رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليسوا بشرًا

مجزرة بشعة جديدة ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلى، بضربة جوية، استهدفت المستشفى الأهلى العربى المعمدانى فى حى الزيتون بمدينة غزة، وأسفرت عن استشهاد المئات وإصابة أعداد كبيرة من الطواقم الطبية والمرضى، والمواطنين، الذين لجأوا إلى المستشفى بعد تدمير منازلهم، أو اضطروا إلى إخلائها قسريًا، بأوامر سلطات الاحتلال. وبالتزامن، أعلنت وكالة «الأونروا»، عن استشهاد ٦ فلسطينيين، على الأقل، فى غارة إسرائيلية أخرى على مدرسة تابعة لها فى مخيم المغازى بوسط غزة.

تضاربت روايات السفاحين، المنتسبين زورًا إلى البشر، بشأن جريمة قصف المستشفى، غير أن عيون عدد كبير من المراسلين الميدانيين وشهود العيان، والفيديوهات التى صورت لحظة قصف المستشفى، وزنة الرأس المتفجر، وزاوية سقوط القذيفة، وحجم الدمار الذى خلفته، أكدوا أن الاستهداف كان بقصف جوى من طائرة حربية، يشبه ذلك القصف الذى تعرضت له المنازل والأبراج فى قطاع غزة. وهذا ما أكدته، أيضًا، «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين»، الأونروا، بشأن جريمة قصف المدرسة التابعة لها، التى جعلتها تقطع بأن غزة لم يعد بها مكان آمن، ولا حتى منشآت الأونروا. 

ربما يكون مجلس الأمن قد اجتمع، قبل قراءتك هذه السطور، بدعوة من الإمارات وروسيا، لمناقشة هذه التطورات، أو البشاعات. غير أن الاجتماع، ككل الاجتماعات السابقة، سيكون بلا جدوى أو «زى قلّته»، لو لم يقم المجلس، المسئول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، بتحميل القوة القائمة بالاحتلال، كل نتائج جرائمها، وممارسة الضغط اللازم عليها، لوقف عدوانها وفك حصارها المفروض على الفلسطينيين.

بأشد العبارات، أدانت دولتنا، الدولة المصرية، «هذا القصف المتعمد لمنشآت وأهداف مدنية»، ووصفته، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، بأنه يُعد انتهاكًا خطيرًا لأحكام القانون الدولى والإنسانى، ولأبسط قيم الإنسانية، مطالبة إسرائيل بالوقف الفورى لسياسات العقاب الجماعى ضد أهالى قطاع غزة. وبأشد العبارات، أيضًا، أدان الرئيس عبدالفتاح السيسى، هذا القصف المتعمد، وباسمنا جميعًا، أكد موقف مصر، قيادة وحكومة وشعبًا، الرافض لاستمرار هذه الممارسات ضد المدنيين، مطالبًا بوقفها بشكل فورى. كما قام بالتنسيق مع ملك الأردن والرئيس الفلسطينى، بإلغاء القمة الرباعية، التى كان مقررًا انعقادها فى العاصمة الأردنية عمّان بين القادة الثلاثة، والرئيس الأمريكى جو بايدن، الذى ذهب، أمس الأربعاء، إلى إسرائيل، ليشرب من دم الضحايا، ويأكل ما تبقى من لحمهم، ويضع بقايا سمعة بلاده فى الوحل.

أكثر من ثلاثة آلاف ومائتى شهيد فلسطينى، قتلهم القصف الإسرائيلى المستمر، منذ السابع من أكتوبر الجارى، الذى أصاب أيضًا ١١ ألفًا، وأدى إلى تسوية أحياء مأهولة من قطاع غزة بالأرض، وأجبر نحو نصف سكان القطاع البالغ عددهم ٢.٣ مليون نسمة على ترك منازلهم، بل إن الأماكن التى حددها جيش الاحتلال، وطالب سكان بعض المناطق بإخلاء منازلهم والتوجه إليها، بزعم أنها آمنة، تم قصفها أيضًا!

فوق ذلك كله، فرضت سلطات الاحتلال حصارًا شاملًا على القطاع، ومنعت، ولا تزال، دخول الغذاء والوقود والإمدادات الطبية، وتقف قواتها ودباباتها على الحدود استعدادًا لاقتحام برى متوقع. وعليه، نرى أن الجرائم الإسرائيلية المتتالية، والمستمرة، التى تجاوزت كل الحدود، ستجر المنطقة إلى كارثة غير مأمونة العواقب، لو لم يتدخل المجتمع الدولى ويضع حدًا لهذه الجرائم، ويحاسب دولة الاحتلال، وشركاءها فى ارتكابها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التى وفرت لها الغطاء السياسى والدعم العسكرى، وجاء قصف المستشفى ومدرسة الأونروا، بعد ساعات قليلة من إعلان وزارة دفاعها، البنتاجون، عن وضع حوالى ٢٠٠٠ جندى أمريكى فى حالة تأهب، تحسبًا لانتشار محتمل فى الشرق الأوسط، دعمًا لإسرائيل!

.. وأخيرًا، نتمنى أن تكون «آلياتنا العربية توثق جرائم الحرب» الإسرائيلية أو الأمريكية، فعلًا، كما كتب أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، على «تويتر»، ونتعشم ألا يفلت المجرمون بأفعالهم، كما أفلتوا من جرائم الاستيطان والضم، والتهجير القسرى، والعدوان على المدن والقرى والمخيمات، وقتل المدنيين والصحفيين والأطباء والمسعفين والأطفال والنساء، و... و... وعشرات المجازر السابقة.