رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمى الله مصر

تدافع الأحداث خلال اليومين الماضيين يجعل من الصعب إيجاد مدخل واحد للحديث.. انفجرت الأوضاع فى فلسطين بعد أن وصلت إلى درجة الغليان دون معالجة واضحة على مدى السنوات الماضية.. من الناحية العسكرية فإن ما يحدث جديد على ساحة الصراع المسلح بين العرب وإسرائيل والذى اتخذ دائمًا شكل الحرب بين الجيوش النظامية والذى توّجه الجيش المصرى بانتصار العبور العظيم.. من ناحية أخرى، فإن هذه أول حرب تقع داخل حدود إسرائيل نفسها- ما قبل ١٩٤٨- وداخل المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة- ما بعد ١٩٦٧- يمكن القول إن تجاهل العالم القضية الفلسطينية والإسراع بمعدلات التطبيع مع الخليج العربى والإعلان عن مشروعات تعاون اقتصادى كان أحد الأسباب المباشرة لانفجار الغضب الفلسطينى.. رغم قسوة العمليات وتجاوز بعض ما تسجله الصور ومقاطع الفيديو فإن الحرب هى إحدى وسائل إجبار العدو على السلام.. وبالتالى فإن الحرب هى صيحة اليأس الفلسطينى المطالبة بضرورة إيجاد حل عادل، وإلا فإن الجميع سيكون فى خطر وفق قصة شمشون التى نعبر عنها عادة بعبارة «علىّ وعلى أعدائى».. كعادة العرب انقسموا حول الأحداث وقال بعض المغردين من الخليج إن المملكة العربية السعودية كانت فى طريقها لإيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية، لكن الأحداث أفسدت هذا الحل ليكون الرد المنطقى أن الفلسطينيين يجب أن يكونوا جزءًا من هذا الحل الشامل لقضيتهم وسياق الأحداث يدل أنهم «لم يأخذوا خبرًا» لذلك لا لوم عليهم فيما فعلوه.. بغض النظر عن الأسباب الذاتية الخاصة بالفلسطينيين فإن الانفجار متسق مع ما يحدث فى المنطقة من حرائق وانفجارات وصراعات تجعل الأمان عملة نادرة تحظى به دول الوفرة النفطية وتحظى به مصر بفضل جيشها وشعبها العظيمين، وهو الأمان الذى يسعى البعض لتحطيمه وإشعال النار فيه من خلال الضغوط الاقتصادية على الدولة والشعب وإيقاف مساعدات ظلت جزءًا أساسيًا من مقومات الاقتصاد المصرى منذ حرب ١٩٦٧ وحتى وقت قريب، وسحب العملات الصعبة من الأسواق واصطناع ظواهر سياسية فارغة ومخلوقة من العدم والتهديد بتفجير الشارع المصرى.. ولا تبدو هذه الجهود كلها بعيدة عن تفجير الوضع فى السودان واستمرار تأزيم الوضع فى ليبيا وتفجير الوضع فى فلسطين المحتلة إن لم يكن بالتدخل المباشر فبالضغط الذى يدفع الأوضاع للانفجار.. وسط هذا كله فمن المنطقى تفهم مشاعر تعاطف الشعب المصرى مع القضية الفلسطينية لأسباب تاريخية وعاطفية ودينية وقومية.. لكن مصر تدرك جيدًا أن درجة حرارة التعاطف لا تختلف عن درجة حرارة الجسد الطبيعية.. حيث يكون الجسد بخير حينما تكون درجة حرارته الطبيعية ٣٧ درجة.. أما ارتفاع درجة حرارة التعاطف أو الجسد إلى ما فوق ذلك فإنه يسبب مشكلات عدة تعوق أجهزة الجسد عن ممارسة مهامها أو تهدد سلامتها بشكل عام.. ما يدعو إلى الاطمئنان بشكل عام هو إدراك القيادة المصرية مقومات الأمن المصرى وإلمامها بتفاصيل التفاصيل فى الوضع الفلسطينى المعقد والشائك والصعب فى كل الأحوال.. حمى الله مصر وأرضها وجيشها وشعبها وجعلها واحة استقرار وسط محيط الخراب الذى يدفع إليه الشرق الأوسط منذ سنوات صعبة وطويلة وقاسية ودموية يبدو أنها ستستمر لفترة مقبلة للأسف الشديد. والله من وراء القصد.. هو نعم المولى ونعم النصير.