رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جيزيل خورى.. غاب عنها سمير قصير وغاب صوتها فى حسرة غزة

فى اليوم الثامن من حرب غزة، كانت الإعلامية اللبنانية العربية الكبيرة جيزال خورى، تطرد دموع الحسرة، حولها الأهل، وطبيب صديق، فى بيتها الذى اختتم بحة صوتها الحر القوى، الأمين، حسرة على حال غزة.. غابت روحها وهدأت انفاسها عن 62 عامًا بعد صراع متعب، صامت مع المرض الخبيث، نال من خلايا جسمها، لم ينحنى قلبها ولا إصرارها على شرط الحرية. 
** لعل فى روحها بعض الأمل من صمود المقاومة.

.. أغمضت عينيها وراحت فى نجاة نهائية، لعل فى روحها بعض الأمل من صمود المقاومة، وبيان الإعلام والثقافة التى ترافق لحظة العمر، كسر شوكة الاحتلال الصهيونى. 
وُلدت جيزال خورى فى الأشرفية فى بيروت سنة 1961، وهى متحدرة من بلدة العقيبة الساحلية فى قضاء كسروان شمال بيروت.

وبدأت مشوارها المهنى عام 1986 فى المؤسسة اللبنانية للإرسال «إل. بى. سى» حيث قدمت عددًا من البرامج الحوارية الثقافية كان أبرزها «حوار العمر» الذى استضافت فيه شخصيات لبنانية وعربية مرموقة، بحسب عديد وكالات الأنباء عن عائلة وإدارة فريق الرحلة فى مؤسسة سمير قصير مهرجان ربيع بيروت.

.. حياتها العملية بين الثقافة والسياسة والإعلام، عندما انتقلت إلى قناة «العربية» عام 2002 وقدمت برنامج «بالعربى» ثم انضمت إلى قناة «بى. بى. سى» العربية عام 2013 وكانت محطتها الأخيرة فى قناة سكاى نيوز عربية حيث قدمت برنامجًا باسم «مع جيزال».
جيزيل خورى، «كانت تُعالج فى مستشفى فى بيروت خلال الأسبوعين الأخيرين، بعدما تدهور وضعها فجأة- عانت من مرض السرطان منذ نحو عامين ونصف العام- ونُقلت إلى منزلها الجمعة بناءً على طلبها، حسب مصادر العائلة ومؤسسة سمير قصير، وهى كانت تحرص على ألا يشعر أحد بأنها مريضة، أو تشعر بالألم، والألم واجهته إذ انها قاومته عندما اغتيل زوجها الإعلامى الراحل سمير قصير؛ الذى وقع فى الثانى من حزيران «يونيو»، فى بيروت 2005. جيزيل، الشاعرة، الإعلامية، المفكرة، ضمت زوجها الراحل، وعاشت تعمل بقوة عزيمته، فكان أن أسست «مؤسسة سمير قصير» غير الربحية التى تسعى حسب القائمين عليها إلى «نشر الثقافة الديمقراطية فى لبنان والعالم العربى وتشجيع الحريات، فى قطاع الإعلام والنشر، ووسائل الإعلام الإلكترونية والرقمية والتواصل الاجتماعى، كما فى مجالات الثقافة والفنون.
*«مع جيزال» ابنة شمال بيروت
فى غيابها غامت بيروت العاصمة، قلق الناس، حسرة غزة والجنوب الصامد، وهى واكبت كل ذلك.. من جهودها الإعلامية المتميزة، برنامج «مع جيزال» على محطة «سكاى نيوز عربية»، وهى التى حاورت خلال مسيرتها الإعلامية والثقافية والسياسية، أبرز الشخصيات اللبنانية والعربية، والدولية من خلال برامجها على قنوات عربية مختلفة.
جيزال خورى، فتحت إشراقتها الأولى فى منطقة الأشرفية فى بيروت سنة 1961، وهى أصلًا من « العقيبة»، القرية الساحلية فى قضاء كسروان شمال بيروت، فعاشت ترنو الى لبنان الكبير، وترسم خرائط الحرية..
*.. رحلة حياة.. رحلة صبر وعزيمة
بعد دراسات فى الإعلام والتاريخ، انطلقت مسيرتها الإعلامية على الشاشة الصغيرة عبر «المؤسسة اللبنانية للإرسال» «آل بى سى» بعيد افتتاحها فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى.
قدّمت على هذه الشاشة المحلية الخاصة مجموعة برامج ثقافية ووثائقية وسياسية، أبرزها «حوار العمر» فى أواسط التسعينيات، الذى حققت فيه نجاحًا كبيرًا من خلال حواراتها مع بعض من ألمع الأسماء الفنية والثقافية والسياسية فى لبنان والعالم العربى.
وانتقلت خورى إلى قناة «العربية» الإخبارية بعيد افتتاحها عام 2003، وعملت فيها لسنوات عدة قدمت خلالها برنامجى «بالعربى» و«استديو بيروت». تابعت مسيرتها التليفزيونية على قناة «بى بى سى عربى» نهاية 2013، حيث قدمت برنامج «المشهد» الذى يسلط الضوء على بعض روايات شهود العيان الأكثر إقناعًا فى التاريخ الحديث فى الشرق الأوسط، لتحط رحالها أخيرًا فى قناة «سكاى نيوز عربية» عام 2020، حيث قدّمت برنامجها الحوارى «مع جيزال».
ونعت المؤسسة خورى فى بيان، قالت فيه: «بقلوب دامعة وعيون خاشعة، تنعى «مؤسسة سمير قصير» إلى الأصدقاء والأوفياء وعشاق الحرية، مؤسستها الحالمة ورئيستها الدائمة، الإعلامية جيزيل خورى، بعد حياة من النضال والالتزام والإنجازات».
إلى جانب البرنامج التليفزيونية، كتبت جيزيل وأنتجت أفلامًا وثائقية عن شخصيات سياسية عربية بارزة، وأسست شركة «راوى» للإنتاج الوثائقى إلى جانب الصحافية والسفيرة سحر بعاصيرى.
*فارس الحرية
فى نيسان أبريل، من العام ٢٠١٩، أعلنت الحكومة الفرنسية، عن منح جيزيل خورى الصحافية «صاحبة القناعات» وسام جوقة الشرف من رتبة فارس. 
.. جاءها التكريم، لشجاعتها وقوتها وحرصها على الحريات الثقافية والاجتماعية الإعلامية وتمكين المرأة والشباب، وهى كانت رئيسة مؤسسة سمير قصير، التى وضعت بصمة فى تفعيل جائزة عربية للإعلام. 
لم يغير وسام جوقة الشرف من رتبة فارس، الفرنسى من قوة جيزيل، إذ انها واجهت العالم، تريد التفسير الأشكال العنف والتطرف، والحروب ففى حفل أقامه السفير، فى بيروت وقتئذ برونو فوشيه فى قصر الصنوبر اللبنانى بمناسبة اليوم العالمى لحرية الصحافة.
.. وقال الجانب الفرنسى، «إن التقرير الأخير لـ«مراسلون بلا حدود» سجل تراجعًا فى حريات الصحافة فى العالم كله وفى فرنسا وأوروبا. ويبقى الشرق الأوسط وفقًا للتقرير المنطقة الأكثر صعوبة وخطورة للصحفيين»، فيما تحدثت خورى عن «التردى الخطير لأوضاع الحرية» فى لبنان، بحسب ما اوردت ذلك صحيفة الحياة. 
.. ومع الرحلة جيزيل كان الوسام بحضور نخبة الحفل: الدكتور داوود الصايغ ممثلا رئيس الحكومة سعد الحريرى، رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وعقيلته هدى، الوزيرة مى شدياق، النائب نهاد المشنوق، الأمين العام المساعد فى الجامعة العربية السفير حسام زكى، وسفراء بريطانيا كريس رامبلنغ، المانيا جورج بيرغيلين، الأتحاد الأوروبى كريستينا لاسن، المغرب محمد غرين، الوزيران السابقان سجعان قزى ونبيل دو فريج، النائب السابق باسم الشاب، وعدد من الشخصيات السياسية والإجتماعية والإعلامية وأعضاء مؤسسة سمير قصير.

* امرأة صاحبة قناعات
التقدير لصحافية كبيرة، هو وردة القناعات امرأة رفضت العزلة والصمت، تحدت من اغتال حبيبها، أشعلت له كل جوائز العالم عبر مؤسسة قوية، وهى التى يعرفها العالم، وعرفتها فى لقاءات كثيرة فى عمان وبيروت والقاهرة وباريس، تتويجا لما كانت بدأت به عملها فى «إل بى سى»، حيث قدمت بداية برامج ثقافية وتربوية وبعدها انطلقت فى الصحافة الإستقصائية ثم نحو البرامج السياسية، فقدمت برنامج حوار العمر من العام 1992 إلى العام 2001 وخلال عملها التقت زوجها الصحافى والمؤرخ سمير قصير المدافع الشرس عن الحرية. وانتقلت إلى العربية عام 2002 حيث قدمت برنامجها بالعربى، ومن بعدها إلى BBC العربية، حيث قدمت البرنامج السياسى المشهد، وأن موهبتها مكنتها من اجراء مقابلات مع العديد من رؤساء الدول والمسؤولين، ومن بينهم مقابلة مع ياسر عرفات حين كان تحت الحصار.
.. حضورها توج بالصريح من بيان القوة فى الأعمال، ونجاح سؤال الحرية: «نثنى على امرأة شجاعة وصاحبة قناعات، فهى عملت على متابعة النضال بعد اغتيال زوجها سمير قصير فى 2 حزيران عام 2005 بالرغم من ألم الغياب والصدمة القوية التى تلقتها، وأسست عام 2005 مؤسسة سمير قصير والتى تحولت أيقونة لربيع بيروت وانطلقت نحو المستقبل مستقبل لبنان والمنطقة. ومن خلال هذه المؤسسة عملت على نشر رسالة أن الديموقراطية وحدها ودولة القانون واحترام الحريات تمكن الشرق الأوسط من الخروج من الأزمة الوجودية التى يجتازها. وعام 2007 أنشأت مركز «سكايز» ومن مهامه الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية فى لبنان، الأردن، سوريا فلسطين، وهذه المؤسسة هى مثال فى جزء من العالم حيث انتهاك حرية التعبير تتم بشكل يومي. كما انها قدمت وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبى جائزة سمير قصير لحرية التعبير»، وهو ذات تذكرنا لحضور الرحلة فى حياتنا. 
*.. ربيع بيروت

أصرت جيزيل خورى على ارتباط عملها بين الثقافة والإعلام والسياسة، وأرادت أن تدلل على التميز، ووضعت سياسة فى عملها: «تنظم مؤسسة سمير قصير أيضًا كل عام «ربيع بيروت» وهو مساحة للقاء والحوار بين الأشخاص أنه يجسد فكرة «العيش معًا» فى قاعدة النموذج اللبنانى التى نعتز بها». 
.. رحيل جيزيل، يعينا لتكريم عمل مؤسسة قصير وفروعها من خلال إطلاقها مهرجان ربيع بيروت ودور مؤسسة «سكايز» فى الدفاع عن حرية التعبير التى تحولت إلى مرصد حقيقى لرصد الانتهاكات التى تتم ضد وسائل الإعلام والصحافيين والإعلاميين والفنانين والمثقفين فى الشرق الأوسط، وهى تقدم المساندة للصحافيين والحماية
*عندما تقول جيزيل خورى، لا للعزلة أو الصمت. 
.. لأنها رفضت قهر اغتيال زوجها سمير قصير، أو تكميم صوته وكسر قلمه، تركت لنا أقولها، اسئلة خالدة: «أطرح دائمًا السؤال التالى حرية التعبير تخيف من؟ هى تخيف الطاغية لأنه يرى كرسيه يتزعزع وسلطته تهتز. كما أنها تخيف المجرم الذى تدينه الحقيقة، والمؤسسات، الدينية او غيرها، وايضا الضعيف الذى يعيش بوهم أنه قوى».
.. وأيضا: «فى حياتى كلها لم أسكت أبدًا، كما أننى لم أسكت أيضًا عند اغتيال سمير قصير، بل لقد عبرت عن نفسى من خلال مؤسسته التى لم نردها مؤسسة عادية تحمل ذكراه بل مؤسسة تستمد قوتها من القيم التى ناضل من أجلها ضد الترهيب والتهديد، نضال من أجل الحرية وتجديد روح النقد فى العالم العربى هذا النضال الذى كلفه حياته».
.. وعن الإعلام فى لبنان: «اذا كان صحيحًا أن وضع الحرية فى لبنان هو أفضل من البلدان التى تحيط بنا، فهذا لا يمكنه أن يحجب التردى الخطير للأوضاع فى هذا القطاع، إذ لم يتم اتخاذ أى إجراءات قضائية جديدة لمحاكمة من قتل نحو 24 صحفيًا منذ الاستقلال إلى الآن. كما تمت الاستعانة بالتفسير التعسفى للقوانين للتهويل على الصحفيين فيما تحولت الرقابة على حرية التعبير من قبل المؤسسات الأمنية هى المعيار...وأن «سكايز» تدق ناقوس الخطر من مغبة فقدان حرية التعبير انطلاقًا من معادلة تخيرنا بين حريتنا وأمننا، فهذه المعادلة باطلة وجائزة».

وطالبت «بوضع حد للمراقبة الرقمية التى تطال بشكل خاص الصحفيين من خلال وسائل تكنولوجيا منتجة فى أوروبا ومباعة هنا».
جيزيل، لم تركن للعزلة أو الخوف أو الصمت، لم تتركنا لنرتاح، أخذت الحرية فعل مسؤولية ونادت:»وضع حد للتفلت من العقاب للذين يهاجمون ويقتلون الصحافيين ومساندة الصحافة الحرة والمستقلة من خلال التمويل والتدريب والنشر. 
.. نودع مع بيروت جيزيل خورى، نترقب معها لحظة الرحيل الذى بات جاتها، فقد سقت من دم القلب سيرة الراحل سمير قصير، وأنت مواسم ربيع بيروت وتركت جديلتها ترفرف مع الحرية
[email protected]