رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بلينكن - وانج يى» فى واشنطن.. الصين تقود العربة

قد نبالغ فى فهم ما يريد الكاتب والصحفى الأمريكى، توماس فريدمان، عندما نراه يجدد مطالبته للرئيس الأمريكى جو بايدن بالضغط على «إسرائيل» بشأن عدم الوقوع فى فخ الغزو البرى لغزة.
.. ذلك؛ أن المهم فى «ما يمرره فريدمان»، عبر صحيفة نيويورك تايمز، الداعمة للإدارة الأمريكية فى هذه الأزمة أنه قال محذرًا:
«من الممكن أن تتورط الولايات المتحدة وروسيا والصين بشكل مباشر أو غير مباشر».
.. ويبدو جيو سياسيًا وأمنيًا، أن الصين التقطت الإشارات، عندما قال وزير الخارجية الصينى وانج يى إن الصين تدعو إلى عقد مؤتمر سلام دولى أقوى وأوسع نطاقًا وأكثر فاعلية فى أسرع وقت ممكن لدعم استئناف محادثات السلام. 
ومما يتضح، أن السياسة الخارجية الصينية، تريد، التدخل، سياسيًا، فى الصراع بين حماس وإسرائيل، وبالتالى الموقف الأمريكى الداعم العنصرية وتطرف دولة الاحتلال الإسرائيلى فى حربها على غزة والشعب الفلسطينى. 
* «بلينكن - وانج يى» فى واشنطن
.. ينتظر العالم، أوروبا والمنطقة والإقليم، بما فى ذلك دولة الاحتلال الإسرائيلى، ما أكدته الخارجية الأمريكية من أن قمة تجمع وزير الخارجية أنتونى ‎بلينكن ونظيره الصينى وزير الخارجية وانج يى فى ‎واشنطن يوم 26 من الشهر الجارى. 
.. عمليًا، الصين على لسان وزير ‎الخارجية الصينية، لها أجندة مختلفة من قمة الدبلوماسية بين البلدين، وهى ما مهدت له الصين: ندعو لعقد مؤتمر سلام دولى أقوى وأوسع نطاقًا لدعم استئناف محادثات السلام.
.. وفى المؤشرات والتحليل الاستراتيجى، يفهم المجتمع الدولى، أنه فى الوقت الذى، أعلن عن القمة بين بلينكن ووانج يى، ما زالت الإدارة الأمريكية، تنقل عن مسئولين أن: ‎واشنطن قلقة من أن دولة الاحتلال الإسرائيلى ليست مستعدة بعد لشن غزو برى بخطة قابلة للنجاح، على اعتبار أن ما يجرى من مجازر ودمار وتهجير وقتل للشعب الفلسطينى مجرد مسرحية فى مراحل البروفات. 

* المؤشرات الصينية 
فى ذات الأزمة، يبدو أن المجتمع الدولى والأمم المتحدة تنظر إلى الحراك الدبلوماسى الصينى من زوايا عدة، فالمبعوث الخاص للحكومة الصينية إلى الشرق الأوسط، تشاى جون، وضع المنطقة، الدول العربية والإسلامية، فى أجندته «الأسبوع المقبل»، ضمن مؤشرات سياسية واضحه من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلى.. ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية مع توقيف الخطط إسرائيلية الصهيونية، التى أُعدت للعمل العسكرى المصاعد، خطة غزو برى، مع تهجير قسرى، ومجازر تتجاوز حقائق الواقع، إلى أزمة قد تمتد نارها إلى كل الدول فى المنطقة. 
.. وفى الواقع، الصين حللت عديد الجهود العربية، بالذات من الأردن ومصر وقطر والسعودية، بطريقة جيوسياسية، ربطتها بما قيل عن أن الولايات المتحدة نصحت حكومة نتنياهو المتطرف وجوقة الحرب، التى يعمل عليها المسئولون الإسرائيليون المتطرفون، وفحوى النصائح بأن تأخير الهجوم البرى سيمنح الإدارة الأمريكية والبنتاجون المزيد من الوقت للعمل مع الوسطاء الإقليميين، من أجل إطلاق سراح المزيد من الرهائن، وفقًا لمسئول أمريكى، كأن الحرب على غزة باتت معلقة بأزمة رهائن لا مجازر، وهذا التضليل السياسى والإعلامى الكاذب تعلم تفاصيله الصين، وتعرف أسرار تلك الحشود من الدبابات والقوات البرية الإسرائيلية على حدود غزة، خطابات وزير الدفاع الصهيونى يوآف جالانت من القوات التى غزت قطاع غزة وتهدد المنطقة نحو نكبة إنسانية وأزمة أمنية وانهيار اقتصادى، لأن مواصلة الاستعداد للهجوم اليهودى، حسب جيش الحرب الصهيونى «لأنه سيأتى» وإنه، حسب جالانت، سيكون هجومًا مشتركًا من الجو والبر والبحر، لكنه لم يذكر إطارًا زمنيًا. 
.. وفى المؤشرات الصينية، تلك الأخبار عن قناة «سى سى تى فى» الصينية، من إن تشاى يزور الشرق الأوسط والمنطقة للتنسيق مع مختلف الأطراف من أجل وقف إطلاق النار وحماية المدنيين وإنعاش الوضع وتعزيز محادثات السلام.
.. تشاى، يتبادل تقديرات مهمة عن أن «احتمال توسيع نطاق (النزاع) وامتداده إلى الخارج أمر مقلق جدًا للصين والمجتمع الدولى».
.. وزير الخارجية الصينى وانج يى، فى قمته مع بلينكن، سيعيد ما كانت الدبلوماسية الصينية ركزت عليه فى خطابه مع جهود الولايات المتحدة، وهى دعوة تقوم على إمكانية: لعب دور بناء ومسئول فى النزاع، وحض على عقد اجتماع سلام دولى فى أقرب وقت ممكن لتعزيز التوصل إلى توافق واسع النطاق. 
.. وفى أهم المؤشرات الصينية، ما لفتت إليه الدول الأوروبية والولايات المتحدة، أن الدبلوماسية الرسمية لم تتضمن فى بياناتها مواقفها «البيانات المساعى الرسمية الصينية» أى ذكر لحركة المقاومة الإسلامية حماس فى إداناتها للعنف، ما عرضها لانتقادات شديدة، من الغرب.
 
* المواقف فى مجلس الأمن والأمم المتحدة
يصطدم وزير الخارجية الصينى فى زيارته الى الولايات المتحدة مع الضغوط الأمريكية التى تمارسها منذ بداية الحرب على غزة فى مجلس الأمن، والتى أخذت أدورها بطرق سرية ودبلوماسية صدامية، ما أدى إلى اعتراضات ومحاورات والتى اشترك فيها الخصوم والحلفاء والأصدقاء، وهى ما تعلق منها مصطلحات مثل: «إرهاب حماس» واقتران ذلك بتجاهل تاريخ القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطينى، وعقود طويلة فى معالجة النزاع الفلسطينى، مع دولة الاحتلال. 
.. بالطبع الصين تتابع كيف استطاعت مع كل من الإمارات العربية المتحدة روسيا والصين وسويسرا ومالطا الإجراء السرى الذى وضعته الولايات المتحدة ضمن أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن على مشروع قرارها المعدل لمجلس الأمن فى شأن الحرب فى غزة، فظهرت مواقف الدول، التى لا تقبل المقترح الأمريكى، وفق صيغته الراهنة التى تريد فرض القرار ضمن رؤية سياسية، وأن الأمر يجب أن يكون: مع ما يحصل بوصفه نتيجة حصرية للهجوم «الإرهابى»، حسب نص المقترح الأمريكى، الذى نفذته «حماس» ضد إسرائيل فى 7 أكتوبر الجارى، بينما تريد مجموعة عديدة من الدول وضعه فى سياق حقيقة النزاع الفلسطينى - الإسرائيلى المتواصل منذ أكثر من ٧٥ عامًا. 
.. تفهم الصين، وهى تقود جهودها فى المنطقة والعالم، أن هذا الخلاف الأممى أن مجلس الأمن لا يزال بعيدًا عن إمكان التوصل إلى توافق معقول على التفاوض حول مشروع قرار، يمكن أن تضعه الولايات المتحدة بالحبر الأزرق للتصويت عليه فى القريب العاجل، لا سيما أن الدبلوماسيين الروس والصينيين طلبوا مزيدًا من الوقت، من أجل التشاور مع دول العالم والمنطقة المعنية بالقضية، قبل طلب أى تعديلات قد تؤدى إلى إحباط المساعى الاممية.

* الصين لن تمرر المقترح الأمريكى 
.. فى التصورات المستقبلية لطبيعة مداولات بلينكن مع وزير خارجية الصين، تلك الإفصاحات والوثائق التى مررتها الولايات المتحدة، ضمن حلولها لأزمة الحرب على غزة، وطريقة تكييف «مشروع القرار الأمريكى المعدل»، استنادًا إلى الأعراف والمواثيق الدولية التى شاعت فى سياق الحرب على الإرهاب، حسب تسريبات دبلوماسية قالت إن ديباجة القرار تصر على أن: مجلس الأمن إذ يشير إلى قراراته فى شأن مكافحة الإرهاب، وضد اختطاف المدنيين واحتجازهم رهائن من المنظمات الإرهابية؛ وإذ يعبر عن قلقه العميق إزاء حالات التمييز والتعصب والتطرف مع العنف،.. وصولًا إلى:
وإذ يؤكد من جديد أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل أحد أخطر التهديدات التى يتعرض لها السلم والأمن الدوليان.
علمًا بأن النص الأمريكى المعدل أضاف عبارات للتعبير عن القلق البالغ من تدهور الوضع فى المنطقة، مع التأكيد على «ضرورة حماية جميع السكان المدنيين، بمَن فيهم الإسرائيليون والفلسطينيون».
.. ويبدو، أن الخلاف على صياغة القرار، ممارسة سياسية أمنية تريدها الإدارة الأمريكية، بخلاف رغبة الصين، وغير دولة، بالإشارة إلى ما تشير إليه الديباجة، بشكل خطير ضد ثوابت الصين، والمجتمع الدولى المؤيد لحقوق الشعب الفلسطينى، فالمشروع ينص: على «إبداء رغبة» مجلس الأمن فى: ألا يتم التوصل إلى نهاية دائمة للنزاع الإسرائيلى - الفلسطينى إلا بالوسائل السلمية، مع إضافة فقرة تفيد بأن «حماس» وغيرها من الجماعات الإرهابية فى غزة لا تدافع عن كرامة الشعب الفلسطينى أو تقرير مصيره، وهذا سيجعل القرار من دول المجلس قد يمنعه فيتو، وهذا أمر تحاول الصين العمل عليه مع الجانب الأمريكى، وهو الأمر الذى يضع خلافات الصين والولايات المتحدة فى مواجهة جديدة، وأكثر وضوحًا، فيما قد تقود الأطراف الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلى، قرار الاستمرار فى الحرب، دون رادع أو قوة من المجتمع الدولى.

* العودة إلى فريدمان 
حذر الكاتب توماس فريدمان الرئيس الأمريكى بايدن فى مقالات عدة من السماح لإسرائيل بشن هجوم برى على غزة، مطالبًا بايدن بالضغط على «إسرائيل» بشأن عدم الوقوع فى فخ الغزو البرى.
وكتب بعنوان «إسرائيل على وشك ارتكاب خطأ فادح»، قال إنه من خلال كل ما استقاه من كبار المسئولين الأميركيين، فشل بايدن فى إقناع «إسرائيل» بالتراجع والتفكير فى جميع الآثار المترتبة على غزو غزة، بالنسبة إلى «إسرائيل» والولايات المتحدة.
.. وأنه «إذا اندفعت إسرائيل الآن إلى غزة لتدمير حماس، فسوف ترتكب خطأً فادحًا»، أن ذلك سيكون مدمرًا للمصالح الإسرائيلية والمصالح الأمريكية، مضيفًا أنه قد يؤدى ذلك إلى إشعال حريق عالمى وتفجير هيكل التحالف المؤيد لأمريكا بالكامل. 
وفى الإشارات الدولية، ما لفت اليه، أشار: أن الأمر لا يتعلق بما إذا كان لـ«إسرائيل الحق فى الانتقام من حماس، بل يتعلق الأمر بالطريقة التى لا تصب فى مصلحة حماس وإيران وروسيا»، لافتًا إلى أنه «لن يكون هناك من يستطيع انتشال إسرائيل». 
.. يبدو أن الصين أخذت تحرك قوتها الكامنة، لكى تقود الحصان، لا أن تكون خلف العربة.