رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية تسع سنوات

حكاية هذا الوطن، حكاية مصر، طويلة جدًا، كتبها المصريون بدمائهم، عرَقهم، صبرهم، وتحملهم، غير أن الفصل الأبرز، الأهم، أو الذى نراه كذلك، هو الذى بدأ منذ تسع سنوات، فور تولى الرئيس عبدالفتاح الحكم، بعد أن كان قد قدّم، حين كان وزيرًا للدفاع، نموذجًا تاريخيًا، لكيفية استعادة الدولة، بشكل سلمى وحضارى، استجابة لإرادة شعب، كان منذ بداية الحكاية الطويلة، والمستمرة، سندًا لوطنه، وأشقائه العرب، والأفارقة، فى الحق والسلام والبناء والتعمير، لا فى الهدم والتخريب والتآمر.

الإجراءات والسياسات، وجهود دولة ٣٠ يونيو التنموية، طوال السنوات التسع الماضية، عززت مرونة وصمود الاقتصاد المصرى، فى مواجهة الظروف الاستثنائية، وجعلته أكثر قدرة على امتصاص الصدمات وتجاوز تأثيرات وباء كورونا وتداعياتها المتشعبة، أو ما ترتب على الأزمة الأوكرانية والمناخ السياسى الدولى المرتبك والمتغيرات الجيوسياسية التى يشهدها العالم حاليًا. ومع التطور الكبير الذى شهدته البنية التحتية، والتوسع فى إقامة المدن الجديدة والمشروعات القومية العملاقة، حققت قطاعات الصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، طفرة كبيرة، وزادت مساهمتها فى الناتج المحلى الإجمالى إلى ٣٠٪. كما حققت الصادرات السلعية غير النفطية ٣٥ مليار دولار، وتراجع معدل البطالة من ١٣٪ فى ٢٠١٤، إلى ٧.١٪، و... و... وأصبحت مصر، بشهادة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، «الأونكتاد»، ضمن أكبر١٠ اقتصادات نامية فى مجالات عديدة، وباتت تتحرك بقوة فى مشروعات الطاقة المتجددة.

فى دولة يسكنها ١٠٥ ملايين مواطن، يُضاف إليهم مليونان سنويًا، لا يمكن للحكومة، أىّ حكومة، أن تتعامل بسياسة رد الفعل مع الأزمات المفاجئة، والمستجدات اليومية الاستثنائية، التى قد لا توجد لها حلول تقليدية أو نمطية. بل إنها قد لا تتمكن من الحفاظ على استقرار الدولة، لو لم تكن لديها رؤية استباقية، وسياسات مرنة تمكّنها من دفع عجلة الإنتاج، أو استمرار دورانها، لتغطية احتياجات مواطنيها الأساسية، وضمان أمنهم الغذائى، وتوسيع مظلة حماية الفئات الضعيفة، أو المستضعفة، من المخاطر المحتملة، و... و... وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتى من السلع الاستراتيجية، واستيعاب الزيادة السكانية، وتوفير المزيد من فرص العمل.

هكذا، انتهت المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل، أواخر ٢٠١٩، لتبدأ فى أبريل ٢٠٢١، مرحلته الثانية، أو برنامج الإصلاحات الهيكلية، المقرر أن ينتهى فى أبريل ٢٠٢٦، الذى يستهدف خلال السنوات الثلاث المقبلة، المتبقية، زيادة حصيلة إيرادات الدولة الدولارية بحوالى ٧٠ مليار دولار، لتصل إلى حدود ١٩١ مليار دولار، من بينها ٨٨ مليارًا صادرات سلعية غير نفطية، ٢٠ مليارًا من السياحة، ٤٥ مليارًا تحويلات المصريين بالخارج، ١٣ مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة، ١٧ مليارًا عائدات قناة السويس والخدمات البحرية، و٩ مليارات دولار من خدمات التعهيد الخاصة بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

لو عدت إلى تقرير «الأونكتاد»، UNCTAD، الصادر فى يوليو الماضى، ستجد أن مصر تصدّرت قائمة الدول الإفريقية الأكثر جذبًا للاستثمارات الأجنبية سنة ٢٠٢٢، وجاءت فى المركز الثانى عربيًا بعد دولة الإمارات الشقيقة، والأولى من حيث نمو هذه الاستثمارات، التى نتوقع أن تشهد طفرة كبيرة، خلال الفترة المقبلة، يستهدفها برنامج الطروحات، الذى يهدف بالأساس إلى تمكين القطاع الخاص، وتوسيع مشاركة المستثمرين، المصريين والأجانب، فى ملكية عدد من المؤسسات العامة، التى ستُعاد هيكلتها وسيرتفع رأسمالها، وبالتالى سيزيد إنتاجها وستوفر مزيدًا من فرص العمل، وستسهم فى تعزيز دوران عجلة الاقتصاد، وتوفير مساحة مالية كافية، لتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية.

.. وأخيرًا، نرى أن ست خطوات فقط، أو ست سنوات، تفصلنا عن اكتمال بناء جمهوريتنا الجديدة، القائمة على العدالة الاجتماعية، ذات الاقتصاد التنافسى، المتوازن والمتنوع، الذى يعتمد على الابتكار والمعرفة، ويستثمر عبقرية المكان والإنسان، لتحقق التنمية المستدامة والارتقاء بمستوى المعيشة. وهذه، باختصار، هى «رؤية مصر ٢٠٣٠»، التى كان ينبغى على الفاعلين المختلفين، أو غير الفاعلين، الذين يصفون أنفسهم بالمعارضين، ونجاملهم حين نصفهم بالنقاد السياسيين، أن يشاركوا، جميعًا، فى تنفيذها، بدلًا من رفضها أو مقاومتها، أو محاولة عرقلتها، لشىء فى نفس بعضهم، أو تنفيذًا لتعليمات مستعملى البعض الآخر.