رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالعليم محمد: تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لم يغب يومًا عن التفكير الصهيونى منذ العهد العثمانى

عبدالعليم محمد
عبدالعليم محمد

- قال إن القضية الفلسطينية «عقيدة» للمصريين وجزء من الأمن القومى

- مشروع «جيورا آيلاند» استهدف أن تتخلى مصر عن 750 كم من سيناء مقابل إسقاط الديون 

- «الإخوان» عرضوا على أبومازن إقامة دولة فلسطينية على 1000 كم فى سيناء

- إسرائيل طردت 750 ألف لاجئ.. وتحاول إخفاء جريمتها بالبحث لهم عن وطن بديل 

- مصر تدرك أن الموافقة على التهجير هى نهاية «دولة فلسطين» للأبد

- التنمية وحفر الأنفاق للربط مع الوادى أجهض الحلم الصهيونى فى سيناء

قال الدكتور عبدالعليم محمد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لم يغب يومًا عن التفكير الصهيونى، وبدأ منذ محاولات تأسيس الحركة الصهيونية.

واستعرض «محمد»، فى حواره لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على قناة «إكسترا نيوز»، أهم المحاولات الإسرائيلية لتنفيذ هذا المخطط، ومن بينها مشروع «جيورا آيلاند» فى ٢٠٠٥، إلى جانب موافقة نظام جماعة «الإخوان» الإرهابية على مشروع مماثل، خلال فترة حكمها لمصر، حتى جاءت ثورة «٣٠ يونيو» وأجهضت المشروع تمامًا. 

■ ما جذور وخطة تهجير أهل غزة إلى سيناء؟

- الحديث عن تهجير أهالى غزة إلى سيناء لم يكن غائبًا يومًا عن ذهن الصهيونية، وكتاب «سيناء عبر التاريخ» تحدث عن سيناء فى التفكير الصهيونى، والذى بدأ بمحاولات تيودور هرتزل، مؤسس المنظمة الصهيونية، مع السلطان العثمانى عبدالحميد الثانى للحصول على امتياز الاستيطان فى أراضى فلسطين وشراء أراضٍ هناك، وهو ما رفضه السلطان العثمانى.

بعد رفض السلطان عبدالحميد الثانى، توجه «هرتزل» إلى بريطانيا، التى كانت قد ألمحت له بالموافقة على امتياز الاستيطان فى فلسطين عام ١٩٠٤، لتشكل الحركة الصهيونية لجنة من الخبراء فى المياه والجغرافيا والمناخ والنبات والتربة وكل التخصصات، عملت على بحث كل هذه الأمور على الطبيعة، وانتهت فى تقريرها إلى أن هذه الأرض لا تصلح لاستيطان اليهود إلا إذا تم إمدادها بماء النيل عبر أنابيب تمر تحت قناة السويس.

وبناءً على ذلك، اقترحت بريطانيا على الحركة الصهيونية الاستيطان فى سيناء، وقالت لهم: لكى تتم الموافقة على استيطانكم فى سيناء، لا بد أن تحصلوا على الجنسية المصرية، لكنهم رفضوا، لأنهم كانوا يريدون إنشاء «وطن قومى لليهود»، فانتهى الأمر وقتها.

وبعد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، كانت هناك العديد من الكتابات الإسرائيلية النادمة على التفريط فى ثروات ومناجم وبترول سيناء، لدرجة أن إسرائيل قدمت شكاوى للولايات المتحدة الأمريكية حول ذلك، ووعدتها الأخيرة بتزويدها بالبترول فترة معينة حتى تسير الأمور كما لو كانت فى سيناء.

ولذلك كله، يمكن القول إن سيناء دائمًا فى الذهن الصهيونى، ونتذكر جيدًا ما قاله موشيه ديان: «شرم الشيخ بلا سلام أفضل من سلام بلا شرم الشيخ»، فسيناء تحتل مكانة حيوية جدًا عند الصهيونية.

■ ماذا عن خطط إسرائيل بعد عام ١٩٠٤؟

- الأمور تطورت وحصلوا على «وعد بلفور» واستوطنوا فى فلسطين، وأُنشئت الجامعة العبرية والوحدات الإرهابية، وانتهى الأمر بـ«إعلان قيام الدولة الإسرائيلية» فى ١٥ مايو عام ١٩٤٨، وفقًا لقرار التقسيم.

قرار التقسيم كان يقول: «دولة عربية» و«دولة يهودية»، الدولة اليهودية ٥٦٪ والعربية ٤٤٪، والمجتمع الدولى المنافق اهتم بالدولة اليهودية على حساب الدولة الفلسطينية فى قرار التقسيم.

لم تتوقف المحاولات بعدها على الإطلاق، خاصة بعد ظهور المشكلة الكبرى المتمثلة فى اللاجئين الفلسطينيين، الذين بلغ عددهم ٧٥٠ ألف مواطن. فإسرائيل نفذت تطهيرًا عرقيًا بشهادة المؤرخين الإسرائيليين أنفسهم، وطردت ٧٥٠ ألف فلسطينى إلى سوريا والأردن ولبنان، وبعضهم أقام فى مخيمات بالضفة الغربية وغيرها من الأماكن.

وكانت هناك محاولات إسرائيلية صهيونية دائمة لإيجاد حلول لهذه المشكلة، لأنه طالما بقيت ستظل دليلًا دامغًا على الجريمة التى ترتكبها إسرائيل فى حق الفلسطينيين، ولأن المجرم يحاول إخفاء جريمته، تواصلت جرائم الإسرائيليين فى هذا الصدد إلى يومنا هذا، من خلال محاصرة «الأونروا»، وتقليص المساعدات لها، إلى جانب محاولات إسرائيلية أمريكية لقصر صفة اللاجئ على جيل واحد من الفلسطينيين، وهو جيل الأجداد لعام ١٩٤٨.

■ ما أهم أفكار ومشروعات توطين هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين؟

- بدأت الأفكار تظهر منذ عام ١٩٤٩، خاصة مع ظهور قرار مهم للأمم المتحدة حمل رقم «١٩٤»، والذى نص على «حق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى أرضهم»، والعودة حق قانونى لا يسقط بالتقادم، حتى لو مرت عليه مئات السنين.

توالت بعد ذلك المشروعات والاقتراحات بشأن اللاجئين، ومنها «مشروع أيزنهاور» ١٩٥٣، الذى كان مغلفًا بغلاف سياسى هو «محاربة الشيوعية»، بينما كان يستهدف توطين ودمج اللاجئين، وفى الوقت نفسه محاربة «الشيوعية» والاتحاد السوفيتى، لكن رفُض بشكل كامل، خاصة مع وجود معارضة شديدة له، لدرجة تنظيم مظاهرة فلسطينية فى غزة ضده، امتد طولها إلى ٧ كم.

وظلت هناك مقاربات ومشروعات عديدة بعدها، بعضها دولى والآخر أممى، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، وهذه المشروعات كلها كانت ظاهريًا مرجعيتها قرارات الأمم المتحدة، لكن عمليًا منحازة للتوطين والدمج، سواء فى الأردن أو سيناء.

■ متى ظهرت قصة توطين الفلسطينيين فى سيناء لأول مرة؟

- قصة توطين الفلسطينيين فى سيناء ظهرت لأول مرة عام ١٩٤٩.

■ ماذا عن مشروع «جيورا آيلاند» بعد ٢٠٠٥؟

- مشروع أو وثيقة «جيورا آيلاند» كان وقت تولى أرئيل شارون رئاسة الوزراء الإسرائيلية، وكان يقوم مباشرة على تخلى مصر عن مساحة تقترب من ٧٥٠ كم مربع، بواقع مستطيل فى سيناء، ضلعه بطول ٣٠ كم من الشمال يمتد على ساحل البحر الأبيض المتوسط، والضلع الآخر ٢٤ كم من كرم أبوسالم بموازاة الحدود المصرية الإسرائيلية، وذلك مقابل تنازل إسرائيل عن مساحة أقل نسبيًا فى صحراء «النقب»، حوالى ٧٢٠ كم أو أقل.

وكان من ضمن بنود هذا المشروع إسقاط ديون مصر، ومنحها منحًا مالية تُقدر بمليارات الدولارات، لكن الدولة المصرية رفضت هذه الخطة بشكل قاطع.

كما أن جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، عرض تنازل مصر عن مساحة من سيناء، مقابل إسقاط الديون ومنح اقتصادية، وحصل على موافقة بذلك من الولايات المتحدة وبريطانيا ودولة أوروبية أخرى، و«النظام الإخوانى» وافق.

الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبومازن» كشف عن تفاصيل هذه الخطة أمام المجلس الوطنى الفلسطينى، فى ٢ مايو ٢٠١٨، وقال إن «الرئيس الأسبق محمد مرسى، عندما زرته فى مصر، عرض علىّ اقتطاع ١٠٠٠ كم مربع من سيناء، وإقامة دولة فلسطينية مؤقتة فيها، لحين حل القضية الفلسطينية بشكل كامل»، لكن «أبومازن» رفض هذا المقترح، و«٣٠ يونيو» أنقذت مصر منه بشكل نهائى.

■ كيف ترى الرفض المصرى لمخطط التوطين فى سيناء باعتباره تصفية للقضية الفلسطينية؟

- فى ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، هناك ما يُعرف بـ«خطة الحسم»، قدمها وزير المالية الإسرائيلى رئيس حزب «الصهيونية الدينية» عام ٢٠١٧، وتقوم على مبدأ «دولة يهودية من النهر إلى البحر».

وقال الوزير الإسرائيلى آنذاك، فى عرضه لهذه الخطة، إن «إسرائيل لم تحسم القضية الفلسطينية طول عقود، وارتكبت الخطأ الأكبر المتمثل فى تغذية التطلعات الوطنية للشعب الفلسطينى فى الحصول على دولة، لذا آن الأوان لتصفية القضية الفلسطينية، عبر ضم الضفة الغربية والاستيطان، وفى نفس الوقت طرح بدائل يعيش فيها الفلسطينيون، حتى يعيش اليهود فى دولة من النهر إلى البحر، ومن لا يقبل عليه الرحيل».

وكل ممارسات الحكومة الإسرائيلية من ديسمبر الماضى إلى هذه اللحظة تأتى فى إطار تنفيذ هذا المخطط، عبر «تطفيش» الفلسطينيين من خلال الاعتداءات على جنين ورام الله.

لذا، فإن مصر عندما ترفض التهجير، تعلم جيدًا أنه اللبنة الأولى فى تصفية القضية الفلسطينية، وأنه لو سمحت بترحيل أهالى غزة إلى سيناء سيسمح الأردن باستقبال أهالى الضفة الغربية على أراضيه، وبالتالى سنصل لمرحلة عدم وجود دولة تسمى فلسطين.

والقضية الفلسطينية فى بؤرة الاهتمام المصرى دائمًا، فى كل العهود والنظم السياسية، بداية من العصر الملكى، فعلى الرغم من وجود كتابات تاريخية تقول إن الملك فاروق دخل «حرب ٤٨» لتفادى مشكلات أخرى، لكن هذه الحرب كانت من أجل فلسطين، وكانت هناك حركة تطوعية للدفاع عن فلسطين، واستمر هذا الدور إلى وقتنا الحالى.

■ كيف ترى موقف الشارع المصرى من القضية الفلسطينية؟

- يمكن القول إن القضية الفلسطينية تشبه العقيدة بالنسبة للمصريين، وهى قضية مصيرية لمصر والأمة العربية، وجزء من الأمن القومى المصرى، لذا يتفق الموقف الرسمى مع الموقف الشعبى فى دعم القضية دائمًا.

وينظر المصريون إلى القضية الفلسطينية من ناحية المظلومية التى وقعت على الشعب الفلسطينى، وكيف أن العالم كله تواطأ ضد الشعب الفلسطينى، وأقام هذا الكيان الغريب المسمى إسرائيل، وانحاز انحيازًا أعمى إليه، ليدفع الفلسطينيون بذلك ثمن معاداة السامية واضطهاد اليهود، الذى لم تعرفه المجتمعات العربية طوال تاريخها.

فما تعرض له اليهود فى أزمنة سابقة وفى أماكن أخرى، يريد العالم أن يدفع العرب ثمنه، فى حين أن اليهود عاشوا بيننا كأى مواطنين عاديين، فى الأندلس ومصر والعراق، فلم يعرف المصريون مثلًا أن داود حسنى كان يهوديًا، إلا عندما هاجر إلى إسرائيل.

اليهود ظلوا يعيشون فى سلام وكأى مواطنين فى دولنا حتى ظهرت إسرائيل، فتحولت العلاقة إلى عداء، خاصة بعدما بدأت الصهيونية آنذاك حملات مثل «بساط الريح» لحمل اليهود على الهجرة إلى فلسطين.

■ كيف ترى تعامل مصر مع الأزمة الأخيرة التى بدأت بعملية «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر وتلاها رد فعل وحشى وعنيف من قِبل إسرائيل؟

- التعامل المصرى الرسمى تضمن إدانة رد الفعل الإسرائيلى المبالغ فيه، والذى تجاوز حد الدفاع عن النفس، فما حدث لا يعتبر دفاعًا عن النفس، بل هو جريمة إبادة جماعية، وكان ذلك بالتزامن مع تقديم كل سبل الدعم للشعب الفلسطينى، والتأكيد على ضرورة بقائهم على أرضهم، لأن أى انتقال لهم يعنى تصفية للقضية ككل.

وتزامن الموقف الرسمى المصرى مع موقف شعبى مماثل، تمثل فى دعم الشعب الفلسطينى من خلال حملة التبرعات بالدم فى كل محافظات الجمهورية، بالإضافة إلى قوافل المساعدات من قِبل المجتمع المدنى، رغم قصف إسرائيل الجانب الفلسطينى من معبر رفح لمنع دخول هذه المساعدات.

كما تطالب مصر بصفة مستمرة بهدنة إنسانية، ورفضت السماح بعبور المواطنين الأجانب من معبر رفح قبل السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

■ ما تقييمك للأداء الإعلامى الغربى والدولى فى نقل أحداث غزة؟

- كنا نقول إن الإعلام الدولى منحاز لإسرائيل، لكنه هذه المرة تجاوز فى أدائه مرحلة الانحياز إلى أن يكون فى خندق واحد مع إسرائيل.. كنا نردد أن «إسرائيل محمية أمريكية»، وأنها تكاد تكون «ولاية أمريكية»، و«مش ناقص إلا أنهم يزودوا العلم الأمريكى نجمة»، ولم نتبين حقيقة هذه المسألة بقدر ما تبيناه هذه الأيام. 

ولا ننسى تحريك الأساطيل وحاملات الطائرات الأمريكية، ومنح إسرائيل الضوء الأخضر لفعل ما تشاء فى شعب غزة الأعزل، كما لو كانت الولايات المتحدة تدافع عن إحدى ولاياتها.

كل ذلك دفع الإعلام الأمريكى للانحياز إلى إسرائيل، وسار وراءه بالتبعية الإعلام الغربى، وكان من مشاهد ذلك الرواية الكاذبة التى روجتها إحدى المراسلات الصحفيات الغربيات عن إقدام «حماس» على ذبح أطفال إسرائيليين.

ورغم تراجع وزارة الخارجية الإسرائيلية عن هذه الرواية والتشكيك فيها، قائلة: «لسنا متأكدين منها بعد»، ظل الرئيس الأمريكى جو بايدن ووزير خارجيته ومسئولون أمريكيون آخرون يرددونها، حتى بعد التشكيك فيها، وبعد تصريح المراسلة نفسها لقناة هندية بأنها «سمعت لكنها لم تر شيئًا».

وهدف هذه الروايات هو وصم النضال الفلسطينى بالإرهاب، ومساواته بـ«داعش»، ونزع الجانب الأخلاقى منه، مع تشبيه هذا النضال أيضًا بما حدث فى ١١ سبتمبر ٢٠٠١، حتى ينال اهتمام وتعاطف الأمريكيين والغرب، والإيحاء لهم بأن «إسرائيل تعرضت إلى ١١ سبتمبر جديدة».

وجاء ذلك رغم الفارق الكبير بين «١١ سبتمبر» وما فعلته «حماس»، فالأول عمل إرهابى لعدم وجود قضية، لكن الثانى جاء رد فعل على كل ما ارتكبه الاحتلال، والمماطلة الدولية فى تطبيق حل الدولتين المطروح منذ ٤٠ عامًا وأكثر.

كما أن الشعب الفلسطينى يعيش ظروفًا صعبة جدًا، سواء فى غزة أو الضفة، من حواجز وتفتيش وهجوم مستوطنين ومصادرة أراضٍ وزيادة استيطان وقتل واعتقال، حتى إن عدد الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية وصل إلى ٥ آلاف، من بينهم ١٢٠٠ سجين إدارى بلا أى تُهم.

■ ما توقعاتك لمستقبل الخطة الإسرائيلية لاستهداف سيناء؟ وكيف يمكن إيقاف هذا الحلم الصهيونى؟

- الدولة المصرية انتبهت مبكرًا إلى خطر الحلم الصهيونى فى سيناء، حتى قبل التطورات الأخيرة فى غزة، وهو ما ظهر فى إصرارها على حفر أنفاق تربط سيناء بالوادى، واستمرار معركة التنمية فى شبه الجزيرة، بعد تطهيرها من العناصر الإرهابية، من خلال تخصيص قرابة ٧٠٠ مليار جنيه لهذا الهدف.

وحرصت الدولة كذلك على وضع أهالى سيناء على قدم المساواة مع غيرهم من المصريين، إلى جانب بناء مساكن حديثة وتوفير كل الخدمات لهم، والهدف الأساسى ليس التنمية المطلقة، وإنما التنمية التى تحافظ على الأمن القومى. 

وهناك خطة لنقل ٣ ملايين مواطن مصرى إلى سيناء، فى ظل وجود «فراغ سكانى» فى هذه المساحة الكبيرة التى تبلغ ٦٤ ألف كم مربع، ودائمًا ما تكون مغرية، خاصة من قِبل إسرائيل، «اللى بتستكتر علينا أوطاننا وأرضنا»، ولديها تصور بأن هذه «أرض بلا شعب»، ما أدى إلى زيادة الأطماع فيها.

وفيما يتعلق بسيناريو التهجير، هناك رفض مطلق له من قِبل الدولة، وضغط فى اتجاه منع حدوث هذا السيناريو، والثبات على الموقف الحالى، والمضى فيه باستخدام مختلف وسائل الضغط الممكنة، سواء الدبلوماسية أو السياسية، أو حتى التهديد، لأن حدوث هذا السيناريو يعنى أن مصر فى مشكلة كبيرة جدًا.

■ وماذا عن مستقبل القضية الفلسطينية؟

- لن تستطيع إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية، لأنها كانت تراهن على الغلبة العددية فى إعلان «دولة يهودية ديمقراطية»، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، وهناك ٢ مليون فلسطينى داخل إسرائيل، فيما يسمى بـ«الخط الأخضر»، يمثلون ١٨٪ من عدد السكان، إلى جانب ٣ ملايين فلسطينى أو ما يفوق ذلك تحت الاحتلال فى الضفة الغربية، وسكان غزة، علاوة على المتمسكين بحق العودة ولم يتنازلوا حتى الآن، فكل فلسطينى يحمل مفتاح بيته ويسلمه إلى أبنائه جيلًا بعد جيل.

وبالتالى فإن إسرائيل فشلت فى تصفية القضية الفلسطينية، وستفشل مجددًا، خاصة مع فشلها فى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الموجودين خارج فلسطين، ولذا فإن الأركان الأساسية للقضية الفلسطينية قائمة.

وحتى إذا تم القضاء على «حماس»، فإن إسرائيل ستجد منظمات أكثر شراسة فى النضال، الفلسطينيون خرجوا من بيروت، وما إن خرجوا من بيروت بدأت الانتفاضة عام ١٩٨٧، وانتهت بـ«اتفاق أوسلو»، الذى لم يسر وفق الجدول الزمنى المرتب له، حتى جاءت انتفاضة الأقصى.

لم تسفر هذه التطورات عن تغيير الوضع من حصار رام الله والقتل، لكن كل هذا لم يفُت فى عضد الشعب الفلسطينى، وقد كنت أسمع ياسر عرفات- رحمه الله- يقول عن الشعب الفلسطينى: «هذا شعب الجبارين».

إسرائيل استهانت بقدرات الفلسطينيين، لكن تبين لها أن هذه الاستهانة لم تكن فى محلها، وكل المؤسسة الأمنية والعسكرية، والآلة التكنولوجية المعلوماتية الضخمة التى تبيعها إسرائيل للعالم وتسوقها تجاريًا واقتصاديًا، من أجهزة تجسس و«بيجاسوس» وغيره، كلها أثبتت فشلها.

كما أن إسرائيل لم تدرك أن بعض الكوادر الفلسطينية و«الهاكرز» الفلسطينيين اخترقوا البث الإسرائيلى، واخترقوا القمر الصناعى الإسرائيلى، وبالتالى فإن الخصم ليس سهلًا، ولذلك فإن القضية باقية، ومصر دائمًا فى ظهر الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة.

■ ما تفسيرك لاستمرار موقف الشعب المصرى ورفضه التطبيع رغم وجود سلام بين مصر وإسرائيل؟

- الشعب المصرى يرى فى هذا السلام أنه مجرد إنهاء لحالة الحرب حتى إشعار آخر، وما لم تعترف إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى فى دولته، وعاصمتها القدس، سيظل الموقف الاحتجاجى المصرى قائمًا.

الشعب المصرى يرى أن معاهدة السلام مع إسرائيل تعنى انتهاء الحرب مرحليًا، لكنها لا تعنى أن تكون هناك علاقات طبيعية، والتى قد تأتى فى مرحلة ما، لكن بشرط الاعتراف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته، وعدم العدوان على لبنان، وعدم استهداف سيناء.