رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أطباء قطاع غزة المحاصر من وسط القصف: لن نستسلم حتى لو كان الثمن حياتنا (خاص)

القضية الفلسطينية
القضية الفلسطينية

فى الوقت الذى يشهد فيه قطاع غزة الفلسطينى حرب إبادة جماعية على يد الاحتلال الإسرائيلى، منذ عملية «طوفان الأقصى» التى نفذتها حركة «حماس» الفلسطينية فى يوم ٧ أكتوبر الجارى، تحولت مستشفيات القطاع إلى مأوى للضحايا والمصابين من الفلسطينيين، الذين يتوافدون عليها بالآلاف يوميًا، ما يفوق قدراتها على رعايتهم، خاصة بعدما عمل الاحتلال على حرمان القطاع من الوقود والمياه والكهرباء والمواد الطبية وكل ما يمكن أن يمنح لأهالى القطاع أملًا فى النجاة. ولم تتوقف جرائم الاحتلال فى القطاع عند ذلك، بل امتدت لتشمل الاعتداء على الطواقم الطبية واستهداف المنشآت الصحية وسيارات الإسعاف فى غزة، فى جريمة تخالف كل القوانين والأعراف الدولية. تواصلت «الدستور» مع عدد من الأطباء والمسعفين والممرضين العاملين فى قطاع غزة، الذين أوضحوا حجم المعاناة غير المسبوقة لأهالى القطاع، فى ظل الجرائم المستمرة من قوات الاحتلال.

أحمد رياض: الاحتلال يستهدفنا لزيادة الشهداء ولا يمكن وصف مشاهد القتل لبشاعتها 

«مش عارف شو أقول.. الوضع جدًا كارثى.. الاحتلال يقصف المواطنين بشكل عام، ولكنه يستهدف الأطباء والممرضين والمسعفين على وجه الخصوص، لكى يعجزوا عن إنقاذ المصابين وتزداد أعداد الشهداء فى صفوفنا».

بهذه الكلمات، بدأ أحمد رياض، طبيب الطوارئ بمجمع ناصر الطبى بقطاع غزة، حديثه لـ«الدستور»، فى الدقائق المعدودة التى تمكن فيها من التواصل معنا عبر شبكة الإنترنت، قبيل انقطاع الاتصال مجددًا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلى، التى تحرص على حرمان أهالى قطاع غزة من كل الخدمات والمرافق، لتزيد من معاناتهم الإنسانية.

وقال طبيب الطوارئ إن مجمع ناصر الطبى بالقطاع استقبل أعدادًا كبيرة جدًا من النازحين، الذين فروا إلى الجنوب، بعد المنشورات التى ألقاها جيش الاحتلال على أهالى القطاع؛ ليدعوهم فيها إلى النزوح جنوبًا إذا أرادوا الأمان، مؤكدًا أن الاحتلال كعادته لم يلتزم بكلمته، بل فاجأ المدنيين أثناء النزوح بوابل من الرصاصات والقصف الشديد عليهم، ما جعلهم يذهبون إلى الجنوب إما جثثًا هامدة أو مصابين بإصابات بالغة الخطورة جعلتهم بين الحياة والموت.

وأشار إلى أن القصف الإسرائيلى على المدنيين جعل أعدادًا ضخمًا من المصابين يتوافدون على المجمع بشكل يفوق قدرته على استقبالهم ويزيد كثيرًا على أعداد الأسرّة والإمكانات الطبية المتاحة به، إضافة إلى قيام الاحتلال بقطع التيار الكهربى عن المنشآت الطبية، ما تسبب فى توقف الأجهزة التى يحتاجها المرضى لإسعافهم، ما زاد كثيرًا من أعداد الشهداء. وأوضح «أحمد» أنه يعيش فى منزل به ٧ عائلات، ولا يعلم مصيره حتى الآن، مشيرًا إلى أنه يتوقع الشهادة فى كل لحظة، ويدعو الله أن يثبته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومقاومة ما يراه من مشاهد بشعة للمصابين والقتلى، خاصة من الأطفال والنساء، الذين يسقطون فى كل ثانية بسبب القصف الإسرائيلى. وأضاف أنه يحاول كل فترة تعود فيها شبكة الإنترنت أن ينشر بعض الكلمات التى يذكر فيها شيئًا من حقيقة ما يحدث، لأن نشر حقيقة المشهد كاملة غير ممكن من فرط هولها وبشاعتها. 

حسام قواش: أترك زوجتى وابنتى لمصيرهما ورأيت 70 شهيدًا يسقطون دفعة واحدة

أكد حسام قواش، المسعف والممرض بمجمع ناصر الطبى بقطاع غزة، أنه يخاطر يوميًا بحياته وحياة أسرته كاملة، ويترك زوجته وابنته ليذهب إلى مقر عمله بالمجمع، لأداء رسالته فى إسعاف المصابين وتقديم الخدمات الطبية لهم، خاصة أن مدير المجمع أعلن عن استقبال ٣٥ ألف نازح فيه، بين مصاب وشهيد. وقال: «هذا وقتنا، ولن نستسلم حتى لو كان الثمن حياتنا»، مشيرًا إلى أنه لا يخشى على حياته ولكنه يبكى كثيرًا عندما يتذكر ابنته، ويتخيل ما قد يكون مؤلمًا من مصيره ومصيرها، مضيفًا: «صورتها لا تفارق خيالى». وأوضح أنه يبيت يوميًا فى المجمع الطبى ويعمل بدوام كامل ولا يذوق طعم النوم تقريبًا، ليؤدى دوره وسط الأعداد الهائلة التى يشاهدها من جثث الشهداء، التى امتلأ بها المجمع، وكذلك حالات الإصابات التى لا تُحصى، وتتزايد فى كل لحظة، وسط نقص كبير فى الأطقم الطبية، من أطباء وممرضين ومسعفين، ومشاهد مرعبة نفسيًا وعصبيًا وجسمانيًا. وأضاف: «رأيت بعينى أكثر من ٧٠ شهيدًا سقطوا دفعة واحدة من جراء القصف، وكلهم كانوا من النازحين جنوبًا إلى المجمع، بعد دعوات جيش الاحتلال، فى مشهد تقشعر له الأبدان»، لافتًا إلى أن الصدمة التى تعرض لها جعلته غير قادر حتى على البكاء من هول الموقف.

محمد أبوسلمية: الصهاينة يصرون على قتل المصابين

قال الدكتور محمد أبوسلمية، المدير الطبى لمجمع الشفاء، إن الاحتلال الإسرائيلى يقصف كل المواطنين فى غزة حتى الأطباء والمسعفين، وكذلك مسئولو الرعاية الأولية، ولم يتركهم يؤدون وظائفهم لإنقاذ وإسعاف المرضى، مشيرًا إلى أنه وقع حتى الآن عدد من الشهداء فى صفوف الأطباء وغيرهم الكثير فى المسعفين ومسئولى الرعاية الأولية. وأوضح «أبوسلمية» أن العدو الصهيونى يصر على قتل المصابين ويستهدف ذوى الأطباء وعائلاتهم، قائلًا إنه رأى مشاهد مأساوية، إذ يفاجأ الأطباء بذويهم شهداء داخل المستشفيات التى يعملون بها، بمعنى أن الطبيب والممرض يستقبل أباه وأخاه وابنه وزوجته شهداء أو جرحى داخل المستشفى وهو على رأس عمله، وهو شعور لا يمكن وصفه من شدة الألم الذى يسببه. وأضاف أنه ووسط كل هذه الضغوط النفسية والجسدية لم يذهب الأطباء إلى منازلهم منذ بداية القصف الذى تخطى يومه الثانى عشر إلى الآن، بل يقيمون داخل المستشفيات ويعملون على قدم وساق وسط أصوات القصف والقنابل.

طبيب يقطع مكالمته مع «الدستور»: الانفجارات تدوى فى كل مكان.. سلام

«لا أستطيع التحدث إلا لثوانٍ».. قالها أحد أطباء الطوارئ بمستشفى الشفاء، الذى رفض التصريح باسمه، لافتًا إلى وجود مراقبات وتجسس على هواتف المواطنين والأطباء ورصدها من قبل قوات الاحتلال، ما يسهل الوصول لهم، وبالتالى يزيد ويسرع من الخطورة عليهم، مؤكدًا أن الاحتلال يستهدف المناطق المزدحمة بالسكان.

وأوضح الطبيب أن الاحتلال قطع كل الخدمات على المواطنين الفلسطينيين، ومنها الاتصالات، ولا يعيدها سوى دقائق معدودة فقط خلال اليوم، مشيرًا إلى أنه يرسل الرسالة عبر الشبكة لأسرته لتصل بعد أكثر من ساعتين، وهو ما يجعله لا يمكنه التواصل بسهولة مع زوجته وبناته اللاتى تركهن عند أهل زوجته ولا يعلم مصيرهن ولا مصيره.

وأضاف: «لا توجد لدينا كهرباء، ونعمل بالمولدات»، موضحًا أن قوات الاحتلال قد قطعت الكهرباء على قطاع غزة أيضًا ولم ترحم المستشفيات التى يوجد فيها آلاف المرضى والمصابين الذين يعيشون على الأجهزة الطبية ويحتاجون إلى التيار الكهربائى حتى لا يفقدوا أرواحهم. وأشار إلى أن ذلك جعل آلاف المرضى يموتون أمام عينيه بسبب عدم قدرة تحمل المولدات على تشغيل الأجهزة الطبية لهم خاصة مع أعدادهم الضخمة. وأكد أن الوضع فى كل لحظة ينذره بأنه سيكون الشهيد القادم، بعد أن رأى بعينيه سقوط أعداد كبيرة من زملائه قتلى أمام عينيه وهو عاجز عن مساعدتهم ومداواتهم، كما رأى أشلاء البعض منهم تتناثر هنا وهناك. وتابع أنه أمام كل ذلك ليس أمامه سوى التماسك وأداء رسالته حتى آخر نفس فى روحه، ولكنه أوضح أن المأساة، التى لا يتمناها على الإطلاق، ما رأه مع عدد من زملائه الأطباء، حين تفاجأوا بأن الشهداء الذين دخلوا غرف المستشفيات ثم الثلاجات إنما هم ذووهم وأبناؤهم. وبكلمات مفاجئة، أنهى الطبيب كلماته، قائلًا: «أكلمك الآن وصوت الانفجارت يدوى فى كل مكان»، ثم وبعدما توقف لحظات، يعود قائلًا: «سوف أقطع معك الاتصال.. سلام.. الوضع خطير».. وإلى هنا انقطع اتصالنا مع الطبيب وإلى هذه اللحظات لم يعد، ولم نعلم ماذا كان مصيره من تلك الانفجارات.