رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناريوهات الاجتياح البري الإسرائيلى لقطاع غزة

جريدة الدستور

لا حديث الآن فى العالم سوى عما يحدث فى غزة والأراضى المحتلة، وتجهيز إسرائيل لغزو القطاع المحاصر بريًا، بعد عدوانها الغاشم عليه، والذى كان أقسى مشاهده قصف مستشفى «المعمدانى»، الثلاثاء الماضى.

وأعلن الجيش الإسرائيلى، الأسبوع الماضى، عن أنه يجرى «الاستعدادات الأخيرة» للدخول البرى إلى قطاع غزة، فى جولة جديدة من جولات الحرب الأخيرة بين تل أبيب وحركة «حماس».

وفاجأت «حماس» العالم بهجوم شامل على البلدات الواقعة فى محيط غلاف غزة، برًا وبحرًا وجوًا، يوم ٧ أكتوبر الجارى، أسفر عن قتل ١٣٠٠ إسرائيلى، وخطف قرابة ٢٢٠ آخرين، فى سابقة أولى من نوعها.

وشنت إسرائيل فى المقابل عملية عسكرية عنيفة، قتلت خلالها آلاف الفلسطينيين، كان جُلهم من الأطفال والنساء، إلى جانب تدمير معظم البنى التحتية فى القطاع، ومنع الماء والكهرباء والغذاء عن ساكنيه، وإجبار أكثر من ٦٠٠ ألف فلسطينى على مغادرة منازلهم، وفقًا للأمم المتحدة.

ورغم عدم إعلان الجيش الإسرائيلى رسميًا عن دخول قواته إلى قطاع غزة، لكن الاستعدادات الجارية تُرجح بقوة خيار العملية البرية، التى ستكون الأكبر من نوعها منذ حرب لبنان الثانية فى ٢٠٠٦، وفق تقارير إسرائيلية.

فى السطور التالية، نستعرض أهم السيناريوهات المرجحة لتنفيذ هذه العملية، والأهداف الرئيسية لها، والتحديات التى تواجهها، وتفاصيل أخرى من واقع تقارير وتحليلات لوسائل إعلام ومحللين فى إسرائيل.

استدعاء مئات الآلاف من جنود الاحتياط.. وإنشاء «مراكز لوجستية» استعدادًا للتنفيذ

توعد رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضى، بـ«القضاء على حركة حماس» فى قطاع غزة، قائلًا فى بيان: «اليوم جميعنا نفهم بأننا نحارب للدفاع عن البيت، بيتنا جميعًا» معتبرًا أن «الجنود ورجال الشرطة وقوات الأمن، والأطباء والمنقذين ومواطنى إسرائيل، جميعهم مجندون».

وقبل هذا الخطاب بيوم واحد أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلى عن أن قوات إسرائيلية نفذت «توغلات برية» فى قطاع غزة، بهدف «جمع معلومات استخباراتية تساعد فى تحديد مواقع البنية التحتية للمسلحين والرهائن».

وأعلن جيش الاحتلال، كذلك، عن استعداده لـ«توسيع نطاق هجماته فى غزة»، بما فى ذلك الاستعداد لـ«عملية برية»، وسط عمل قواته بالفعل على تعبئة الموارد لتنفيذ خطط عملياتية واسعة.

واعتبر مراقبون أن تهديد «نتنياهو»، وهذه التوغلات المحدودة والاستعدادات التى تجرى على قدم وساق، خاصة من قبل الجيش الإسرائيلى و«الشاباك»، كلها تمهيد لـ«اجتياح برى».

وفيما يتعلق بطريقة التنفيذ، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى: «قواتنا تستعد لتنفيذ مجموعة واسعة من الخطط العملياتية الهجومية التى تشمل عملية متكاملة ومنسقة من الجو والبحر والبر، من بين أمور أخرى»، مشيرًا إلى أن ذلك يأتى «مدعومًا بجهود لوجستية واسعة النطاق، وبعد تجنيد مئات الآلاف من الجنود الاحتياطيين».

وأضاف متحدث جيش الاحتلال: «الذراع البرية وقسم التكنولوجيا واللوجستيات تعمل الآن على إعداد قوات الجيش الإسرائيلى لتوسيع القتال»، متابعًا: «وفى إطار الاستعداد اللوجستى، أنشأنا مراكز لوجستية بهدف السماح للقوات المقاتلة بتجهيز نفسها بسرعة وبطريقة تتكيف مع احتياجاتها».

وحسب تقارير عبرية، شهدت الأيام القليلة الماضية «نقل الأدوات اللازمة للقتال إلى أماكن تمركز القوات، إلى جانب عمل مختلف وحدات قسم التكنولوجيا واللوجستيات على استكمال تأهيل الأدوات وتجهيز الجيش ومعداته بوسائل قتالية متطورة حسب الحاجة، بهدف التوغل بريًا فى قطاع غزة».

كما أنه وفقًا لتقارير عبرية أخرى عن «خطة الدخول»، من المتوقع أن «تُصعّد إسرائيل ضرباتها من الجو، حتى يكون الدخول البرى أسرع، دون دفع ثمن كبير وخسارات فى صفوف القوات».

وبينت هذه التقارير أن هدف الضربات الجوية سيكون «التشويش على أنظمة الدفاع والسيطرة التابعة لحركة حماس، ومساعدة الاستخبارات الإسرائيلية فى تحديد أماكن قادتها واستهدافهم».

العملية تستهدف استعادة ثقة الإسرائيليين فى الجيش وردع إيران

قياسًا بالثمن الضخم الذى ستدفعه إسرائيل إذا قررت حقًا الاجتياح البرى لقطاع غزة، يجب أن تكون أهداف هذا الاجتياح واضحة، والقدرة على تحقيقها مؤكدة، وإلا سيكون الأمر مجرد مغامرة عسكرية غير محسوبة.

لذا حدد محللون عسكريون إسرائيليون مجموعة من الأهداف رأوا ضرورة أن يعمل جيش الاحتلال على تحقيقها من الاجتياح البرى، على رأسها تحقيق «أهداف استراتيجية»، بما يعنى «إنجازات عسكرية كبيرة».

ويرى هؤلاء المحللون أن حروب غزة السابقة أثبتت أنه لا يمكن تحقيق «إنجازات عسكرية كبيرة» بواسطة الضربات الجوية فقط، وأنه لا يوجد بديل من احتلال الأرض للسيطرة على حركة الدخول والخروج منها.

لكن حتى تلك اللحظة لا يزال المراقبون فى إسرائيل يعتقدون أن سيناريو تحرير المخطوفين الذين أسرتهم حركة «حماس» بعملية عسكرية وقتال برى «غير معقول»، لكن «السيطرة على أرصدة حيوية لحماس، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال عملية برية، يمكن أن تستخدم كورقة مقايضة فى المفاوضات مع الحركة».

الهدف الثانى من العملية البرية «معنوى»، عبر رفع الروح المعنوية للإسرائيليين الذين أصيبوا بصدمة بسبب هجوم «حماس»، ومحاولة إعادة ثقتهم وشعورهم بالأمن الذى فقدوه جراء الهجوم، فالإسرائيليون أصبحوا فى حاجة إلى «رؤية استعادة القدرات القتالية البرية للجيش، والقضاء على (حماس) والانتقام منها»، وفق المحللين الإسرائيليين.

أما الهدف الثالث- والحديث ما زال للمحللين الإسرائيليين- فيتعلق بالردع، خاصة الردع الإسرائيلى لكلٍ من إيران و«حزب الله» والفلسطينيين فى الضفة الغربية، فعلى الرغم من أن جيش الاحتلال الإسرائيلى كثّف هجماته الجوية على غزة بصورة كبيرة، لكن الاكتفاء بالضربات الجوية، مهما كانت قوية، سيبدو ردًا ضعيفًا، فى نظر أعداء إسرائيل، ويمكن أن يدفعهم إلى الانضمام إلى الحرب ضدها فى لحظة ما.

التراجع وارد بسبب موقف مصر والخوف من «حزب الله» والغضب العالمى

بعدما أظهرت دول العالم الغربى تعاطفًا مع إسرائيل عند هجوم السابع من أكتوبر، وفى الأيام الأولى لعدوانها على غزة، قللت صور الدمار الذى ألحقته الغارات الجوية بمستشفى «المعمدانى» ما يمكن وصفه بـ«محاولة شرعنة» الاجتياح البرى الإسرائيلى لغزة.

ولا يزال «الثمن البشرى» لعملية برية باهظًا، فبالإضافة إلى التحديات التى تواجهها إسرائيل جراء القتال فى أراضٍ هى الأكثر كثافة سكانية فى العالم، يمكن الافتراض أيضًا بأن «حماس» مستعدة لمواجهة مثل هذه العملية، وأنها أعدّت «الاستقبال الملائم» للقوات الإسرائيلية، من تحت وفوق الأرض.

وتواجه إسرائيل معضلة أخرى مع مصر، فبينما تحاول إسرائيل إظهار أن طلبها من سكان شمال قطاع غزة الانتقال إلى الجنوب، عبر ممرات إنسانية، يتلاءم مع القانون الدولى، واجهت هذه الدعوة رفضًا قاطعًا من الدولة المصرية.

ويضع هذا الرفض إسرائيل فى مأزق بشأن قوة الضربات التى ستنفذها فى ظل وجود مدنيين، بعد رفضهم الانتقال إلى الجنوب.

ومن المعضلات الأخرى أمام تنفيذ العملية البرية، المخاوف الإسرائيلية من إمكانية أن تتسب فى مزيد من «توحيد القوات» بين «حزب الله» والفلسطينيين، خاصة مع تأييد «حزب الله» تحركات للفلسطينيين ومنحه إياها التغطية اللازمة، من خلال مشاركته فى القتال المباشر، على فترات. 

ورغم أن «حزب الله» يترك معظم القتال للفلسطينيين الذين ينشطون من لبنان، وعلى رأسهم «الجهاد الإسلامى» و«حماس»، ولا يشارك بشكل موسع وصريح فى الحرب، لكنه فى الوقت نفسه يراقب عن كثب جاهزية القوات البرية ومنظومات الدفاع الجوى التى نشرها جيش الاحتلال على الحدود.

وقد يغيّر «حزب الله» وإيران رأيهما فى أى لحظة، ويقرران المشاركة العسكرية الموسعة فى الحرب، إذا ما قررت إسرائيل الاجتياح البرى لقطاع غزة، والذى يمكن أن يشكل نقطة تحوّل، يدخل عندها الجانبان المعركة بشكل كامل.

وفى كل الأحوال، يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلى لما يعتبره السيناريو الأسوأ، والذى يتمثل فى نشوب حرب على جبهتين، فى قطاع غزة وعلى الحدود مع لبنان، بالتزامن مع إمكانية تنفيذ عمليات فى الضفة الغربية.

ومع كل هذه التحديات التى تواجه تنفيذ العملية، لا تزال مسألة تراجع إسرائيل عن الاجتياح البرى لقطاع غزة واردة، خاصة أن إلغاء الخطة واستبدالها بأخرى سمة ميّزت إسرائيل بشكل دائم فى العقود الأخيرة، وتحديدًا عندما يتعلق الأمر بقطاع غزة