رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فوق صفيح ساخن

أخبار العمليات الفلسطينية ضد المستوطنين شغلت الرأى العام المصرى منذ وقوعها.. حجم العمليات وطريقة تنفيذها تؤشر لتطور نوعى لدى الجانب الفلسطينى.. والرد الإسرائيلى المتوقع يستدعى جهودًا مصرية كبيرة للوساطة بين الطرفين ومحاولة ضبط ردود الفعل لدى كل جانب.. شئنا أم أبينا فإن فلسطين بتعقيداتها قضية أمن قومى لمصر، وغزة ساحة جوار مباشر كانت لسنوات طويلة تحت الإدارة المصرية.. هذه الأحداث جاءت لتضيف مزيدًا من السخونة لشرق أوسط يصب الغرب ملحًا على جراحه كل يوم ولا يريد أن يتركه لأهله ليقرروا مصيره.. التحليل السياسى يقول إن الفلسطينيين يشعرون بالغضب وهم يرون مواكب التطبيع تتهادى، والصفقات تُعقد تحت وفوق الموائد، ومشاريع التعاون الاقتصادى مع إسرائيل يتم وضع الرتوش الأخيرة لها بما يضمن مليارات إضافية تدخل فى موازنة إسرائيل.. يحدث هذا والأقصى يتم انتهاكه يوميًا والقضية كلها تدخل فى ثلاجة النسيان الطويل ويتفق الجميع على دفنها فى قبر التطبيع والسلام الإبراهيمى.. ينفجر الغضب الفلسطينى مستعينًا بقدرات فنية جديدة تكفلها تطورات تكنولوجيا الصواريخ والتوجيه عن بُعد والمُسيّرات وغيرها من أدوات حرب باتت تقريبًا فى يد الجميع.. ومع انفجار الغضب تتحمل الدولة المصرية مزيدًا من الأعباء سواء فى جهود الوساطة والتهدئة من جهة أو ضبط الرأى العام المصرى المعادى للاحتلال والاستيطان من جهة أخرى.. وكأن مصر تدفع ثمن هرولة بعض الدول العربية للتطبيع وإثارتها الغضب الفلسطينى مرتين.. أو ثلاث مرات.. توتر الأوضاع فى غزة كما فى غيرها يستدعى استقرارًا سياسيًا وأمنيًا فى مصر وهو ما لا يريد له البعض أن يتحقق.. حيث بات من الواضح جدًا وجود نية غربية للتدخل فى الانتخابات الرئاسية المصرية.. هذا التدخل ليس مباشرًا حيث لا يجرؤ أحد على التدخل المباشر فى مصر ولن يسمح أحد بهذا.. لكن يمكن القول إن هناك محاولة للتأثير على الناخب المصرى بإرسال رسائل تشكيك فى جدوى الإنجازات العملاقة التى قامت بها الدولة المصرية.. ففى يوم واحد سنجد أن الاتحاد الأوروبى يحاول التدخل فى الشأن الداخلى المصرى من خلال حزمة من المغالطات والتى يصل بعضها إلى حد إثارة الضحك.. من هذه المغالطات اعتبار أن الصحفى هشام قاسم محبوس على ذمة قضية سياسية بينما هى قضية سب وقذف أقامها سياسى معارض للنظام ردًا على اتهامه بأنه لص وفاسد! ثم قضية أخرى بتهمة الاعتداء على موظف أثناء تأدية عمله وقيل إنه تم صفعه على وجهه! وهو ما لا يعترف به.. الاتحاد الأوروبى اتهم مصر أيضًا بالتضييق على السياسى أحمد طنطاوى الذى وصفته إحدى الصياغات بأنه زعيم حزب اليسار فى مصر! والحقيقة أن هناك عدة أحزاب تعبّر عن اليسار فى مصر تصل لستة أو سبعة أحزاب.. فضلًا عن أن طنطاوى عضو فى حزب منها وليس رئيسًا لأى حزب.. محاولات الغرب لفرض طنطاوى على المشهد السياسى الغربى تشى بأننا أمام محاولة لصناعة «زيلينسكى جديد»، وقد شهدت مصر هذه المحاولة فى ٢٠٠٥ من خلال دعم المرشح أيمن نور الذى ارتدى البرتقالى إشارة إلى أنه جزء من الثورات البرتقالية التى صنعتها أمريكا فى أوروبا الشرقية فى ذلك الوقت.. وقد انتهت المحاولة بالفشل الذريع.. مع محاولة التدخل فى شأن داخلى مصرى سنجد تصريحات مديرة صندوق النقد الدولى التى أزعجها نجاح مصر فى تدبير العملة الصعبة دون الاضطرار لتنفيذ نصائح الصندوق، فتطوعت من نفسها للمطالبة بضرورة الإسراع فى تعويم جديد للجنيه حتى لا تستنفد مصر الاحتياطى الثمين لديها.. رغم أن الاحتياطى شهد زيادة طفيفة فى الأسبوع الماضى وهو مؤشر جيد فى كل الأحوال.. فى نفس اليوم خفضت وكالة «موديز» الائتمانية التصنيف الائتمانى لمصر درجة أخرى ليتناغم ذلك مع تصريح مديرة صندوق النقد الدولى وبيان الاتحاد الأوروبى ضد مصر.. هذه الإشارات يستقبلها قطاع واسع من المصريين على أنها محاولات تدخل أجنبى مرفوض فى مصر وأن سببها الرئيسى هو الحرص الغربى على عدم وجود إدارة ذات طموح كبير يجعل من مصر لقمة يصعب ابتلاعها فى الشرق الأوسط.. أصحاب وجهة النظر هذه- وأنا منهم- يرون أن أمريكا مشغولة برعاية اتفاقات التطبيع بين الخليج وإسرائيل وبتحويل التطبيع لشراكة دائمة، ووجود جيش ودولة قوية فى مصر يهدد هذه الاتفاقات بشكل غير مباشر، وقديمًا كان يقال «لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون سوريا»، والحقيقة أنه لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون مصر أيضًا.. والمعنى أنه لا بد من حل القضية الفلسطينية على أساس عادل ونابع من قرارات الأمم المتحدة قبل أى تسوية دائمة فى الشرق الأوسط، وهذه هى عقيدة الدولة المصرية فى زمن الحرب وفى زمن السلم أيضًا.. لذلك يزعج وجود جيش مصرى متطور القوى الدولية التى ترغب فى إخفاء التراب تحت سجادة التطبيع وإبرام سلام من على الوجه فقط.. لذلك تتوالى رسائل الغرب لمصر.. لكن الوقت ما زال مبكرًا للحكم والشعب المصرى لم يرد على رسائل الغرب بعد.