رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهروب إلى فلسطين

بلغة الشارع المصرى فإن هناك من يريد لمصر أن «تحاسب على مشاريب» غيرها.. انفجرت الأوضاع نتيجة ظلم تاريخى متراكم، وبدأت إسرائيل فى قصف غزة لنجد أمامنا من يريد أن يغير الموضوع.. الموضوع هو حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧.. حق مشروع تسانده مصر بكل ما يمكن من قوة.. تجاهل هذا الحق وانتهاك حياة الفلسطينيين والسعى للتطبيع مع الخليج كان سبب انفجار الغضب، كما يقول المحلل الإسرائيلى «ليفى جدعون» فى صحيفة هآرتس الإسرائيلية... بدلًا من إقرار إسرائيل بأن أسلوب تجاهل الحق الفلسطينى كان خاطئًا طوال الوقت والسعى لحل سلمى، قررت الرد بمزيد من العنف والدماء والقصف المستمر لقطاع غزة.. مع هذا القصف الدموى كانت هناك أصوات شيطانية من هناك تنصح أهل غزة بالفرار إلى مصر! صرحت بهذا حسابات تابعة للمخابرات الإسرائيلية ثم متحدث عسكرى إسرائيلى.. ترحيل الفلسطينيين خارج أراضى فلسطين هو سيناريو إسرائيلى قديم يشكل حلًا مثاليًا للقضية من وجهة نظر إسرائيل.. الفلسطينيون والعرب وعوا لهذه القضية منذ نكبة ١٩٤٨ لذلك امتنعت الدول العربية عن منح جنسياتها للفلسطينيين حتى لا تنتهى القضية الفلسطينية.. حمل الفلسطينيون مفاتيح بيوتهم التى غادروها فى ١٩٤٨ وتوارثوها جيلًا بعد جيل كدلالة على أن حق العودة أمر لا جدال فيه رغم أن البيوت نفسها تم هدمها والبناء مكانها.. فى لبنان والأردن ظل الفلسطينيون فى مخيمات خاصة بهم، لأن اندماجهم فى أهل البلد المضيف يعنى ذوبان القضية... الأصوات الشيطانية التى طالبت أهل غزة باللجوء إلى مصر عززت تحليلات تقول إن ما جرى منذ البداية مؤامرة هدفها مصر.. لا أؤمن بأن هناك اتفاقًا مباشرًا بين حماس وإسرائيل، لكن السياسة تشبه لعبة البلياردو.. تضرب كرة فى أقصى الشمال فتحرك عدة كرات وفى النهاية تحقق الهدف وتسقط الكرة التى تريدها فى الحفرة.. من نكد الدنيا على المرء أن يضمن فى مقاله حقائق معروفة للجميع بدلًا من كشف الأسرار العميقة.. والسبب هو أن لدينا أجيالًا لا تقرأ ويسهل التلاعب بعواطفها وبالتالى بعقولها.. القضية الفلسطينية قضية مصرية بالأساس قدمنا من أجلها آلاف الشهداء، كما هو معروف.. منظمة التحرير الفلسطينية ولدت فى مصر وكذلك حركة فتح والزعيم التاريخى لفلسطين ياسر عرفات كان مصريًا بشكل ما. كان يدرس الهندسة فى مصر وكان يردد دائمًا إنه مصرى الهوى... تقدم مصر حتى هذه اللحظة كل دعم ممكن للشعب الفلسطينى ولطالما استقبل معبر رفح المصابين لعلاجهم مجانًا فى المستشفيات المصرية.. من المفارقات أن القيادى محمد ضيف الذى نُسبت له قيادة عملية طوفان الأقصى عولج فى مصر من جراء إصابات خطيرة تعرض لها فى ٢٠٠٦، وأن جهود الأطباء المصريين وعناية الله هى التى أنقذته من الموت.. بشكل مهنى ولدواعى الأمن القومى تعرف الأجهزة المختصة قطاع غزة مثل كف يدها وتملك علاقات مهنية بكل أطراف المشهد الفلسطينى.. ما تقدمه مصر للقضية أمر أكثر نبلًا بكثير من أن تسهم فى تصفية القضية الفلسطينية بالسكوت عن هذه الدعوات المشبوهة.. وساطة مصر من أجل حل سياسى واقعى والمستندة لخبرة عشرات الأعوام هى الحل الوحيد لحقن دماء الجانبين وما عدا ذلك «كلام خائب» لا يستحق حتى الرد عليه... إذا كان أهل غزة يريدون فكرة شجاعة للهرب من القصف الإسرائيلى فإن عليهم أن يتقدموا فى مسيرة سلمية تقتحم حدود فلسطين التاريخية أمام عيون العالم كله.. مسيرة من اثنين مليون غزاوى يتقدمهم النساء والأطفال- إشارة لعدم الحرب- وتنقلها تليفزيونات العالم كله.. هدف المسيرة إنسانى للغاية وهو البقاء فى أراضى فلسطين التاريخية لحين انتهاء القصف الدموى على غزة.. لا أظن أن الجيش الإسرائيلى سيمتلك الشجاعة لإبادة ٢مليون إنسان يتقدمهم الأطفال والعجائز أمام أعين العالم.. خاصة أن هدفهم هو الفرار من القصف الانتقامى الإسرائيلى.. لو تحلى قادة حماس بالخيال اللازم فإن هذه الفكرة من الممكن تحويلها لحقيقة واقعة وحشد دعاية عالمية غير مسبوقة لها.. أما التفكير فى تحميل مصر فاتورة أفعال الغير أو استغلال التعاطف الشعبى المصرى مع فلسطين أو إجبار مصر على اتخاذ مواقف دفاعية تظهرها بصورة عكس ما هى عليه من تعاطف ودعم فهو «كلام خائب» إذا كان صاحبه حسن النية أو تفكير أبالسة إذا كان صاحبه هو الكيان الصهيونى وفى الحالين لن ينطلى علينا ولن نسهم فى تصفية القضية الفلسطينية وتقديم أكبر خدمة للكيان الصهيونى أو على الأقل لأصحاب هذا التفكير الشيطانى فيه.