رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المسيحى الصهيونى والقضية الفلسطينية

لا شك أن العملية التى قامت بها المقاومة الفلسطينية فى ٧ أكتوبر ضد إسرائيل كانت مفاجئة للجميع. ودليل نتائجها السلبية على إسرائيل وسمعتها العسكرية. قد شاهدنا ذلك التحرك غير المسبوق من أمريكا والدول الأوروبية ذات التاريخ الاستعماري. شاهدنا ذلك الحشد السياسى والعسكري لصالح إسرائيل. فمنذ اللحظة الأولى كانت حاملات الطائرات والأسلحة والذخائر والجنود الأمريكان. ناهيك عن وصول الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته ورئيس الوزراء البريطانى ووزير خارجيته وبالمثل المستشار الألمانى، إضافة إلى الحملة الإعلامية والمعلومات الكاذبة التى لم يتورع بايدن عن إطلاقها مثل قطع الفلسطينيين رقاب الأطفال وأن الذى ضرب مستشفى المعمدانى هم الفصائل الفلسطينية. كما نرى ذلك التعنت فى عدم إصدار قرار من مجلس الأمن بالتهدئة لتوصيل المستلزمات الحياتية، وهذا يؤكد الإصرار على عملية إبادة بشرية وليس دفاعًا عن النفس. نعم هناك مصالح استراتيجية لأمريكا والغرب فى إنشاء تلك الدولة الاحتلالية. حماية لمصالحهم فى المنطقة خاصة للموقع الاستراتيجى ولوجود البترول والمواد الخام، إضافة للصراع الأمريكى السوفيتى الصينى فى المنطقة. وبالطبع فوجود إسرائيل كقوة عسكرية نووية فهذا لكى يظل تهديد الأنظمة العربية قائمًا طوال الوقت. أما على مستوى التصريحات التى أخذت منحنى دينيًا وجدنا بايدن يقول «ليس بالضرورة أن يكون الصهيونى يهوديًا فأنا مسيحى وصهيونى» كما قال «إذا لم تكن هناك إسرائيل لاخترعناها حماية للمصالح الأمريكية». إضافة لقول وزير الخارجية الأمريكى «أنا جئت إسرائيل يهودى وليس كوزير خارجية». فإذا كان الحشد العسكرى والسياسى لحماية مصالحهم فى المنطقة واضحًا. فما هى حكاية تلك التصريحات الدينية؟ وما هو المسيحى الصهيونى الذى أعلن عنه بفخر بايدن؟  «المسيحي الصهيونى» فهذه مقولة جاءت نتيجة لاستغلال الحركة الصهيونية إنشاء إسرائيل فى المنطقة على أسس توراتية بمقولات ونبوءات فى التوراة تم تحققها. مثل مقولة أنهم «شعب الله المختار» و«أن فلسطين هى أرض الميعاد التى وعد الله بها إبراهيم» والأهم تلك العقيدة اليهودية السياسية التى تقول بالمجىء الثانى. فما هى تلك العقيدة؟ بداية لا بد من توضيح فإن كل ما جاء بالعهد القديم «التوراة» كان نبوءات بمجىء المسيح حسب العقيدة المسيحية وبالطبع فبعد تحقيق النبوءة لن يعد لترديدها والحديث عنها مبرر. أما أسطورة المجىء الثانى التى اخترعوها استنادًا لمقولات تاريخية توراتية. تقول إن المسيح سيأتى ثانيًا لكى يحكم العالم لألف عام حكمًا سياسيًا دنيويًا لكى يخلص العالم ويصبح العالم يهوديًا. ولن يأتى المسيح إلا بإتمام إعادة بناء الهيكل الذى أقيم عليه المسجد الأقصى. هنا يقولون لا بد للمسيحى أن يولد ثانيًا وهذه الولادة لا تتم بغير إيمانه بذلك المجىء الثانى ولذا وجب على المسيحى الصهيونى أن يساعد ويساهم للتعجيل بهذا المجىء. فلابد أن يؤمن ويساعد إسرائيل فى إقامة تلك الدولة على أرض الميعاد لأنهم شعب الله المختار. وذلك لكى يتمكنوا من إعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى. وقد كانت جذور تلك العقيدة عند هجرة البروتستانت البروتانيون «المطهرون» إلى أمريكا بعد الصراع الكاثوليكي البروتستانتي. هؤلاء المطهرون أسسوا النظام الأمريكى الحالى الذى يلزم الرئيس أن يكون بروتستانتى اجلو ساكسونى «أبيض». وفى ظل هذا المناخ السياسى ظهر اليمين الأمريكى الذى تبنى عقيدة للولادة الثانية فى عهد ريجان وتم ربط الصهيونية بالأساطير الدينية، حيث إن هذه النبوءات قد تمت. الأهم أن هذه العقيدة قد تم ربطها بالمصالح الاستعمارية بتسخير الدينى لصالح السياسى. مع العلم أن الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية وأغلب المذاهب الإنجيلية لا تؤمن بهذه العقيدة. لماذا؟ إنهم يؤمنون أن هذه النبوءات قد تحققت وأن حكاية شعب الله المختار وأرض الموعد كانت مشروطة بقبول اليهود للرسل والأنبياء ولما رفضوا ذلك فقد سقط الوعد وأصبح الشعب المختار هو الذى يؤمن بمجىء السيد المسيح وأنه يحكم الآن الألف عام «يوم عند الله كألف عام وعام كألف يوم» فهذا تعبير مجازى. كما أن حكم السيد المسيح حكم روحى وليس سياسيًا «مملكتى ليست من هذا العالم».
أما إعادة بناء الهيكل فقد تم هدم الهيكل وإعادة بنائه ثلاث مرات. فقد تم هدم الهيكل عام ٥٨٧ قبل الميلاد على يد نبوخذ نصر ملك بابل وتم سبيهم. وأعيد البناء عام ٥١٥ قبل الميلاد. وهدم ثانيًا عام ١٧٠ قبل الميلاد. وقد تم إعادة بنائه على يد هيرودس عام ٧٠ قبل الميلاد.  والهدم للمرة الثالثة كان على يد الرومان، حيث قال السيد المسيح «اوروشليم ياوروشاليم ياقاتلت الأنبياء وراجمت المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع بنيكى كما تجمع الدجاجة فراخها وأنت لم تريدى فليترك بيتكم خرابا». 
هنا لقد تمت تحقيق هذه النبوءات ولكن الخلط بين السياسى والدينى جعل بعض المسيحيين يؤمنون خطأ وضد العقيدة المسيحية بهذه الخرافات. أخيرًا نقول إن القيم الدينية والإنسانية لا تتجزأ. فهل مسيحيتكم لها علاقة بالمسيحية التى تدعو للسلام وأنتم ضد أى سلام؟ كما أن أى شعب محتل ويمارس ضده كل صنوف العذاب على مدار الساعة فمن حقه وعلى كل المستويات الدينية والأخلاقية والإنسانية والقانونية أن يدافع عن حقه وأن يسترد وطنه وأن يعيش فى سلام. وهذه قيم الإنسانية وحقائق التاريخ. حفظ الله مصر وشعبها العظيم من تلك المؤامرات الخبيثة.