رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللواء صلاح عبدالرحيم: الجندى المصرى فاجأ الجميع بسحق الدبابات الإسرائيلية بأسلحة صغيرة مثل الـ«آر بى جى» و«بى 10»

اللواء صلاح عبدالرحيم
اللواء صلاح عبدالرحيم

كشف اللواء صلاح عبدالرحيم، أحد أبطال حرب أكتوبر من سلاح المشاة بالقوات المسلحة، عن الكثير من البطولات التى تحققت خلال معركة العبور، وكيف استطاع الجيش المصرى تحقيق إنجازات عسكرية غير مسبوقة والوصول إلى النصر.

وخلال حواره مع الكاتب الصحفى والإعلامى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، قال اللواء صلاح إنه تم تكليفه بقيادة فرقة لقنص دبابات العدو، ونجح هو وزملاؤه فى تدمير عدد كبير من مدرعات العدو فى عدد من النقاط على الجبهة، مشيرًا إلى أن من مفاجآت الحرب أن سلاحًا صغيرًا مثل الـ«آر بى جى» و«بى ١٠» و«بى ١١» دمر مدرعات العدو الإسرائيلى، وسبّب له خسائر باهظة.

■ بداية.. ما أبرز لحظات التحوّل فى حياتك؟

- عندما تنحى الزعيم جمال عبدالناصر بعد النكسة، خرجت مع الجموع الرافضة للتنحى، وكل مَن خرج من البيوت ذهب لقصر عابدين مشيًا على الأقدام رفضًا للتنحى.

بعد ذلك تم تعميم منشور بقبول دفعة جديدة للكلية الحربية، ودون تفكير ذهبت لسحب الملف فى اليوم الثانى، ويوم ٢٢ يوليو ١٩٦٧ كان أول يوم لى فى الكلية الحربية، وكان ذلك مؤشرًا من الدولة على أنه لا مجال للاستسلام للنكسة، وأنه لا بد من تغيير الواقع.

وتخرجت وانضممت للكتيبة ١٨ مشاة فى ١٠ فبراير ١٩٦٩، وكان موقع اللواء والكتيبة فى القنطرة غرب، ولم نشعر براحة طوال هذه الفترة، وانضممت إلى السرية الأولى بالكتيبة ١٨ مشاة على القناة، وذات مرة، وأثناء سيرى للكتيبة، تم رصد صوت سيارة للعدو، وأطلق الجنود منها النيران علينا، بعد ذلك وصلنا لموقعنا وأديت «تمام» لقائد الكتيبة، وكان هذا الهجوم من سريتين على القناة وفصيلة على الطريق فى العمق.

وحرب الاستنزاف بدأت بالضبط يوم ٨ مارس ٦٩، وقبل ذلك لم يكن هناك أمر بالاشتباك مع العدو، وفى يوم ٨ مارس فى السادسة صباحًا جاءت الأوامر ببدء الضرب على الجبهة، وكانت هناك فى هذا اليوم شبورة خفيفة، ورصدت مجموعة من العسكريين الإسرائيليين من بينهم مدنيون، فطلبت من قناص السرية أن يصطاد هؤلاء الأعداء، وكان ذلك الأمر دون علم القيادة، وأبلغت قائد السرية فأبلغنى بعدم الحديث عن الأمر حتى لا تتم محاكمتى، وبعدها تابعت الإذاعة الإسرائيلية، وقالت إنه تمت إصابة أحد ممثلى الأمم المتحدة على الجبهة بإصابة خطيرة، وشعرت بفرحة عارمة، وفى آخر ساعات يوم ٨ مارس، جاءت الأوامر بفتح النيران وبداية حرب الاستنزاف، وفى اليوم الثانى جاء الشهيد عبدالمنعم رياض ليطمئن على المقاتلين على الجبهة واستشهد.

■ ما أهم العمليات التى شاركت فيها فى حرب الاستنزاف؟

- كانت حربًا وفى نفس الوقت تدريبًا للعبور، وكانت مهمتى على شاطئ القناة أن أى عدو يظهر لى على الجبهة أو فى شوارع القنطرة شرق فهو هدف لى، فكان أمامى مباشرة شارع الكنيسة، فكنت أطلب من القناصة إصابة أى هدف، وتم نقلى بعدها لمنطقة الدفرسوار، كضابط استطلاع للكتيبة، واحتلينا مكاننا فى الدفرسوار بنقاط قوية قديمة وجديدة، فى القناة وعلى البحيرات المرة.

■ كيف كان شكل التدريبات والإعداد النفسى والبدنى قبل العبور؟

- فى هذا الوقت كان يتم تدريبنا على إخلاء المواقع والانتقال لمشاريع حرب خارجية سواء على مستوى الفرقة أو الكتيبة فى منطقة برقاش، وكان هدفنا التدريب على العبور بشكل كامل للفرقة بكل القطاعات، وعبرنا الرياح البحيرى «فرع رشيد»، وهو أصعب من الممر المائى للقناة، وكان المشروع الثانى فى منطقة تسمى البعالوة فى الإسماعيلية، واستغرقنا فى هذا المشروع أسبوعين قبل الحرب بـ٦ أشهر تقريبًا، وعندما انتهينا رجعنا لنفس مكان الكتيبة فى الدفرسوار.

■ حدثنا عن الأيام القليلة قبل ٦ أكتوبر؟

- لم تكن لدينا شواهد على الحرب، لأن خطة التمويه كانت جيدة، وكلما كانت تتم التعبئة كان يتم تحويلنا لموقع الهجوم، ويتم إرجاعنا مرة أخرى لموقعنا، وتكرر ذلك ٣ مرات، وكان لدينا شغف للأخذ بالثأر، وتمت تعبئة القوات ٤ مرات قبل ٦ أكتوبر.

■ ماذا عن يوم الحرب؟

- فى يوم ٦ أكتوبر كان قائد الكتيبة يقول لى إنه توجد حرب، ولكنه لا يعرف موعدها، وفى ٦ أكتوبر اتخذنا موقع الهجوم، وكل فرد كان فى مكانه، والمعدات كانت خلف الساتر.

وفى تمام الساعة الثانية عشرة، تلقى قائد الكتيبة أحمد إسماعيل عطية طلبًا هو وقائد السرية، ووقتها تسلم مظروفًا سريًا من القيادة العليا، وكان فيه ساعة «س»، أى ساعة الصفر، وكانت فى الثانية وثلث، لتكون الكتيبة على الخط الأمامى للعدو.

■ ما تفاصيل يوم ٦ أكتوبر؟

- فى تمام الساعة الثانية عشرة يوم ٦ أكتوبر، كانت سيارات التعيين الخاصة بالجيش وصلت للقناة، وكان وقتها قد صدرت فتوى للجنود بالإفطار.

وانهال الجنود وقتها على السيارات التى كانت ظاهرة للعدو، فكانوا يقولون إنه من المستحيل أن نحارب، والسيارات غادرت فى تمام الواحدة ونصف، وفى تمام الساعة الثانية فوجئنا بأسراب من الطيران المصرى فوق رءوسنا بارتفاع الشجر أى أقل من ٣٠ مترًا فقط، ودخلوا على الضفة الشرقية وضربوا عدة أماكن وعادوا بعد ٥ دقائق، وأثناء عودة الطيران بدأ تمهيد النيران يضرب فى المناطق القريبة والقوية، وكنت قائدًا لـ«سرية ثانى مشاة»، وكانوا يستخدمون الرشاش المتوسط ورشاش جرينوف، وتم توزيعها على السرايا، كل واحد فى قطاعه.

بدأنا ننفخ القوارب المطاطية، والمفروض أن تعبر الكتيبة فى ساعة حتى تكون على الحد الأمامى فى تمام الساعة الثانية والثلث، وكل واحد يعرف مهمته، وكل عسكرى صف نزل للقوارب، والنسق الأول عبر فى البداية، وقائد الكتيبة دفع مجموعات لقنص الدبابات بحيث تؤمّن عبور الكتيبة، وكانوا على مسافة ٤٠٠ متر من الضفة الشرقية، وعبرنا فى ٣٠ دقيقة.

■ ما مهمة الكتيبة بعد العبور؟

- كانت الكتيبة مكلفة بمهمتين، الأولى احتلال رأس شط، وتم احتلال ٥٠٠ متر شرق القناة، وبدأنا التقدم يوم ٦ أكتوبر، واستولينا على رأس شط، «كوبرى أولى» فى ساعتين ونصف الساعة.

ورأينا وقتها دبابات قادمة من قرية الجلاء، لأن المنطقة التى عبرنا منها كانت مشروع استزراع نفذه الزعيم عبدالناصر وسماها «الجلاء»، وكانت على يسار الكتيبة، وتم الاشتباك معها وتدمير دباباتهم، وانسحبوا وقتها لمنطقة الجلاء.

واستُشهد خلال هذا اليوم جندى، وأُصيب ٢ من كتيبتى، لأن العدو الإسرائيلى بدأ الضرب بعد الاقتحام بساعتين وربع الساعة، ونحمد الله أن المدفعية لم تشتبك أثناء الهجوم.

وكانت توجد سيارة «بيكانتو»، محملة بالذخيرة وعليها أفراد، وكان عليها النقيب محيى الدين رجب، وبسبب خطأ فنى غرقت ونجا منها السائق وهو مَن أبلغنا بغرقها، وبعد وصولنا رأس الشط الأول جاءت التعليمات بالتقدم لرأس الشط الثانى، وهذه هى المهمة الثانية، وكانت يوم ٨ أكتوبر.

■ يوم ٨ أكتوبر كان من الأيام الصعبة.. ما تفاصيل ذلك اليوم؟ 

- كانت المعارك فى يوم ٨ أكتوبر شديدة، وقائد الكتيبة أحمد إسماعيل عطية دفع فصيلة من السرية لتأمين النقاط الخاصة بمنطقة الدفرسوار، حتى لا يسمح للعدو بالدخول أو الخروج منها، وكانت بامتداد كيلو على القناة.

واحتل الملازم أول محمد الكرمى الساتر الترابى، لمنع دخول وخروج أى أفراد ومعدات، وهو استُشهد صباح يوم ١٧ أكتوبر فى معركة المزرعة الصينية. 

وكان بين الكتيبة ١٦ والجيش الثالث ٣٠ كيلو فراغًا، وفكر العدو فى استغلال المسافة بين الجيش والكتيبة، ودخل والطيران كان يعمل ولكن بشكل غير قوى خوفًا من الصواريخ الموجودة.

وفى يوم ١٤ أكتوبر وجدنا فوانيس وكشافات كثيرة أمام الحد الأمامى عند تل سلام، وكان بيننا وبينها من ٦ إلى ٧ كيلو، وفى هذا التوقيت تبين أنهم عند بر سلام، وعبرت دبابات إسرائيلية من البحيرات المرة لميناء الدفرسوار، ووصلوا لقواعد الصواريخ وعطلوها، وبدأ الطيران يوم ١٥ أكتوبر يضرب، ويقصف بشكل غير طبيعى، والغارة انتهت، والمدفعية ١٧٥ كانت تعمل، واستمر ذلك حتى آخر اليوم.

وتلقينا تعليمات بأن يتم غلق المسافة بين الجيش والكتيبة ١٦ رفقة المقدم وقتها حسين طنطاوى، وتم تشكيل فصيلتين ووضعهما فى أماكنهما، وفى هذا التوقيت الفصيلة كانت تمنع الدخول والخروج، وعملت كاحتياطى للكتيبة حتى لا يكون ظهرها مكشوفًا.

واستطعنا احتلال المنطقة فى الساعة الثامنة ونصف، وفى يوم ١٥ أكتوبر سمعنا صوت جنازير كثيرة، وكانت دبابات للعدو متجهة للكتيبة ١٨، لأنهم أخذوا مدقًا على البحيرات المرة يوصل للنقاط القوية، ومن حاول منهم الدخول على طريق الشط كان يتم تدميره.

■ كيف استقبلت خبر تكليفك بقيادة كتيبة قنص الدبابات؟

- بعد إصابة زملائى فى حرب أكتوبر، وتحديدًا مساء يوم ١٥ أكتوبر، أبلغنى قائد الكتيبة بتجهيز طقم قنص دبابات خاص لى، لأتوجه به إلى الجانب الأيمن الخاص بنا تجاه النقطة القوية، ونتخذ القرار هناك من خلال تحليلى للموقف.

العناية الإلهية أنقذتنا فى ذلك الوقت، ولم تنفجر دانة واحدة إلى أن وصلت عند السارية الأولى فى موقعى، وبعد وصولى، نزلت فى إحدى الترع الجافة، ورأيت الرائد نوارين الباسل، هو الرامى على المدفع الخاص بنا، وبالفعل استطاع تدمير دبابة للعدو فى تلك اللحظة، وأبلغته بـ«أننى توجهت إلى هنا لقيادة الكتيبة مكانك، وفقًا لتعليمات قائد الكتيبة، الذى أخبرنى بأنك مصاب»، ليرد علىّ قائلًا: «متقلقش يا صلاح، خد الناس اللى معاك واشتبك مع العدو».

■ اشرح لنا مهامك فى تلك الكتيبة الجديدة.

- بعد توجهى إلى كتيبة قنص دبابات العدو خلال الحرب، كان كل جندى منا يحمل سلاح الـ«آر بى جى» الخاص به، فضلًا عن القنابل اليدوية، و«م د ٤٣» مضادة للدبابات، ثم توجهنا إلى طريق الشط، وأبلغنا من فى الكتيبة بعدم إطلاق النار فى طريقنا، واستطعنا بالفعل تدمير دبابتين للعدو فى ذلك الوقت.

وقرب الساعة السادسة صباحًا، عبرت طريق الشط للوصول إلى قائد الكتيبة بالمجموعة الخاصة بى، وتم إبلاغه بما أحدثناه فى المعركة، وتحليل الموقف، وأنا فى طريقى إلى قائد الكتيبة، رأيت دبابة خاصة بنا، وتوجهت إليها لألتقى هناك قائد الفصيلة، الملازم أول على حسن، الذى طلب منى عدم تركه وحده، وتوجيهه بآليات لضرب دبابات العدو، والدبابة الخاصة به كانت مستقرة فى ساتر رائع على طريق الشط، ولا يظهر منها سوى الماسورة.

أخبرته حينها بأننى سأظل معه بجوار الدبابة، ورأيته فجأة يخبرنى بأن ٣ دبابات للعدو فى طريقها إلينا، وأبلغته بترك أول وثانى دبابة، ثم ضرب الدبابة الثالثة، وبمجرد أن فعل ذلك رأينا دخانًا كثيفًا يخرج من الدبابة المستهدفة، ثم توجهنا إليها، وعثرنا على جثامين ٣ جنود إسرائيليين.

■ ما الواقعة التى تذكرها كنموذج للبطولة خلال الحرب؟

- الواقعة الأقرب إلى قلبى خلال حرب ٧٣، كانت يوم ١٠ أكتوبر، حيث كانت النقطة القوية فى الدفرسوار لم تسقط بعد، وكانت هناك تعليمات من السرية «ك ١٧» بقيادة الرائد التابعى شطا، الذى أحضر مجموعته ودبابتين متوجهًا لاقتحام النقطة القوية، بعد أن فشل الاقتحام السابق لها.

نجح «شطا» حينها فى اقتحام النقطة القوية، لدرجة أن قائد الدبابة الذى كان برفقته وضع ماسورة الدبابة فى المغزل الخاص بالنقطة القوية، وبالفعل استسلمت النقطة القوية تمامًا، وشهدت هذه الواقعة القبض على ٣٧ جنديًا وضابطًا للعدو الإسرائيلى أسرى، وتم توجيههم إلى قيادة اللواء.

ما الذى تعلمته وتود أن تنقله إلى الشعب المصرى بعد 50 عامًا على حرب أكتوبر؟

- الشعب المصرى يجب دائمًا أن تكون لديه الثقة بأن مصر قادمة وقادرة لا محالة، فما رأيناه فى ٦٧ غير مشابه تمامًا لما عايشناه فى ٧٣، وهذه هى المفاجأة التى تحدث عنها المحررون العسكريون الإسرائيليون، حين تفاجأوا بالمقاتل المصرى.

المفاجأة وقت الحرب كانت أن سلاحًا صغيرًا مثل الـ«آر بى جى» و«بى ١٠» و«بى ١١» يدمر مدرعات العدو الإسرائيلى، ويسبب لهم خسائر باهظة.