رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة 26 سبتمبر

في عصر يتسم بالتقدم التكنولوجي السريع والاقتصادات القائمة على الابتكار، فإن الدول التي تستثمر في التكنولوجيا والبحث اليوم سوف تحدد قادة الغد. وإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم الثلاثاء الماضي (26 سبتمبر)، عن إنشاء 17 جامعة تكنولوجية، مدعومة بمساهمة ضخمة تقدر بـ500 مليون جنيه من صندوق "تحيا مصر"، ليس مجرد خبر - بل هو دعوة واضحة لمستقبل أكثر إشراقًا لمصر، من خلال تعزيز التعليم والابتكار والتنمية البشرية.

يقول الرئيس السيسي إن "سوق العمل في أشد الحاجة لمئات الآلاف من العاملين بمجال الرقمنة (…) وهدفنا حصول أبنائنا على منتج تعليمي جيد"، في إشارة إلى التزامه بشيئين، الأول: دراسة سوق العمل وتوفير متطلباتها لبناء بنية صناعية قوية، والثاني: اهتمامه ببناء الطالب المصري من خلال التعليم، وهو الأمر الذي يساهم في القوة الكلية لمصر، فمن خلال توجيه الموارد إلى قطاع التعليم التكنولوجي، تستعد مصر لتصبح قوة عالمية في مجال الابتكار والبحث.

تاريخيًا، كانت الجامعات التكنولوجية بمثابة العمود الفقري للابتكار في الاقتصادات الرائدة والنامية على حد سواء. إذ أنها لا تعد مجرد مؤسسات تعليمية؛ بل محاور تتحول فيها الأفكار إلى حلول ملموسة لتحديات المجتمع الملحة، ما يجعلها ليست مجرد أماكن للدراسة فحسب، بل كحاضنات للمستقبل، فهناك تركيز قوي على الأبحاث والابتكارات المتطورة. ومن المرجح أن تضم المؤسسات التي أعلن الرئيس عن إنشائها مختبرات متقدمة، ومرافق بحثية، وتجتذب بعضًا من ألمع العقول، محليًا ودوليًا.

يعكس الدافع لإنشاء هذه الجامعات نهجًا متعدد الأبعاد. فمن ناحية، تغطي الجامعات التكنولوجية في مصر 11 منطقة فقط، منها القاهرة الكبرى التي تضم جامعة القاهرة الجديدة التكنولوجية وجامعة مصر التكنولوجية الدولية، والوجه البحري الذي يضم جامعة الدلتا التكنولوجية وجامعة برج العرب التكنولوجية وجامعة طيبة الجديدة التكنولوجية، والدلتا التي تضم جامعة بني سويف التكنولوجية وجامعة سمنود التكنولوجية، والصعيد الذي يضم جامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية وجامعة السادس من أكتوبر التكنولوجية وجامعة شرق بورسعيد التكنولوجية. هذا يبرز الحاجة المتزايدة إلى جامعات إضافية لخدمة سكان المناطق الحالية والمناطق الحيوية الأخرى مثل سيناء والصعيد.

ومع ذلك، ما يميز الجامعات التكنولوجية بشكل فعلي هو الارتباط العميق بالصناعات الموجودة. من خلال تعزيز التعاون المستمر، تضمن هذه الجامعات أن تكون المعرفة التي يتم نقلها ذات صلة ومحدثة وقابلة للتطبيق مباشرة على احتياجات السوق. هذا يخلق علاقة متبادلة الفائدة، حيث تحصل الصناعات على المواهب الجديدة والحلول المبتكرة، في حين يحصل الطلاب على تجربة عملية في العالم الحقيقي وفرص أكبر للتوظيف.

وهناك سوابق كثيرة تسلط الضوء على القوة التحويلية التي تتمتع بها الجامعات التكنولوجية. لنأخذ على سبيل المثال حالة وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأمريكية، المرتبط بشكل وثيق بمؤسسات مثل جامعة ستانفورد. فالوادي ليس مجرد مركز اقتصادي، بل هو مسقط رأس عدد لا يحصى من عمالقة التكنولوجيا والشركات الناشئة على حد سواء. هناك أيضا التجربة الهندية، حيث لعبت المؤسسات التكنولوجية مثل المعاهد الهندية للتكنولوجيا دورًا فعالًا في دفع البلاد إلى طليعة صناعات تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات العالمية.

استثمار الرئيس السيسي في التعليم التكنولوجي يتجاوز الفوائد الملموسة المباشرة. إذ يعد استثمارًا في أغلى موارد مصر، وهو شعبها. ومن خلال تزويد الطلاب بالمهارات اللازمة للمهن التي يرتفع الطلب عليها، وتعزيز عقلية ريادة الأعمال، وبناء الجسور مع الصناعات، تستطيع هذه الجامعات إعادة تعريف المشهد الاقتصادي في مصر.

في الختام، فإن إنشاء هذه الجامعات التكنولوجية يشير إلى مستقبل أكثر إشراقًا لمصر. لا تقتصر رؤية الرئيس السيسي في بناء جامعات تكنولوجية على البنية التحتية فحسب؛ بل يتعلق الأمر بتمكين شباب البلاد، وتعزيز الابتكار، وضمان مكانة مصر البارزة على الساحة العالمية، وجذب المواهب والاستثمارات من جميع أنحاء العالم إلى مصر.