رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

برلمانهم.. الأوروبى

كل الحكومات الأوروبية تقريبًا، لا تلتفت، عادةً أو غالبًا، إلى بيانات وتقارير وتوصيات «البرلمان الأوروبى»، وكثيرًا ما كانت سلال أو صفائح المهملات، هى المستقر النهائى لقرارات ذلك البرلمان، الذى ليس لديه أى تأثير رسمى، نظريًا أو فعليًا، على السياسات الداخلية أو الخارجية لدول الاتحاد الأوروبى، ولا يملك المبادرة التشريعية، أو سلطة اقتراح مشاريع القوانين، ولا يمكنه الاعتراض على اتفاقيات الاتحاد، كما أن قراراته وتوصياته غير ملزمة للدول الأعضاء، أو لغيرها طبعًا.

تأسيسًا على ذلك، لم يكن لذلك البرلمان أى دور، مثلًا، فى التصدى لمشكلات العنصرية والتمييز فى المجتمعات الأوروبية، ولم يفعل شيئًا لمساعدة الجياع والمشردين، ولم يستطع اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة الإرهاب وجرائم الحض على الكراهية وعنف الشوارع، التى تمثل الحدود الدنيا، لضمان حقوق وحريات المواطنين الأوروبيين، الذين من المفترض أنه يمثلهم، ويكلفهم حوالى مليارى يورو سنويًا! 

نتفهّم اهتمام بعض الدول، والكيانات والمؤسسات الدولية والإقليمية، بالشأن المصرى، نظرًا لما تتمتع به مصر من ثقل سياسى على المستوى الدولى، ولكونها ركيزة أساسية لأمن واستقرار محيطها الإقليمى، غير أن هذا الاهتمام يجب أن يقوم على الاحترام المتبادل والتعاون البناء، والالتزام بالمواثيق والأعراف الدولية، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، أو انتهاج سياسة الوصم والتشهير، استنادًا إلى مغالطات، أكاذيب، شائعات، أو ادعاءات باطلة، لا تمت للواقع بصلة، ككل ما صدر عن «البرلمان الأوروبى» بشأننا، أو بشأن غالبية أشقائنا، العرب والأفارقة، الذى كان تحت مستوى العُهر، وأكدت شواهد عديدة أنه كان بالأمر، أو مدفوع الأجر، من دول، جهات، أو مؤسسات خارجية، أى من خارج دول الاتحاد، لا تعنيها المصالح الأوروبية. 

لـ«اليسار»، أو لـ«تحالف الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية»، ١٤٥ مقعدًا فى البرلمان الأوروبى، من أصل ٧٠٥، جعلته ثانى أكبر الكتل البرلمانية. وكان مؤسفًا، أن تنتمى إليه إيفا كايلى، نائبة رئيس ذلك البرلمان، التى ألقت السلطات البلجيكية القبض عليها، فى ٩ ديسمبر الماضى، لاتهامها فى وقائع فساد عديدة، من بينها تلقى رشاوى، وغسل أموال وتشكيل منظمة إجرامية، وتقديم مبالغ مالية كبيرة وهدايا قيمة لمسئولين وسياسيين أوروبيين وأعضاء آخرين فى البرلمان. وما جعل الضربة أكثر قسوة، هو أن قائمة المتهمين فى هذه القضية، المعروفة باسم «قطر جيت»، ضمت فرانشيسكو جيورجى، المساعد البرلمانى الملحق بكتلة الاشتراكيين والديمقراطيين، وبيير أنطونيو بانزيرى، الذى كان نائبًا فى البرلمان الأوروبى بين ٢٠٠٤ و٢٠١٩، عن الكتلة نفسها، ويرأس حاليًا منظمة حقوقية اسمها «فايت إمبيونيتى»، أو مكافحة الإفلات من العقاب!

لم تكن تلك القضية هى الأولى، وقطعًا لن تكون الأخيرة فى ظل «الغياب الكامل للرقابة وتنامى ثقافة الإفلات من العقاب»، حسب «منظمة الشفافية الدولية». وبعد أن «تمكنت جماعات الضغط المتصارعة من تحويل هذا البرلمان، إلى بؤر للفساد، بات من الصعب تطهيرها»، كما أكد الحزب الشيوعى اليونانى، فى بيان.

.. وتبقى الإشارة إلى أن اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبى، تم توقيعها منتصف سنة ٢٠٠١، ودخلت حيز التنفيذ فى يناير ٢٠٠٤. غير أن العلاقات بين الطرفين بدأت تأخذ منحنى جديدًا، منذ سنة ٢٠١٥، إذ شاركت مصر بشكل فاعل فى عملية المراجعة الشاملة لسياسة الجوار الأوروبى، وجرى استئناف اجتماعات مجلس الشراكة المصرية الأوروبية، وتقاربت الرؤى بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وتحققت شراكة فاعلة تقوم على الندية والفهم المتبادل واحترام السيادة الوطنية، وصولًا إلى توقيع النسخة الأولى من وثيقة أولويات الشراكة، فى ٢٥ يوليو ٢٠١٧، التى حددّت مبادئ وأطر التعاون بين الجانبين حتى سنة ٢٠٢٠، ثم النسخة الثانية، التى تم توقيعها فى يونيو ٢٠٢٢، والتى ستوجه مسار التعاون بين الجانبين حتى سنة ٢٠٢٧، وننتظر، أو نتمنى، أن تنقل العلاقات بين الطرفين إلى آفاق أرحب، وأن تدفع دول التكتل الأوروبى، ومؤسساتها، والكيانات التابعة، إلى التخلّى عن عنصريتها، عدائيتها، ولعبها غير النظيف، لحساب الغير!