رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آل سليمان.. العائلة المتفجرة بالموهبة والعناد وحب السيطرة

آل سليمان
آل سليمان

فى يوم من أيام صيف ١٩٧٣ بينما يقضى العندليب الأسمر الإجازة فى فيلته على شاطئ العجمى، جاءه تليفون من طبيبه الشخصى الدكتور هشام عيسى يدعوه لحضور حفل زفاف ابنة شقيقته المقام فى منزل العائلة على مقربة من مكان إقامة عبدالحليم.. العندليب المعروف عنه حبه مجاملة أصدقائه فى أفراحهم ذهب دون تردد إلى مكان الحفل العائلى.. حينها كان صاحب الحفل قد اتفق مع متعهد حفلات سكندرى اسمه أحمد فرغلى على عمل فقرات فنية لملء فراغ الحفل.. فكان الاتفاق بين فرغلى وأخين سكندريين، الأول موسيقى شاب اسمه محمد على سليمان، خريج معهد الموسيقى بالإسكندرية، وأخوه الأصغر الذى لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره واسمه عماد الدين على سليمان، وكان يستعين بهما المتعهد فى حفلات وأفراح العائلات السكندرية «على الضيق» مقابل جنيهات قليلة تساعد الأخوين على تحمل أثقال الأسرة ماديًا.. حيث كانت تعانى من حالة فقر، من الممكن وصفه بالمدقع.

دخل حليم إلى الفرح أو الحفل ليجد عماد الدين الطفل الصغير الذى لم يدخل طور المراهقة بعد يغنى بتطريب جميل خطف قلبه.

حليم فى تلك الأوقات كان يعرف فى قرارة نفسه أنه يعيش سنواته الأخيرة بعد أن بدا له أن مخزون المعافرة مع مرضه العضال قد قارب على النفاد.. ورأى فى الأغلب أن هذا الطفل فقير الهيئة عظيم الموهبة خليفة محتمل يمكن أن يحمل على كتفيه اسمه لسنوات قادمة مديدة بعد ذهابه إلى الشاطئ الآخر. همس حليم فى أذن الأخ الأكبر محمد واتفق معه على أن يحمل موهبة أخيه على كتفه ويقابله فى القاهرة «مركز الكون» بعد أيام وأسرّ له نيته أن يقدم عماد فى حفل عيد الربيع القادم ليكون مفاجأته للجمهور.

محمد على سليمان الشاب اقتنص الفرصة وبدا له أن أبواب الحظ فُتحت على مصاريعها لمشروعه الفنى الذى يعتمد بنيانه على موهبة أخيه الصغير فى الغناء وموهبته هو فى الموسيقى.

فى تلك الأثناء كان محمد قد وهبه الله «حسًا» آخر فى الدنيا بعد أن أنجبت زوجته قبل هذا الموقف بشهور قليلة ابنته الأولى.. سماها أنغام تيمنًا بعشقه وشغفه ومهنته التى ما زال يحبو فيها.

ترك محمد زوجته وابنته الرضيعة واصطحب حلمه الكبير وأخاه إلى القاهرة، حيث النقطة التى تتجمع فيها أحلام أبناء الأقاليم مستعدة للانطلاق.. وعلى ما يبدو فقد تمثل أمام محمد الشاب الموسيقى اليافع مشروع فنى عائلى ضخم.. وها هو أهم مطرب فى تاريخ مصر يقرر أن يكون هو الأساس المتين الذى يحمل هذا المشروع على كتفيه.

ولم تكن رضيعته، التى ما زالت تلقف بفمها ثدى أمها، ببعيدة عن مشروعه المزمع، بل كان مكانها محجوزًا فى خياله بجوار عمها عماد ليصبح آل على سليمان حديث الناس فى القاهرة، عاصمة الفنون.. كما كان يتخيل محمد.

لكن ولأن القدر دائمًا لديه ألعابه المفاجئة فقد غرس محمد، دون أن يدرى، أول خنجر فى جسد مشروعه الوليد وهو فرض سيطرته بقبضة حديدية وديكتاتورية خانقة على أخيه عماد وهى نفس القبضة التى ستخنق وليدته أنغام لاحقًا بعد أن تشب عن الطوق وتلتحق بركب المشروع العائلى.

ومع الوقت يتحوّل المشروع الفنى العائلى الواعد إلى ما يشبه اللعنة التى لحقت بالعائلة السليمانية.. وفى كل ذلك كانت الصحافة الورقية حاضرة لترصد بداية ذلك المشروع الثلاثى بين محمد وعماد وأنغام، وترصد أيضًا إرهاصات تفسخه وتدميره بفعل الاكتئاب والعناد والموت.

عماد عبدالحليم.. لعنة العندليب وسجن الأخ الأكبر

عماد أصبح وصيًا على نفسه.. كان هذا هو عنوان تقرير قصير نُشر فى مجلة «الموعد» اللبنانية الصادرة يوم ١ سبتمبر ١٩٧٧، أى بعد وفاة العندليب الأسمر بخمسة أشهر فقط.. الخبر يقول: إن عماد قد أكمل هذا الأسبوع الثامنة عشرة، ومن ثم يستطيع أن يمضى العقود الفنية بنفسه، ونوه الخبر إلى أن بوادر الخلافات قد ظهرت مبكرًا بين عماد وعائلته، خاصة شقيقه العازف فى الفرقة الماسية الذى يريد أن يفرض وصايته عليه، على حد قول المجلة.

فى هذا التاريخ المبكر ظهرت الثغرة التى ستنخر فى جسد المشروع الفنى العائلى، وهو الشعور بالاستحقاق التام من الأخ الأكبر والأستاذ محمد على سليمان لنصيبه فى أى نجاح يحققه أخوه الصغير.. وكان مبرره المنطقى، من وجهة نظره، أنه صاحب المشروع وأدرى الناس بما قد يحتاجه لتحقيق النجاح.

وجد الفتى نفسه من ناحية محاصرًا نفسيًا من أخيه الكبير، ومن الناحية الأخرى مسجونًا فى سجن براق لكنه موحش اسمه «خليفة العندليب».

على الرغم من تلك الهبة الكبيرة التى مُنحت لعماد المراهق السكندرى بالقرب من أهم مطرب عربى على الإطلاق، لكنها كانت هبة مزدوجة أو سلاحًا ذا حدين.. له نصل حاد بتر أحلام الفتى فى الإحساس باستقلالية موهبته الجبارة بعيدًا عن ربطها الدائم بعبدالحليم حافظ الذى منحه اسمه.. وأودعه سجنه دون قصد.

ثم جاءت سنة ١٩٧٧ لتحمل لعماد وللأمة العربية لطمة كبيرة بوفاة العندليب الذى ترك فراغًا شاسعًا فى ساحة الفن العربى بالتأكيد، وترك أيضًا الفتى عماد فى حالة حيرة وتخبط لم يتوقعه، فقد وجد نفسه رهينة اسمه، كما وجد فلاشات الكاميرات الصحفية موجهة عليه فى إطار تأبين العندليب وليس لكونه مطربًا مصريًا عاش فجيعة فقد عبدالحليم مثل باقى المطربين.. وصارت كل حوارات عماد الصحفية تقريبًا تدور فى فلك سؤال واحد متعلق بخلافته للمطرب الراحل حديثًا.. وذكرياته معه وعلى سبيل المثال تجد عنوان حوار «الموعد» فى عدد ٤ أغسطس ١٩٧٧.. أى بعد أسابيع قليلة من وفاة العندليب بالنص: «هل يكون عماد هو المطرب المنتظر؟» مع صورة رئيسية متوقعة للموضوع، وهى صورته مع حليم.

الأمر لم يتوقف عند صدمة الرحيل فقط بل إنه فى كل ذكرى سنوية لعبدالحليم بعد ذلك يتكرر السؤال بصيغ مختلفة لعماد عن علاقته بحليم وتفرد له الصفحات ليحكى ما هو معروف وحكاه عشرات المرات.. ولنفهم الأمر أكثر نطالع نفس المجلة «الموعد» فى السنتين التاليتين على الوفاة.. ففى ١٩٧٨ كان عنوان موضوعها الرئيسى وغلافها «عماد عبدالحليم ووجوه الشبه العديدة بينه وبين عبدالحليم».. ثم فى ١٩٧٩ فى ذكراه أيضًا موضوع المجلة الرئيسى على ٧ صفحات مصورة لعماد عبدالحليم فى زيارة قبر العندليب والعنوان الرئيسى «عماد عبدالحليم يعايش فى أحلامه العندليب الأسمر».

وهكذا ظل عماد محبوسًا فى تلك الزاوية التى فُرضت عليه من الجميع، ليس صحفيًا فقط بل فنيًا أيضًا، حيث اشترك الكل، دون قصد، فى إحكام باب سجن العندليب عليه عبر حصاره الدائم فى أدوار عبدالحليم بعد أيام من وفاته فى الإذاعة أو التليفزيون عبر مسلسلين يرصدان حياة العندليب.. وليس هذا فحسب بل إن هناك واقعة بطلها مخرج الروائع «حسن الإمام» الذى قرر أن يعيد إخراج فيلم «الخطايا» ويكون بطله عماد بنفس دور عبدالحليم الذى أداه قبل ١٥ عامًا، وعندما ذهب عماد إلى «الإمام» وجده يعطيه عقد الفيلم ويطلب منه الإمضاء على دور «الخطايا».. لكن «الإمام» فوجئ بالفتى يرفض التوقيع قبل الاطلاع على سيناريو الفيلم وهو ما أقام ثورة المخرج الكبير الذى قال له ما معناه كما ذكرت مجلة «الموعد»: «كيف تجرؤ على مناقشتى فى أمر كهذا وأنت لم تخرج من البيضة بعد؟» وهذا التعبير بنص ما ذكرته المجلة على لسان حسن الإمام. 

بالطبع ثورة الإمام على عماد عبدالحليم أظهرت للمطرب الشاب حقيقة حزينة بالنسبة له وهى صعوبة تقبل الجميع له خارج عباءة عبدالحليم.. حتى لو صنع المعجزات فى دنيا الفن.. وللأسف لم يجد حضن أخيه الأكبر ومعلمه الأول محمد على سليمان دافئًا متفهمًا يبث إليه قلقه وضيقه.. بل على العكس أجهز محمد، دون أن يدرى، على طاقة عماد عبر سلسلة من المشكلات التى تولدت من رغبته فى فرض سيطرته عليه بعد وفاة العندليب.. وإلا فلا شىء.. فكان الطريق الوحيد المفتوح حينئذ لعماد هو الطريق إلى نهاية مريعة فى التسعينيات بجرعة زائدة من الهيروين ممزوجة بجرعة أكبر من الاكتئاب والخذلان.

محمد علي سليمان.. سبع صنايع.. والبخت ضايع بتمرد الحبايب

«أنا إنسان» غناء وتلحين وعزف وتوزيع الفنان الشامل الموسيقار الشاب محمد على سليمان.. الجملة السابقة كانت هى الصيغة الدعائية التى اعتمدتها شركة إنتاج فنى بداية الثمانينيات باسم «إيست ويست العالمية للفنون» لأحدث شرائطها المنتجة للموسيقى السكندرى محمد على سليمان، الذى كان يعرف همسًا بأنه أخو عماد عبدالحليم.

شريط «أنا إنسان» كان عملًا فنيًا جميلًا بالفعل ومناسبًا لطبيعة أغانى محمد الشجنية التى صبغت أغلب جمله اللحنية وهى صيغة محببة للأذن المصرية العاشقة للشجن بطبيعتها.. ولو رصدنا الصفحة الإعلانية للشركة الوليدة منتجة الشريط التى نشرت فى مجلة «الشبكة» اللبنانية، المجلة الأكثر انتشارًا وتوزيعًا فى ذلك الوقت، ربما نضع أيدينا على معضلة كبير آل سليمان، وربما تفهمنا أيضًا ما قد يكون شعر به الرجل المعجون بالموهبة دون أن يجد المكانة التى تستحقها تلك الموهبة.

التقرير الإعلانى المنشور فى عدد ٢٣ مارس ١٩٨١ يقول إن الشركة تقدم صوتين جديدين هما «الصوت المصرى الصميم الفنان محمد على سليمان والمطرب اللبنانى وليد توفيق الذى يتميز بلون مصرى لبنانى فى الأداء.. وهذه مساهمة من الشركة فى تقديم أصوات جديدة جيدة وينتطر لهذين الصوتين أن يلمعا بين نجوم الفن فى سماء مصر فى السنوات المقبلة».

نبوءة الشركة تلك تحقق نصفها فقط، وهو النصف الخاص بالمطرب اللبنانى وليد توفيق الذى كان هذا الشريط الذى أنتجته الشركة فاتحة خير عليه وتلقفته يد السينما المصرية فى الثمانينيات، وأصبح بطلًا لأكثر من فيلم مصرى كبير حينها بدأها بفيلم «مَن يطفئ النار» الذى أُنتج فى السنة التالية لنزول إعلان الشبكة، أى سنة ١٩٨٢، وكان اسم وليد توفيق على الأفيش يماثل فى الحجم والشكل اسم وحش الشاشة فريد شوقى وفتاة السينما الجديدة آثار الحكيم.

وهكذا وجد المطرب، اللبنانى والسورى الأصل، القاهرة تأخذه بالأحضان بداية الثمانينيات مع أن مشواره الفنى بدأ فى سوريا ولبنان فى العقد السابق وهو السبعينيات، بينما المطرب المصرى الذى زامله على نفس إعلان الشركة المنشور فى مجلة «الشبكة» قد انزوى فنيًا فى حجم لا يناسب مواهبه الكثيرة الفياضة، خاصة أن تلك الحقبة شهدت حالة فتور ومشكلات أشبه بقطيعة مع أخيه الأصغر عماد، الذى كان يمر هو الآخر بحالة عدم توازن وعدم رضاء عن الموجة الجديدة فى الغناء التى تزعمها حميد الشاعرى بمطربيه الكثر، التى اعتمدت على حد قول عماد فى هجومه المتواصل على الرقص أكثر من التطريب.

وبالرجوع إلى محمد الذى كان بالتأكيد يتمنى أن تكون فكرة «الفنان الشامل» التى أبرزتها الشركة المنتجة للألبوم الأول له بديلًا عن فكرة «المشروع الفنى العائلى» الذى يواجه صعوبات بفعل تمرد أخيه عماد الذى كان بالفعل هو عماد المشروع بالفعل.. لكن ظهرت بارقة أمل لمحمد ظهرت لإحياء المشروع العائلى مرة أخرى فى بداية الثمانينيات عبر بنت التسع سنوات ابنته الصغيرة أنغام.

أنغام.. وإنت السبب يابااا

كان طبيعيًا أن يلقى الموسيقار الشاب محمد على سليمان رهاناته كلها على كتف ابنته الطفلة صاحبة الموهبة الخلابة لإنقاذ مشروعه الفنى العائلى بعد فشله فى إخضاع أخيه عماد للعمل تحت لوائه وفشله أيضًا فى حمل المشروع الفنى على كتفيه وحيدًا معتمدًا على تعدد مواهبه الفنية ربما لافتقاده الكاريزما والقبول الجماهيرى الذى تمتع به أخوه.. فكان الظهور الأول لأنغام فنيًا من خلاله عن طريق أغنية «بنتى حبيبتى»، وهى للمفارقة تتحدث كلماتها عن محاولة أنغام الطفلة فى الصلح بين أبيها وأمها نتيجة إساءة معاملته لها، وهو نفس السبب الحقيقى الأول كما سنرى فى تدمير العلاقة بين الأب وابنته.

صحفيًا هناك لمحة لا تخطئها العين فى تبيان تسلط الأب وديكتاتوريته مع طفلته الصغيرة دون أن يدرك أنها قد أصبحت نجمة، ومن حقها أن تشعر بذلك، وعلى سبيل المثال سنجده حاضرًا فى حوار مجلة «الكواكب» مع المطربة الشابة حينها فى نهاية الثمانينيات، والتى كانت تجنى ثمار النجاح الساحق لأغنيتها «فى الركن البعيد الهادى»، حيث أفردت المجلة حوارها على صفحتين وسألتها أربعة أسئلة تداخل الأب فيها، وأجاب عن سؤالين منها، وهذا ليس كلامى بل كلام محرر «الكواكب» مجرى الحوار محمد مكاوى الذى سأل أنغام بنت الـ١٧ عامًا، سنة ١٩٨٩ عن أسباب نجاح أغنية «فى الركن البعيد الهادى»؟ وأجابت المطربة إجابة عادية من وجهة نظرها، لكنها لم ترضِ، على ما يبدو، والدها الجالس بينها وبين الصحفى ويسرق طرف الحوار من ابنته وهذا نص ما كُتب فى المجلة حينها: «يتدخل والد أنغام، محمد على سليمان الذى كان جالسًا يتابع ابنته وهى تتحدث قائلًا: أضف إلى ذلك باقى المقومات الأخرى، مطربة جديدة، تغنى الغناء التقليدى، وسط الأغانى الخفيفة.. إلى جانب فكرة الكلام الحلو وترابط الحدث الدرامى فى الأغنية وأيضًا التوقيت الذى ظهرت فيه هذه الأغنية».

ثم يسأل صحفى «الكواكب» أنغام سؤالًا آخر يقول: «يأخذ البعض على أنغام ظهورها فى سن مبكرة جدًا وقبل اكتمال موهبتها الفنية؟»، ولكن الأب كالعادة يأخذ بناصية الحوار ليجيب هو بمنتهى العنف الفائح من الإجابة الجافة عن سؤال الصحفى قائلًا: «أنغام من المطربات القديمات جدًا أرجو كتابتها على لسانى، فأنا أعد أنغام للغناء قبل أن تغنى ياسمين الخيام بعشر سنوات.. ولك أن تعرف أن أكبر مبيعات كاسيت كانت لهذا الشريط ووصلت مبيعاته إلى ثلاثة ملايين شريط. وأنغام اعتُمدت كمطربة وعمرها ١٦ سنة فى الوقت الذى رفضت فيه اعتماد سيمون وحنان ومنى عبدالغنى مطربات والتليفزيون الذى يعتمد على٥٠٪ صورة، و٥٠٪ صوتًا والموسيقار محمد عبدالوهاب نفسه بمجرد أن سمع أنغام اتصل بنا وهنأها على أداء أغنية (بسبوسة) التى غنتها المطربة العظيمة شادية وهو يردد دائمًا أن أنغام من الأصوات المصرية الجميلة، وأنا أقول إن أنغام واحدة من أكبر المطربات فى مصر».

على الرغم من تلك الصيغة الدفاعية التى ميزت كلام محمد على سليمان عن ابنته، لكنها أوحت بمدى السيطرة والتحكم فى كل مقادير البنت ومستقبلها الفنى المشرق.. لكن الذى حدث بعد ذلك لم يكن على هوى الأب، حيث بدأت الابنة تحذو حذو الأخ فى تمرده على سلطة أخيه قبل سنوات، ودخلت أنغام وأبوها نفقًا مظلمًا من العلاقة السيئة التى تغذيها تصريحات عدائية من الأب وقليل من الردود من جانب الابنة، لكن يبقى أصدق ما قالته أنغام عن مشكلتها مع أبيها ما قالته باستفاضة مؤخرًا فى آخر حوار لها عبر اليوتيوب مع إعلامى إماراتى.. وهنا أتوقف عند جملة عارضة فى الحوار هى فى الواقع مفترق الطرق فى تلك العلاقة المُلتبسة، حيث حكت أنغام عن أول مرة وهى طفلة عندما وجدت أباها يضرب أمها ضربًا مبرحًا، فإذا بها تلتصق فى الحائط وعندما حاول الأب بعد فورة عصبيته أن يُقبل طفلته ليهدئ من روعها صدته لأول مرة فى حياتها وقالت له: «لأ مش عايزة»، على حد قول أنغام.

فى الغالب بقى هذا الموقف هو حجر عثرة الذى أطلق لجام تمرد أنغام على سلطة الأب القاهرة المتداخلة فى كل حياتها.. وبقى قرارها بالانفصال عنه فنيًا على الأقل مسألة وقت ولم يتأخر كثيرًا حتى وجد محمد على سليمان نفسه يقف نفس الموقف الذى وقفه مع أخيه الصغير قبل سنوات عندما تمرد على سلطته، وأصبح يعرف أن أنغام تعاقدت على أغانٍ جديدة وملحنين جدد من الجرائد، وهو ما عمّق إحساسه بخذلان أحبائه له لثانى مرة ورأى بعينيه انهيار مشروعه العائلى للأبد.. وفشلت كل محاولاته لاستعداء الجميع على ابنته، وهو ما واجهته أنغام بمنتهى الجمود وعدم الإحساس بالذنب.. وكلما تحدث الأب عمّق الهوة أكثر مع ابنته.. وجاءت الوفاة المأساوية للعم والصديق الأقرب لأنغام وهو عماد عبدالحليم منتصف التسعينيات لتجهز على كل شىء طيب بين أنغام ومحمد على سليمان، حيث حمّلته ذنب وفاة عماد بعد أن خذله وتركه يواجه الموت اكتئابًا وكمدًا عندما فقد الأمل فيه وأصبح غير مهم فى مشروعه العائلى الفنى.