رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شعب لا يهزم.. وقضية لا تموت

قطعت إسرائيل الكهرباء والمياه والغذاء والدواء عن أكثر من مليونى إنسان فى غزة، واستشهد فى غزة أكثر من ستمائة طفل فلسطينى، وراحت الأحداث تعيد للحقائق لمعتها وتجعلها تطل مثل الشمس. فى ١٤ مايو عام ١٩٤٨ أعلنت دولة الكيان الإسرائيلى عن وجودها، وحينذاك عرضت على الفنان العالمى شارلى شابلن جواز سفر الدولة رقم واحد، لكن شابلن رفض الجواز، وصرح بأن إنشاء دولة لليهود أمر مضحك يشبه أن نحشر المسيحيين جميعًا فى الفاتيكان. وحين شاركت إسرائيل فى الحرب على مصر عام ١٩٥٦ قال «شابلن»: «إن الدولة التى يقوم كيانها على دعوة عنصرية دينية مثل إسرائيل لا يمكنها البقاء»، وأضاف: «إن قواعد الاستعمار العسكرية مثل إسرائيل ستلغى جميعًا بإرادة الشعوب». 

أدرك «شابلن» بحسه الإنسانى أن ذلك الكيان مجرد قاعدة عسكرية للاستعمار أطلقوا عليها صفة دولة، واخترعوا لها شعبًا. أما «لينين»، زعيم البلاشفة، فقد تنبأ بطبيعة الدولة المرتقبة، وبإشراف «لينين» جاء فى وثائق مؤتمر الكومنترن الثانى فى ٢٨ يوليو ١٩٢٠ بالنص: «إن الدليل الواضح على خداع جماهير شغيلة الأمة.. يتجلى فى الصهيونية التى تقدم فلسطين قربانًا إلى الاستغلال البريطانى، بحجة تأسيس دولة يهودية فى فلسطين، حيث يشكل الشغيلة اليهود مجرد أقلية ضئيلة». 

مجددًا تلمع حقيقة أن ذلك الكيان مجرد قاعدة عسكرية استعمارية تخدم أهداف الاستعمار الأمريكى وحلفائه لتطويع بلدان المنطقة للاستغلال، وقد أثبتت إسرائيل حقيقة دورها فى الحرب على مصر عام ١٩٥٦، و١٩٦٧، إلى حرب أكتوبر ١٩٧٣، ومنذ أن شاركت فى قصف العراق ونهب آثاره، وتقسيم السودان، واحتلال أجزاء من لبنان، والدعم الكامل لبناء سد إثيوبيا، وضرب سوريا حتى خلال الحصار الإسرائيلى لغزة هذه الأيام، الأكثر من ذلك أن إسرائيل شاركت جورجيا فى الحرب على أوسيتيا الجنوبية، وحيثما استلزم الأمر خدمات القواعد العسكرية كانت إسرائيل تبرز وتقدم خدماتها أينما كانت الحرب. 

وقد كتب عالم النفس الشهير فرويد، فى رسالة إلى حاييم كوفلر يقول له: «بالتأكيد إننى لا أتعاطف مع أهداف الصهيونية.. ولا أعتقد أن فلسطين يمكن أن تصبح دولة يهودية». إن مشكلة إسرائيل ليست البحث عن وطن قومى لليهود، فهذا مجرد غطاء لدور القاعدة الاستعمارية، ولو كان البحث عن وطن قومى هدفًا لهم لحصروا نشاطهم فى فلسطين، لكن نشاطهم العدوانى الذى يمتد خارج فلسطين يوضح حقيقة دور وطبيعة ذلك الكيان، الذى تدعمه المصالح الاقتصادية لدول الغرب التى تتغنى بالديمقراطية. وبذلك الصدد جدير بالذكر أن الشرطة الفرنسية قمعت مظاهرات تناصر فلسطين، بل وأصدرت حكومة ماكرون مرسومًا بتغريم كل شخص يشارك فى الاحتجاج على العدوان الإسرائيلى مبلغًا ماليًا وسجنه سبع سنوات! 

ولعل أهم ملمح فى الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة أنها عرت تمامًا حقيقة ذلك الكيان، عرته أمام جنود الغزو الذى يدعى أنهم مواطنون، وكشفت عن أن الكذبة مهما طال وجودها تظل كذبة، وأن انقضاء زمن على الأكاذيب لا يحولها إلى حقائق، خاصة عندما يتعلق الأمر بشعب لا يهزم وقضية لا تموت.