رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسطين.. الأصل والصورة

أنا من الذين ينصرون المقاومة فى فلسطين ظالمة كانت أو مظلومة.. وإذا كان نصر الإنسان لأخيه وهو مظلوم أمر طبيعى، فإن نصره له وهو ظالم أمر استدعى الاستفسار عنه لتكون الإجابة «تنصره وهو ظالم برده عن الظلم»، أو كما جاء فى الحديث الشريف.. وأنا لا أقول إن المقاومة ظلمت أحدًا، ولكننى أقول إن بعض الممارسات ظلمت صورة القضية فى عيون العالم.. أرى أننا يجب دائمًا أن نحافظ على صورة القضية الفلسطينية كقضية إنسانية تجتذب تعاطف كل المهتمين بفكرة الحق والعدل والإنصاف؛ أيًا كانت دياناتهم ومذاهبهم واعتقاداتهم، ومن نافلة القول إننى لا أرى أن الصراع صراع دينى بحال من الأحوال، وإن كان الدين أحد المقومات الحضارية التى تجعل الاحتلال الصهيونى فى حالة صدام دائمة مع العرب، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، وسواء كان الاحتلال يستهدف الأقصى أو كنيسة القيامة.. ما أقصده بالصورة هو ما نصدّره للعالم بمختلف تنوعاته حول قضيتنا الفلسطينية.. وفى السبعينيات مثلًا لجأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لخطف مجموعة من طائرات «العال» الإسرائيلية للفت الانتباه للقضية الفلسطينية، وكانت الصورة الذهنية لهذه العمليات مرتبطة بمجموعة من الفدائيات الفلسطينيات، كانت أشهرهن ليلى خالد، عضو المجلس الوطنى الفلسطينى حاليًا.. وكانت هناك عمليات أخرى نفذتها مقاتلات مثل دلال مغربى.. إلى آخر ما هو معروف.. إن الصورة التى أريد إيصالها وقتها أن القضية الفلسطينية قضية تقدمية تهم كل المهتمين بالعدل فى العالم كله، وكانت صورة المرأة المقاتلة خير عنوان لذلك.. فالتعاطف والمشاعر الجارفة والأمومة، كلها صفات مرتبطة بالمرأة.. وهى بكل تأكيد أقل ميلًا للعنف والقسوة من الرجل، وبالتالى كانت رسالة الفدائيات الفلسطينيات وقتها أن العنف ليس هو الهدف من نشاطنا، ولكن لفت الأنظار للقضية الفلسطينية.. وأننا كفلسطينيين وكعرب لسنا همجًا، كما تقول الدعاية الصهيونية، ولكن لدينا فتيات متعلمات يتصدين للقضية القومية مثلما لدى الصهاينة «جولدا مائير»، وغيرها.. ما أريد أن أقوله إن «صورة القضية» فى عيون العالم لا تقل أهمية عن «جوهر القضية»، ومن يقول عكس ذلك مخطئ بكل تأكيد.. كى أشرح فكرتى أكثر أعود بالذاكرة إلى المعارك التى شنها بعض الفصائل الكردية ضد داعش فى شمال سوريا.. كانت مقاتلات «البشمرجة» صورة رائعة فى مواجهة مقاومى داعش، الذين تتسم أشكالهم بالقسوة والإغراق فى التوحش وتقليد ملابس القدماء، وكأنهم خارجون من فيلم تاريخى.. لقد ربح الأكراد وقتها حرب الصورة من خلال صور المقاتلات.. ما أريد أن أقوله إن أكبر خسارة للمقاومة الآن أن تتورط فى ممارسات داعشية.. أو أن تنجح إسرائيل فى وصفها بهذه الصفة، ولا أنكر أننى أنزعج جدًا من بعض التعليقات التى تصف بعض الرهينات الإسرائيليات بأنهن «سبايا»، هذا لفظ تاريخى انتهى عصر استخدامه وهو مرتبط بممارسات لا مجال لاستدعائها فى العصر الحديث إلا إذا كان الهدف تشويه القضية الفلسطينية.. لا أنكر أيضًا أننى أنزعج أشد الانزعاج من بعض «الرسومات» الساخرة التى تنسب لفلسطينيين يسخرون من «سبى الأطفال»، وقد سمعت عن صور لأطفال إسرائيليين وضعوا فى أقفاص الحيوانات الأليفة.. ولا أظن أن فلسطينيًا عاقلًا يمكن أن يفعل ذلك بصورة قضيته العادلة.. أعرف بكل تأكيد أن الإسرائيليين سرقوا ونهبوا وحرقوا واغتصبوا وارتكبوا كل الموبقات.. لكننى أريد لمقاتلى حماس أن يدخلوا التاريخ كما دخله محرر القدس صلاح الدين، الذى سجّل عنه التاريخ أنه كان يُحسن معاملة الأسرى.. من بين آلاف التفاصيل عنه كانت هذه هى السمة الأبرز فى تاريخه.. إنه الرجل الذى عالج الأسرى.. لقد أثلجت صدرى صورة الجنرال الإسرائيلى الكبير الذى وقع فى الأسر.. هذا رجل بالغ مقاتل وقع فى الأسر، فهنيئًا ومباركًا لمن أسره ليساوم عليه.. أما حبس الأطفال فى أقفاص الكلاب فهو خطأ أربأ بالمقاومة أن تقع فيه؛ حرصًا على قضية آمنت بعدالتها منذ كان عمرى ثلاثة عشر عامًا.. يجب على المقاومة أن تسلم الأطفال الأقل من سن البلوغ للصليب الأحمر الدولى فورًا، ولها أن تطلب بالطبع الإفراج عن الأسيرات الفلسطينيات فى سجون إسرائيل، ويجب على الإخوة الفلسطينيين أن ينتبهوا لمحاولات دعشنة النضال الفلسطينى، وأن يعرفوا أن هذا أكبر فخ تنصبه لهم المخابرات الإسرائيلية والحسابات التابعة لها، وبالمثل مطلوب من الشعوب العربية والإسلامية أن تنتبه جيدًا لهذا الفخ الذى يراد به وصم قضية عادلة وإنسانية وذات بعد عالمى، بأنها قضية مجموعة من الدواعش يحتفون بممارسات تنتمى للقرون الوسطى وليس للعصر الحديث.. كانت هذه نصيحة مخلص للقضية الفلسطينية أنصر بها الفلسطينى، سواء كان ظالمًا او مظلومًا.. ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.