن يُثبت أن القضية الفلسطينية في قلب اهتمامته.

وفي عام 28 من سبتمبر 1972 كان الرئيس السادات أول من اقترح فكرة إقامة حكومة فلسطين المؤقته، ردًا على ادعاءات جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل آنذلك بعدم وجود شعب فلسطيني، وكانت حرب 1973 هي الخطوة الأولي لاستعادة الحق.

مصر تنادى بتحقيق السلام العادل والشامل

واستمر التحدى واستمرت مصر في الدفاع عن الحق الفلسطيني، وخلال القمة العربية السادسة التي عقدت في 29 نوفمبر عام 1973، بالجزائر، تم إقرار شرط للسلام مع إسرائيل، وهو انسحاب المحتل من جميع الأراضي العربية وفي مقدمتها القدس.

واتفقت مصر وكافة الدول العربية في المؤتمر السابع للقمة العربية، الذي عقد في 26 أكتوبر 1974 بالرباط، على تأكيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي أكتوبر عام 1975، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3375 بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط بناءً على طلب تقدمت به مصر.

مجزرة "صبرا وشاتيلا"

وكان خطاب السادات في الكنيست هو أكبر دليل على أن مصر لن تتراجع في الدفاع عن الحقوق العربية.

ورغم السلام الوليد بين مصر وإسرائيل لم تتردد القاهرة في سحب السفير المصري من تل أبيب بعد وقوع مجزرة "صبرا وشاتيلا" عام 1982، حيث وقعت هذه المذبحة في 16 سبتمبر عام 1982 بمخيمي "صبرا وشاتيلا" الفلسطينيين بعد دخول القوات الإسرائيلية إلى العاصمة اللبنانية بيروت وإحكام سيطرتها على القطاع الغربي منها، وراح ضحيتها 1500 شهيد من الفلسطينيين واللبنانيين العزّل، بينهم أطفال ونساء.

وفي وقت كانت تخوض مصر فيه معركتها الأخيرة من أجل استرداد طابا، لم تغب القضية الفلسطينية، في نفس العام الذي رفعت فيه مصر العلم على أرض طابا بدأت التمهيد في استعادة الحق الفلسطيني، وفي 1889 طرح الرئيس الراحل محمد حسني مبارك خطته للسلام، وكانت هذه الخطة بدتية الطريق لاتفاقيات "أوسلو".

ومصر لا تعرف المواقف الرمادية أبدًا في القضية الفلسطينية، لأن الهدف واضح وهو رفع معاناة الشعب الفلسطيني وتقديم دعم ثابت لا يتلون.

وقبل 30 عاما وبالتحديد في 13 ديسمبر 1993، تم توقيع اتفاقية أوسلو، وكان الهدف من تلك الاتفاقية هو تشكيل سلطة فلسطينية منتخبة لمرحلة انتقالية لا تتعدي 5 سنوات تؤدي إلى تسوية نهائية على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي.

وفي أغسطي 1995، لعبت مصر دورا هاما في توقيع بروتوكول القاهرة، منح البروتوكول أملا جديدا للفلسطنيين، وتضمن البروتوكول نقل عدد من الصلاحيات للسلطة الفلسطينية، وتم على أرض طابا توقيع اتفاق مرحلي لتوسيع الحكم الذاتي الفلسطيني خلال نفس العام تم تطبيق اتفاق طابا بالانسحاب الإسرائيلي من المدن الكبري في الضفة الغربية.

في نهاية عام 1999، ساد الإحباط لدي الفلسطينيين بسبب عدم التزام إسرائيل بتطبيق العديد من جوانب اتفاق أوسلو، وبينما يستقبل العالم الألفية الجديدة بالألعاب النارية والاحتفالات الخاصة كانت الأعيرة النارية لقوات الاحتلال موجهة صوب طفل فلسطيني انتفض من أجل بلده قبل أن يعي الطفل معني وطن.

وأوضح بعد ذلك فترات احتلال إسرائيل لفلسطين، وبث انتصاراته عبر الفضائيات لكى يعلم العالم كيف تُسفك الدماء؟ وكيف يدفن الشيخ ولده؟ وكيف تتشرد الأطفال؟ وكيف تتمزق الأوطان؟، وكلما تمسك الفلسطينيون بأرضهم زادت وحشية الكيان الصهيوني في سفك الدماء، فلا يميز السلاح الإسرائيلي بين الشيخ والشيخة، والشابة والطفل.

ولكن مصر لم تقف صامته واحتجت بصوت مرتفع على ممارسات إسرائيل دولة وشعبا، وحدث الرئيس مبارك عن موت طفل في حضن أبيه وهو أعزل قائلا: أقسى ما يمر به الإنسان أن يموت ابنه وهو بين يديه مما يهز مشاعر حتى الحجر.

وسحبت القاهرة السفير محمد بسيوني من تل أبيب، وتدخلت مصر لوقف الهجمات المتبادلة بين الطرفين، فيما أكد مبارك أن استخدام القوة المفرطة لا يأتي بسلام إطلاقا، بل سيتعقد الأمر أكثر، خاصة مع استخدام طائرات إف 16.

شىء لا يقبله العقل على الإطلاق

وعرض الفيلم الوثائقي كلمة للرئيس الراحل محمد حسني مبارك، وهو يتحدث عن موت طفل في حضن أبيه وهو أعزل، قائلا: “أقسى ما يمر به الإنسان أن يموت ابنه وهو بين يديه مما يهز مشاعر حتى الحجر”.

وعُرضت لقطات أخرى لمبارك وهو يؤكد أن استخدام القوة المفرطة لا يأتي بسلام إطلاقا، بل سيتعقد الأمر أكثر، خاصة مع استخدام طائرات إف 16 "شئ لا يقبله العقل على الإطلاق".

وكانت دائما مصر الأقرب والأقدر على فهم القضية الفلسطينية بكل أبعادها، ليس فقط بسبب دورها الريادي في المنطقة وموقعها الاستراتيجي، بل لأنها أيضا دفعت ثمن تأييدها القضية الفلسطينية غاليا من دماء الشهداء المصريين التي سالت على أرض فلسطين.

وقامت مصر عام 2004 بطرح مبادرة للقيام بدور مباشر لتهيئة الأجواء لخطة للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، واستمرت في لعب دورها في حفظ الاستقرار والأمن مع اشتعال الأوضاع في غزة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة.

وحلم مصر هو حل القضية الفلسطينية لم يترك وجدانها ولم تتخل عنه في أي مرحلة من المراحل، بعد تولى الرئيس الأمريكي باراك أوباما السابق رئاسة أمريكا، حدثه الرئيس الأسبق مبارك في الأول من فبراير عام 2009 على ضرورة حل القضية، وأنه يتطلع لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية وحذر من استمرار الوضع في فلسطين، وضرورة حل القضية لتنعم المنطقة في سلام أو تتخلص من الإرهاب دون أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه.