رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشعب والقيادة إيد واحدة

بينما أتابع الأحداث إذا بإحدى إذاعاتنا تبث قصيدة حافظ إبراهيم "مصر تتحدث عن نفسها " و إذا بصوت كوكب الشرق يشدو على لسان مصر قائلا :
  نحن نجتاز موقفا تعثر الآراء فيه و عثرة الرأي تردي
 فقفوا فيه وقفة الحزم و ارسوا جانبيه بعزمة المستعد
بعدها بدقائق تابعت كلمة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤكدا خلالها في مؤتمره الصحفي - عقب استقباله للمستشار الألماني-  عدم استعداد مصر قيادة و شعبا للتنازل عن شبر واحد من أراضيها داخل حدود سيناء أو خارجها ، في موقف جاء ممثلا لشموخ دولتنا الوطنية ، و مستلهما بطولات العسكرية المصرية .. بدا الرئيس متحدثا بكل ثبات ومفوضا من ملايين المصريين - داخل حدود الوطن و خارجه - و واثقا في خطواته و متيقنا من رغبة شعبه و مواقف مواطنيه. و هنا تيقنت أن رئيس جمهوريتنا يتحدث بهذا الحسم واقفا وقفة الحزم و دون عثرة رأي ملبيا لنداء الوطن و مستجيبا لضمير أمته . 
    أكد الرئيس هذا الموقف الوطني الثابت ليفهم كل متغطرس أن حلول القضايا الإقليمية الشائكة لن تكون على حساب مصر ، و أننا لسنا في موقف يقبل النقاش حول واحد من ثوابتنا الوطنية و هو حفظ الأرض تماما كما نحمي العرض . أثبت الرئيس بموقفه الشامخ أن ليست لدينا أية نية بالتفريط في ذرة رمال واحدة من أراضينا التي لم نطمع يوما في غيرها ، تلك التي لم نترك شبرا منها تحت وصاية غيرنا دون أن نبذل من أجله المال و الدم و الأرواح . فكم من النساء ترملن و صرن ثكالى ، و كم من الأطفال نشأوا يتامى  بعد أن ارتقى آباءهم شهداء في سبيل تحرير تراب الوطن المقدس .
    وقفة جريئة و إن كانت متوقعة ، كما لم يساورني أدنى شك من أن الشعب المصري الواعي و المدرك لحقيقة الأمور و المتفاعل مع الأحداث الجارية حوله سيبدي استجابة فورية و تفاعلا لحظيا مع الموقف الرئاسي ليتسق القرار الرسمي مع نظيره الشعبي . ذلك هو الذي أبداه المواطن المصري بمجرد استشعاره بأبعاد تلك المؤامرة التي تسعى قوى إقليمية و دولية لفرضها تظاهرا بحل القضية الفلسطينية و استغلالا لتعاطف المصريين معها .
   لقد فات هؤلاء و أولئك أن الشعب المصري كان تاريخيا هو الشعب الأكثر تضحية من أجل القضية الفلسطينية . فمصر التي جادت من أجل فلسطين بأرواح 100 ألف شهيد من خيرة شبابها ، فعاش آباؤهم و أمهاتهم بعدهم بين فرحة الشهادة لأبنائهم الذين سبقوهم إلى الفردوس ، و الحزن الطبيعي على ولدهم الذي انتقل في ريعان شبابه . أما الأبناء الذين عاشوا عمرهم يتامى تربيهم أمهاتهم الأرامل في ذروة شبابهن ، فقد تغذوا على حكايات البطولة التي رواها لهم الأهل عن الأب الذي ضحى بروحه فداء لتراب الوطن .  بينما عاش بيننا أكثر من 200 ألف جريح بين مبتور طرفه أو فاقد بصره قربانا لقضية العرب الأولى . 
  لاشك عندي أنه ما من مصري سيبدي اليوم أي اعتراض أو موقف يخالف ما بذله الآباء و الأجداد من قبل ، و هذا ما أبداه المواطنون المصريون سريعا على المستوى الشعبي و ربما تزداد وتيرته في الأيام بل في الساعات القادمة . فنقابة الصحفيين عادت لتفتح أبوابها لتكون ضميرا حيا يترجم ما يشعر به المواطن و يعيد صياغة رغبات الشارع في صورة بيانات و مواقف . و هؤلاء هم المواطنون في عدد من المحافظات يقفون في كل ميادين مصر -شمالها  و جنوبها - دعما لموقف القيادة السياسية .
       وعلى المستوى الحزبي بدأت الأحزاب في إبداء موقف واضح تأييدا للموقف الرسمي للحكومة المصرية ، ففي يوم كهذا ليس هناك مؤيد و معارض ، فالكل مجند لخدمة الوطن و مساند لقيادته الوطنية . و برلمانيا كان موقف النواب و الشيوخ المصريين مشرفا إلى أقصى حد و مساندا للموقف الرسمي للدولة المصرية . و على مستوى العمل الأهلي وجدنا دعما للدولة ممثلا في بيانات مؤسسات مثل الاتحاد العام للجمعيات و المؤسسات الأهلية ، نادي قضاة مصر ،و المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام . و كذلك فعلت تنسيقية شباب الأحزاب بوقفة تأييد و مناصرة لمؤسسة الرئاسة . أما بين الرياضيين فقد بادر اتحاد الكرة لإبداء الدعم و المساندة ، كما لم يتأخر النادي الأهلي – و موضوعيا نتحدث بعيدا عن أي انتماء رياضي - عن تأكيد كونه ناديا وطنيا منذ لحظة التأسيس - قبل أكثر من قرن مضى ، إذ أوقف بث قناته تضامنا مع الشعب الفلسطيني ، و خصّص دخل مباراته الإفريقية القادمة لصالح ضحايا العدوان على غزة . 
     الشاهد ، أنه ما من مصري سيتأخر عن دعم الموقف الرسمي الوطني و العروبي لقيادته ، و كما قال السيد الرئيس إن الأمم تصمد بشعبها و قيادتها، و إنا - إن شاء الله – لفاعلون . نحن نوقن أن موقف القيادة المصرية ليس هدفه حماية التراب الوطني فقط ، و لكنه يهدف أيضا إلى عدم تصفية القضية الفلسطينية بتشتيت شعبها بين سيناء أو الأردن ، فالأمر سيتمثل في مجرد نقل فكرة المقاومة من أرض فلسطين إلى الأراضي المصرية و الأردنية . و قد حسم السيد الرئيس الجدل بموقف مصري واضح فسيناء لن تكون سوى للمصريين دون غيرهم ، هذا موقف ليس محل تفاوض أو طرح أو نقاش .
   كما لم تتأخر قياداتنا الدينية – إسلامية أو مسيحية – عن مساندة القيادة السياسية إذ وجّه الأزهر الشريف نداء للأمة الإسلامية أن تستثمر قوتها وأموالها وتقف بهما خلف فلسطين وشعبها . وخلال عظته الأسبوعية أيد قداسة البابا تواضروس ما أعلنه السيد الرئيس من أن تفريغ القضية الفلسطينية بإزاحة وجود الفلسطينيين إلى سيناء أمر مرفوض جملة و تفصيلا ، فلو حدث ذلك الأمر فسيكون تكرارا للمشهد الذي حدث سنة 1948 حين ترك الفلسطينيون ممتلكاتهم و بيوتهم و تسبب فيما هم فيه اليوم.

وهكذا جاء ضمير الوطن بكل طوائفه و فئاته ليقف كتفا بكتف داعما للقيادة السياسية و مؤيدا للسيد الرئيس في موقفه الوطني و العروبي قائلا له : سر في طريقك يا سيادة الرئيس و خلفك أكثر من مائة مليون مصري على أتم استعداد لتلبية أوامركم لتنفيذ أي قرار ترونه في صالح صون سيادة الوطن و حماية أراضيه . نحن خلفكم يا سيادة الرئيس سنبقى على العهد ما حيينا و حتى آخر نفس فينا ، و كلنا ثقة أنكم ستحافظون على كل شبر من أرض مصر ، مهما لوّحوا بضغوطات أو أغروا برفع مديونيات فقد علمّتكم المؤسسة العسكرية الوطنية أن هناك أشياء لا تقبل المساومة أبرزها الأرض و العرض ، و إنا خلفكم ماضون.