رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رجل محترم

لا أدعى أننى ملمٌ بكافة تفاصيل ملف «أنطونيو جوتريتش» الأمين العام للأمم المتحدة.. لكن مواقفه الأخيرة تكفى لوصفه بأنه رجل محترم.. هذا الرجل يرى الصراع فى فلسطين عمومًا والموقف فى غزة خصوصًا بعين الإنسانية، هو بالتأكيد لا يشترك مع أهل غزة فى الدين ولا فى اللغة.. لكنه يدافع عنهم لأنهم شركاء له فى الإنسانية.. إن منصب الرجل يعنى أنه يمثل كل شعوب العالم لكنه للأسف يتعرض للهجوم العنيف من إسرائيل لأنه يقول الحق.. فى جلسة مجلس الأمن أول أمس تحدث الرجل حول الوضع فى غزة.. وبالرغم من أنه أدان هجمات حماس ضد المدنيين الإسرائيليين إلا أنه أكمل حديثه قائلًا: إن العالم يجب أن يفهم أن هجمات حماس لم تأت من فراغ! وأضاف أن الشعب الفلسطينى يتعرض للاحتلال المستمر منذ أكثر من ٧٥ عامًا، وأن هذا أوصل الفلسطينيين للانفجار.. وقال الرجل إن القصف الإسرائيلى المستمر أدى لمقتل ثلاثين من موظفى الأمم المتحدة فى غزة! وأنه يشعر بقلق شديد إزاء الانتهاكات الواضحة للقانون الإنسانى الدولى والتى تحدث فى غزة.. واختتم كلامه بأن هجمات حماس لا يمكن أن تبرر العقاب الجماعى للفلسطينيين.. إن ما قاله الرجل كلام منطقى جدًا وعلمى جدًا.. فلا شىء دون سبب، وليس هناك حدث محسوس يحدث فى الفراغ وينتهى إلى الفراغ.

ورغم أن كلمة الرجل اتسمت بتوازن كبير إلا أن إسرائيل فتحت نيرانها ضده وكأنها تخرج «كارت إرهاب» ضد أى مسئول يخرج عن النص الغربى الموالى لإسرائيل لدرجة الانحطاط.. فما أن انتهى الرجل من كلمته حتى طالبه سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة بالاستقالة! وكتب على موقع «إكس» يقول إن أمين عام الأمم المتحدة يبدى تفهمًا لحملة القتل الجماعى للأطفال والنساء وكبار السن! وأنه ليس مؤهلًا لقيادة الأمم المتحدة.. وفى إطار حملة التصعيد الإسرائيلى ضد الرجل ألغى وزير خارجية إسرائيل موعدًا معه.. تصريحات أمين عام الأمم المتحدة جاءت بعد أيام من زيارته لمصر وذهابه لمعبر رفح ليصبح شاهد عيان على تعنت الجانب الإسرائيلى ورفضه لدخول المساعدات الإنسانية التى قدمتها مصر وغيرها، وقيامه بتخريب المعبر من الجانب الفلسطينى عدة مرات حتى لا يصبح دخول المساعدات ممكنًا، ولولا جهود مصر مع الجانب الأمريكى لاستمرت إسرائيل فى الانتقام من الأطفال والمرضى وفى منع الغذاء والدواء عنهم.. لقد اعتبر البعض أن المعلومات التى اطلع عليها الرجل فى القاهرة كانت سببًا فى هذا الموقف الأخلاقى الذى اتخذه من الهجوم الإسرائيلى.. والحقيقة أن خلفية الرجل كانت تؤهله لمثل هذا الموقف، حيث ظل لمدة عشر سنوات مختصًا بملف اللاجئين فى الأمم المتحدة.. ولديه إلمام كبير بملف اللاجئين الفلسطينيين تحديدًا.. وقد كان من مظاهر الجبروت الإسرائيلى أن الرجل الذى يمثل أمم العالم كله يقف عاجزًا عن إدخال المساعدات الإنسانية لشعب يعانى من القصف المستمر لأيام.. والحقيقة أن الأوضاع فى العالم مقلوبة وستستمر مقلوبة لفترة من الزمن.. فبدلًا من أن تنصاع دولة واحدة لقرارات الأمم المتحدة.. نجد أن دولة واحدة تريد أن تعاقب أمين عام الأمم المتحدة وتطرده من منصبه، وبدلًا من أن تبدى إسرائيل احترامها لقواعد القانون الدولى فإنها تريد أن تعاقب من يطالبها بهذا، وبدلًا من أن تنفذ قرار الأمم المتحدة رقم ٤٢٤ والقاضى بانسحابها من الأراضى العربية المحتلة فإنها تساوم وتماطل وتسوف وتكذب منذ ٥٦ عامًا ثم تُحمل غيرها مسئولية أفعالها وإهدارها حقوق الشعب الفلسطينى حتى وصل الوضع للانفجار.. خطورة موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنه يعبر عن من يتضامنون مع فلسطين بعيدًا عن رابطة الدين، والتى تريد إسرائيل أن تصم كل من يتضامنون مع فلسطين لأجلها بالإرهاب.. وبعيدًا عن رابطة العروبة.. وبعيدًا عن رابطة الجوار.. إنه صوت يمثل الإنصاف والنظرة الموضوعية للصراع، ويكشف الوحشية الإسرائيلية المختفية خلف قناع الحضارة.. لهذا يزعج صوته إسرائيل جدًا وتريد إسكاته بأى ثمن.