رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى اليوبيل الذهبى لنصر أكتوبر.. «بطولات جولدا» تتحطم أمام «أيام السادات»

تمر اليوم الذكرى الخمسون واليوبيل الذهبي لانتصارات أكتوبر المجيدة، اليوم الذي ما زالت إسرائيل بعد نصف قرن تتذكره بالألم والأسى والدموع، بعد هزيمة مذلة كان بطلها أبناء مصر من كافة الفئات والطبقات بقرار وتخطيط وتنفيذ مصري خالص، أثبت خلاله أبناء أرض الكنانة أنهم قادرون على تحقيق المستحيل وصنع المعجزات مهما كانت الظروف أو التحديات، وحطموا أسطورة الجيش الذي لا يقهر الذي روجت له إسرائيل طوال 6 سنوات لتفيق بعدها من أحلام السيطرة على كابوس انهيار خط بارليف ونقاطه الحصينة تحت أقدام الجندي المصري القادم من أعماق الريف والصعيد والنوبة ومحافظات الساحل والقناة.

وفي كل عام ومع حلول هذه الذكرى المجيدة تحاول إسرائيل التشكيك في هذا النصر، الذي ما زال حتى الآن تدرس معاركه وتكتيكاته في أهم المعاهد والكليات العسكرية كمعجزة على أي مقياس عسكري وقتها، بل بعض الأرقام ما زالت كذلك حتى الآن.

التشكيك الإسرائيلي أخذ أشكالا متعددة على مدى العقود الماضية، ما بين شهادات وكتب لمسؤولين إسرائيليين سابقين وتسريبات لوثائق سرية، ثم مؤخرا خلال السنوات القليلة الماضية توجه إلى الأعمال الفنية، في ظل الفقر الشديد لدى إسرائيل فنيا بوجود أعمال توثق وتخلد أي انتصارات عسكرية أو استخباراتية لهم على مصر، لتواجه به الأعمال المصرية الناجحة التي خلدت قصص نجاح مصر وأجهزتها الاستخباراتية وقواتها المسلحة مثل أبناء الصمت والرصاصة لا تزال في جيبي والعمر لحظة وبئر الخيانة وإعدام ميت، وفي الدراما  دموع في عيون وقحة ورأفت الهجان والحفار والثعلب والسقوط في بئر سبع والعميل 1001 وحرب الجواسيس.

لذا فقد انتبهت إسرائيل أو القوى المؤيدة لها مؤخرا إلى هذه النقطة، لتعمل على إنتاج وإخراج أعمال تحاول الترويج لنجاحات أو قصص بطولية لهم، كان من أبرزها فيلم الملاك الذي صدر عام 2018 الذي حاولت من خلال التشكيك في دور الراحل أشرف مروان بخداعه لهم  قبل حرب أكتوبر، ليقولوا إنه كان عميلا لإسرائيل وليس من أجل مصر، ثم مسلسل سينمائي بعنوان الجاسوس الذي يرصد قصة زرع الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في سوريا رغم أنه تم التوصل إليه وإعدامه، ثم مؤخرا في الذكرى الخمسين لنصر أكتوبر خرجت علينا بفليمين الأول فيلم باللغة العبرية بعنوان الرصيف بدا واضحا من المقطع الدعائي أنه يحاول رصد استجابة وبطولة جنود إسرائيليين عقب بدء عبور الجيش المصري لقناة السويس.

أما الفيلم الآخر فهو «جولدا» الذي قامت ببطولته النجمة الإنجليزية هيلين ميرين، والذي يقدم جزءا من سيرة ودور رئيس الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير خلال حرب أكتوبر المجيدة، وكيف كانت قرارتها ورؤيتها بعيدة المدى سببا في إنقاذ إسرائيل من مصير أسود وأنها استطاعت تغيير الدفة من الهزيمة إلى التفاوض.

ولكن فات صناع الفيلم أنه من حيث أرادوا نفي انتصار وبطولة الجيش المصري والسوري الشقيق، أثبتوها وبمشاهد متعددة خلال الفيلم ومنها مشهد جاء فيه على لسان جولدا مائير شخصيا أن السادات هو أول زعيم عربي يهزم اليهود في اعتراف واضح وصريح بهزيمتهم، بخلاف مشاهد الاستماع داخل غرفة العمليات إلى ما نقله اللاسلكي خلال الساعات الأولى للمعارك من انهيار الجنود الإسرائيليين، أو الجولة التي أجراها وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشيه ديان بالهليكوبتر ليصاب بالهلع والفزع من مشاهد الدمار التي لحقت بقواته، ليعود إلى تل أبيب في حالة يرثى لها مصابا بالإسهال كما أظهره صانعو الفيلم.

«جولدا» فشل في الأغلب ولم يحقق هدفه الذي كان يصبو إليه، على العكس مثلا من فيلم مصري مشابه هو «أيام السادات» الذي عرض عام 2001 أي قبل 22 عاما، والذي سجل سيرة حياة الزعيم الراحل محمد أنور السادات من البداية وحتى الاستشهاد، ولم يحاول الفيلم أن يظهروه ملاكا يعيش على الأرض كما سعى صناع "جولدا" وفشلوا، فقد استعرض الفيلم حياة ومواقف السادات المختلفة من تنقله في التنظيمات المختلفة خارج وداخل الجيش، أزماته الإنسانية، ندمه على الطريقة التي تعامل بها في بداية عمله السياسي، مشاركته مع الضباط الأحرار ودوره في ثورة 1952، وحتى الخلافات التي كانت موجودة في مجلس الثورة ورأيه في التعامل مع المعارك عام 1967، وبعدها والصعوبات التي واجهته مع مراكز القوى عقب توليه رئاسة الجمهورية، ثم التحديات التي واجهته خلال فترة الاستعداد للحرب ثم أزمة قرار الحرب نفسه، ثم انتصار أكتوبر وما تلاه من تحولات سياسية في المشهد الداخلي بمصر، وصولا لأزمة سبتمبر 1981 ثم استشهاده في يوم الاحتفال بالنصر العظيم في 6 أكتوبر 1981.

المقارنة بين الفيلمين اللذين يفصلهما 22 عاما، تشير إلى أن مبدأ اعتماد الضحية والمظلومية والملائكية لدى إسرائيل وداعميها أمر أصبح لا إراديا لديهم، وفعل خارج عن السيطرة لديهم، فلابد أن يكونوا هم الضحية والمظلومون في رواية الحدث من وجهة نظرهم، رغم أن روايتهم ولشدة حرصها على هذه النقطة تقع في التناقضات والاعترافات بكل ما يريدون نفيه، فتظهر كل الجراح التي يحاولون تضميدها ببطولات أو قدرات وهمية تتحطم على صخرة البطولات الحقيقية لجيش وشعب مصر، فبعد 50 عاما على نصر أكتوبر العظيم و22 عاما كفارق زمني بين العملين، تحطمت بطولات «جولدا» الزائفة أمام واقعية «أيام السادات»، ونعيش ودائما وأبدا ننتصر عليكم من الحرب حتى الفن، فيما تظلون أنتم في مظلوميتكم تقبعون.