رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل الرئيس السيسى إلى العالم

نظرت الغالبية، في مصر ومنطقتنا العربية، باستهانة إلى الرغبة الإسرائيلية الجامحة في التوسع، وأحلامها بدولة تمتد من النيل إلى الفرات، إلا أن رجلًا ظل حاملًا الأمر على محمل الجِد، وأدرك أن إسرائيل تحاول ذلك دومًا، لكنها تتحين الفرصة المناسبة، وأن عملية حماس العسكرية في المستوطنات الإسرائيلية، يوم السابع من أكتوبر الحالي، ربما أعطت إسرائيل الفرصة التي تنتظر، فراحت تضرب بيد عمياء قطاع غزة، غير فاصلة بين حمساويين ومدنيين عُزَّل، بين بيت مُسالم ومدرسة، أو حتى مستشفى، كالمعمداني الذي ضربته بالأمس، في تجاوز واضح لكل القيم الإنسانية، وتحد للقوانين والإعراف الدولية، حتى أحالت كيانات القطاع إلى رماد، في مشهد أشبه ما يكون بهيروشيما ونجازاكي في اليابان، في أعقاب إلقاء الولايات المتحدة الأمريكية بقنبلتين نوويتين على هاتين المدينتين.. ثم راحت تدفع سكان قطاع غزة للهجرة نحو الجنوب، باتجاه الحدود مع مصر، وأخذت تُضيَّق الخناق عليهم، بقطع المياه والكهرباء وإمدادات الطاقة، وحتى الإنترنت، وطلب بعض متحدثي الجيش الإسرائيلي الغزاويين إلى دخول سيناء، إذا كانوا ينشدون الأمان.. وما الهدف من وراء ذلك إلا تفريغ قطاع غزة من أهله، يليه، بعد ذلك، إفراغ الضفة الغربية باتجاه الأردن.. وبذلك تستولى إسرائيل على كامل أراضي الدولة الفلسطينية، يدعمها في ذلك دول تخلت عن شرفها الإنساني والسياسي، وراحت تقلب الحقائق.
من هنا، انتهزها الرئيس عبدالفتاح السيسي فرصة سانحة، خلال مؤتمره الصحفي أمس مع المستشار الألماني أولاف شولتس، ليعلنها على الملأ، وعلى مسمع ومرأي من العالم، أنه يفهم مرامي وأهداف قادة إسرائيل، وأن مصر واعية لذلك تمامًا، (أكدت أن تصفية القضية الفلسطينية أمر في غاية الخطورة، لأن مصر ترى أن ما يحدث في غزة الآن، ليس فقط الحرص على توجيه عمل عسكري ضد حماس، إنما هو محاولة لدفع السكان المدنيين إلى اللجوء والهجرة إلى مصر.. وهنا أتحدث بمنتهى الصراحة، إلى كل من يهمه السلام في المنطقة، وتبيان أن هذا مرفوض من الجميع، وليس في مصر وحدها).. لماذا؟.
لأن مصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية، أو محاولة تهجير الفلسطينيين قسريًا من أرضهم، أو أن يأتي ذلك على حساب دول المنطقة، وستظل مصر على موقفها الدائم من الحق الفلسطيني المشروع في أرضه، ونضال الشعب الفلسطيني.. ففكرة نزوح أو تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى مصر، ومثله أيضًا، فكرة تهجير أهل الضفة إلى الأردن، معناه أن فكرة الدولة الفلسطينية التي نتحدث عنها، ومعنا المجتمع الدولي كله، تصبح غير قابلة للتنفيذ، لأنه أصبحت هناك أرض، وشعب لم يعد موجودًا، وهذا أمر خطير للغاية.
كان الرئيس السيسي واضحًا عندما كشف أوراق إسرائيل على الملأ، وأمام المستشار الألماني، وأبان أن نقل المواطنين من القطاع إلى سيناء، هو نقل لفكرة المقاومة والقتال، من قطاع غزة إلى سيناء، وبالتالي ستصبح سيناء قاعدة لانطلاق العمليات ضد إسرائيل، وفي هذه الحالة، يصبح من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها وعن أمنها القومي، وفي إطار رد فعلها، ستتعامل مع مصر على أنها المعتدي، وتقوم بتوجيه ضربات للأراضي المصرية، و(مصر دولة كبيرة وذات سيادة، حرصت خلال السنوات الماضية، ومنذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، على أن يكون هذا المسار خيارًا استراتيجيًا، نحرص عليه وننميه، ونسعى إلى أن يكون هذا المسار داعمًا لدول أخرى للانضمام إليه.. حرصت مصر على السلام بإخلاص، وبالتالي، فنحن نحتاج أن نسهم جميعًا في الاستثمار الكبير الذي أنجزناه في هذا السلام، وأن لا يتم تبديده، بفكرة غير قابلة للتنفيذ).
وإذا كان سلام أهل غزة من المدنيين مسئولية عربية، فهى بالأخص من صميم مسئولية إسرائيل، كما تنص القوانين الدولية المتعارف عليها في الأراضي الخاضعة للاحتلال.. فقطاع غزة الآن تحت سيطرة الدولة الإسرائيلية، وخلال السنوات الماضية ـ ودعونا نحن نقول ذلك ـ لم تنجح إسرائيل في السيطرة والحيلولة دون بناء قدرات عسكرية للجماعات والفصائل في فلسطين.. وهنا نتساءل: ما الذي أوصل الأمور إلى هذا الحد؟.. هل كانت هناك دولة فلسطينية خلال الـعشرين والثلاثين عامًا الماضية ونجحنا في خروجها إلى النور؟.. رغم المبادرات المختلفة والقوانين التي صدرت عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وبالرغم من المبادرات العربية التي دعت إلى قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح.. ونكرر (قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح)، وتم طرح وجود قوات أممية أو من الناتو، أو قوات عربية، تضمن أمن واستقرار المواطن والشعب الإسرائيلي، وأمن المواطن والشعب الفلسطيني.. لكن هذا لم يحدث، (لكن أن نأتي اليوم لنجتزئ ما يحدث الآن في فلسطين ونترك معرفة أسبابه).. نحن لا نبرر أي عمل يستهدف مدنيًا، أي مدني، لكننا نريد، ونحن نتحدث عن قضية القضايا في منطقتنا بالكامل، ولها تأثير كبير جدًا على الأمن والاستقرار، أن ندرك أن هناك رأيًا عامًا وإسلاميًا داعمًا بشدة لهذه القضية، ويتابع عن كثب ما يحدث فيها.
وفي العلن، كما حرص الرئيس السيسي، أطلق القنبلة التي تُحرِج إسرائيل ومن وراءها، وتأتي بالقول الفصل في القضية المُختلف عليها، حينما قال، (إذا كانت هناك فكرة للتهجير، توجد صحراء النقب في إسرائيل، يمكن نقل الفلسطينيين إليها، حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها المُعلنة في تصفية الجماعات المسلحة في غزة، ثم تُعيدهم إلى ديارهم مرة أخرى، إذا شاءت).. خصوصًا أن العملية العسكرية الإسرائيلية يمكن أن تستمر لسنوات، إلى جانب أنها عملية فضفاضة زمنيًا، سيتم التحجج فيها دومًا بعدم الانتهاء من المهمة، وتتحمل مصر تبعات هذا الأمر، وتتحول سيناء إلى قاعدة إنطلاق لعمليات ضد إسرائيل، ونتحمل نحن ـ في مصرـ مسئولية ذلك، ويتلاشى السلام الذي سعينا من أجله من بين إيدينا، في إطار فكرة، تهدف بالأساس إلى تصفية القضية الفلسطينية.
وكانت المفاجأة، التي أراد الرئيس السيسي أن يؤكد من خلالها، أنه ليس وحده من يرفض تصفية القضية الفلسطينية، بل وراءه شعب يرى مثل ما يرى، وأنه مؤتمن على إرادة هذا الشعب، كما هو مؤتمن على الشعب الشقيق في غزة، (مصر بها مائة وخمسة ملايين إنسان، والرأي العام المصري، والرأي العام العربي يتأثر بعضه بالبعض الآخر، وإذا استدعى الأمر أن يخرج الشعب المصري للتعبير عن رفض هذه الفكرة، فسيرى العالم ملايين من المصريين، يخرجون للتعبير عن رفض هذه الفكرة، ودعم الموقف المصري في هذا الشأن).
●● وبعد..
فقد وصف الرئيس السيسي ما حدث في المستشفى المعمداني بأنه (قصف)، على عكس ما ذهب إليه شولتس، وبقية الدول الغربية، حتى الرئيس الأمريكي جو بايدن، من أنه (انفجار) مختلف حول أسبابه، عندما قال الرئيس، (اسمحوا لي في البداية، أن أعرب عن بالغ الأسى والألم، وأتقدم بخالص التعازي في ضحايا القصف الوحشي للمستشفى الأهلي المعمداني، وأؤكد أدانة مصر لكافة الأعمال العسكرية التي تستهدف المدنيين، بالمخالفة والانتهاك الصريح لكافة القوانين الدولية، وأشدد على رفض جميع الممارسات المتعمدة ضد المدنيين، وأطالب المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لوقفها.. كما حذر من أن استمرار العمليات العسكرية الحالية، ستكون له تداعيات أمنية إنسانية، يمكن أن تخرج عن السيطرة، بل وتنذر بخطورة توسيع رقعة الصراع، في حالة عدم تضافر جهود كافة الأطراف الدولية والإقليمية، للوقف الفوري للتصعيد الحالي، وأكد ضرورة التعامل مع القضية الفلسطينية بمنظور شامل ومتكامل، يضمن حقوق الفلسطينيين، بإقامة دولتهم المستقلة على حدود ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، في نفس الوقت الذي أكد فيه على إصرار مصر على إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، (أكدت مجددًا، استمرار مصر في استقبال المساعدات الإنسانية، والتزامها بنقل تلك المساعدات لقطاع غزة، عن طريق معبر رفح البري، لدى سماح الأوضاع بذلك، أخذًا في الاعتبار، أن مصر لم تقم بإغلاقه منذ اندلاع الأزمة، إلا أن التطورات على الأرض، وتكرار القصف الإسرائيلي للجانب الفلسطيني من المعبر حال دون عمله).. مشيرًا إلى عقد القمة التي دعت لها مصر، لبحث تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية وعملية السلام، وأكد أهمية أن تسفر القمة عن مخرجات تسهم في وقف التصعيد الجاري، حقنًا لدماء المدنيين، وللتعامل مع الوضع الإنساني الآخذ في التدهور، وإعطاء دفعة قوية لمسار السلام.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.