رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى أوراقه المجهولة.. "طه حسين" يكشف قوة القرآن مشروحة لغير المسلمين

طه حسين
طه حسين

في أوراقه المجهولة كشف عميد الأدب العربي طه حسين، قوة القران الكريم من الناحية الصوفية مشروحة لغير المسلمين، وذلك في الأوراق التي كتبها باللغة الفرنسية ولم تنشر إلا بعد رحيله عن الحياة في 28 أكتوبر من العام 1973. 

الأوروبيون صم عن جمال القرآن 

وفي أوراقه المجهولة أو مخطوطاته التي جمعها في كتيب واحد وترجمها عن اللغة الفرنسية رشيد المحمودي، يلفت طه حسين إلى أن جمال وبيان القرآن الكريم والذي تشبع المسلمون عليه، لا يدركه الأوروبيين وهم في ذلك صم عن جماله كما يكون المرء أصم عن الموسيقى. 

ثم يعرج طه حسين في حديثه خلال أوراقه المجهولة عن جمال القرآن مستعرضا لملامح من حياة الرسول، بدءا من سيرته الأولى قبل نزول الوحي عليه بالرسالة، وكيف كان يعيش حياته وهو في الأربعين من عمره في سلام واعتدال بين أهل مكة، مرورا بلحظة نزول الوحي من خلال جبريل بالرسالة الإلهية، وما تعرض له من خوف وهو في حضرة الوحي، خاصة في تلك اللحظة التي طلب منه أن يقرأ أول الكلمات في القرآن الكريم “أقرأ”، وصولا إلى إعلان الدعوة إلى الإسلام وما واجهه الرسول في هذا الصدد حتى رحيله عن الحياة.

ثم يمضي طه حسين في أوراقه المجهولة، ساردا لمناحي الجمال في القرآن الكريم، وكيف أنه لا يمكن أن تصل جمالياته هذه من خلال ترجمة معانيه، بقدر ما يستمتع العربي أو صاحب اللغة العربية والناطق بها بحلاوة بيانه أو ما يسميه طه حسين بــ “التشكيل الشديد اللطف للزمان”.

 

التشكيل شديد اللطف في الزمان

ويلفت طه حسين في أوراقه المجهولة، خلال حديثه عن قوة القرآن لغير المسلمين، مشيرا إلى أنه: "يتضمن القرآن إضافة إلى ذلك التشكيل الشديد اللطف للزمان، فهناك أولا ما يمكن تسميته بـ سرعة الأسلوب ولكل عمل أدبي سرعة خاصة ينبغي قراءته بها، وهناك مؤلفون يستوجبون أن يقرأوا ببطء أو بسرعة، والقرآن يتحرك ببطء، وقراءة القرآن بسرعة يعني فقدان الكثير من جماله، وهو على أي حال لم يصنع لكي يقرأ، بل يجب سماعه مرتلا  ببطء، وتناوله على نحو مختلف يقضي على قدر كبير من تشكيله، وشبيه بذلك عندما تدرس لوحة لـ رامبرانت، نسخت مثلا على شكل نقوش بارزة منخفضة على الخشب، سيكون ذلك بمثابة رؤية هيكل عظمي أو جثة لعمل فني أشبه بما يحدث عند نسخه بمادة أخرى غير المادة التي صمم بها. 

ويضيف طه حسين في أوراقه المجهولة: والقرآن صمم مقروءا وليس مكتوبا، وللقراءة ببطء فضلا عن ذلك، ونحن نشعر بحاجة إلى الإسراع عند إلقاء حديث عربي مفعم بالنشاط، ولكننا نضطر عن الاستشهاد بنص من القرآن إلى التحرك بتؤدة وفقا لإيقاع محدد، وتلك صفة غامضة شديدة الغموض لتشكيله.

 

الشعور بالزمان يتوقف على الحياة

ويمضي العميد طه حسين في أوراقه المجهولة حديثه عن ملامح الجمال في القرآن لافتا إلى: صفة أخرى للزمان يصعب إدراكها، فالشعور بالزمان يتوقف على الحياة، وإذا لم تكن الحياة شديدة الحدة، وإذا لم تأت مظاهرها المختلفة في أعقاب بعضها البعض، اتسم الزمن بمظهر شديد الغرابة، فعندئذ تمر مدد زمنية قصيرة ببطء شديد بينما تمر مدد طويلة غير ملحوظة، تمر الأيام بتثاقل في حالة الوحدة بينما تمحي السنوات بسرعة تفوق الأيام. 

وتلك على وجه التحديد هي نفس الظاهرة التي تحدث في الأسفار عبر الصحراء، فالمدة الطويلة هي مدة السير حتى بلوغ الشجرة القادمة، حتى المعلم التالي، والقرآن طويل، شديد الطول، والترتيب فيه تجريبي، وحالات التكرار كثيرة، وتتشابه فيه مقاطع بأكملها، والكتاب مع ذلك يسهل حفظه كلمة بكلمة، والكتب الأخرى التي يساعد المنطق والترتيب فيها على سهولة الحفظ لم يحدث قط أن حفظت بتلك الطريقة، وهنا نجد صفة من صفات تشكيل القرآن تجعله شبيها بالرحلات الطويلة في الصحراء على مسارات قليلة التنوع، وليس بوسعنا أن نتلافي الإحساس بنفس الصحراء بكل مظاهرها عندما نستمع إلى القرآن، وقد أحس بها العرب إحساسا قويا، ورأوا فيها تحقيقا لكل ما كان في وسعهم، ولكل ما كان الوسط الذي يعيشون فيه قادرا على إلهامه، وكان القرآن يحيط بروحهم وفنهم وحياتهم بأسرها بحيث لم يعد العرب بحاجة إلي صنع عمل آخر باهر، كان القران يمثل غاية مسعاهم في الحياة، فأصبحوا بناء على ذلك وكأنهم انتهوا ونضبوا بسرعة بعد ظهور القرآن.

 

معجزة القرآن كما شرحها طه حسين

ويخلص طه حسين في أوراقه المجهولة إلى: وهذه الملاحظات القليلة قد توضح بعض الشيء هذا اللغز الذي يعرضه تاريخ الأدب بشأن سيطرة القرآن علي العرب، فثمة نظرية أعتقد أنها جديدة، نظرية تشكيل الكلمات التي هي من صنع بشري تماما، فكيف يمكن لكلمة بفضل ما تعنيه، بفضل تشكيلها، وموسيقاها، وعلاقتها بغيرها من الكلمات، وباختصار بفضل كل شخصيتها ككائن حي، كيف يمكن لهذه الكلمات أن تصبح تعبيرا عن نفس، أن تصبح لوحة صوفية وغير واعية بما هو جوهري في مشهد طبيعي أو في شعب؟ في ذلك تكمن معجزة القرآن، وأنا لا أعرف أي أمثلة أخرى سوى شذرات متفرقة ليس لها شمول القرآن.

ويشدد طه حسين مختتما: وهذا التشكيل الرائع يجعل من القرآن ظاهرة فريدة، ومن السخف الحكم عليه بمعايير القيم الأدبية العادية، فالقرآن هو السيمفونية الكبرى للصحراء، وهو اللوحة الصوفية لهذه الشعوب التي أحست بالقوة السحرية للكتاب المقدس حتى قبل أن تفهمه. 

وأنا أبحث عن كلمة لوصف هذا التأثير، وليس هناك إلا كلمة واحد، القرآن لا يمكن أن يكون إلا وحيا إلهيا حقا.