رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الهجمة الشرسة الجديدة التى تواجهها مصر

- حقيقة انتخاب السيسى لفترة جديدة تصيب رعاة الحملة بهستيريا زاعقة لأن هذا يعنى أن تكمل مصر طريقها على المستوى الدولى اقتصاديًا وسياسيًا

- المتابع لملف المياه بشكل موضوعى يدرك أن الدولة المصرية فى طريقها لحسم الملف بما يتوافق مع وعدها للمصريين

- الدولة تقوم بتحديث نظام كامل فى مواقع أثرية وسياحية ويحدث أن يقع خطأ هنا أو هناك فتنطلق حملات تشويه وتسفيه لكل شىء

- بكل أسف انضم طواعية كثيرٌ من المصريين لهذه الحملة وقاموا بفتح صفحاتهم لسهامها وخناجرها من قبيل أنها «فكاهة»

فى الفترة الماضية حققت مصر نجاحًا اقتصاديًا على المستوى الدولى تمثل فى حضورها القوى وانضمامها لكيانات اقتصادية دولية مهمة. تزامن ذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية ووجود توجه شعبى مصرى- على نطاق الكتل التصويتية الشعبية الكبرى- لانتخاب الرئيس السيسى لفترة رئاسية جديدة. وثالثًا اقتراب أحد الملفات المهمة من الحسم، وهو ملف المياه وبشكلٍ يتوافق مع ما وعدت به القيادة المصرية شعبها- تصريح رئيس وزراء إثيوبيا الأخير يوضح التغير الكبير فى موقف بلاده- وبقى فقط إخراج المشهد النهائى للعلن! 

هذه المشاهد الثلاثة مجتمعة أثارت موجة جديدة من الهجوم المنظم الموجه للدولة المصرية، الذى تكشفه مئات الصفحات الجديدة التى تم تدشينها على مواقع السوشيال ميديا والتى تعمل جميعها فى اتجاه واحد لتحقيق هدف واحد هو نشر حالة شعبية من الإحباط وتسفيه وتشويه هذه الملفات الثلاثة تحديدًا. فى الأيام الماضية قمت بتجربة مثيرة لمحاولة متابعة بعض هذه الصفحات، خاصة تلك التى حملت عناوين كوميدية ساخرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر «ألش لا بأس عليك- صاحب السعادة»، صاحبتا الانتشار بين بعض قطاعات من المصريين! نفس الصور والتعليقات منشورة فى نفس التوقيتات! اختيار لقطات من أعمال سينمائية أو درامية محببة وذات شعبية بين المصريين، وتطبيق نظريات علم النفس بالإلحاح والتكرار لخلق حالة اعتياد شعبى وقبول نفسى لما يتم ترويجه! هذا يثبت أن القائمين على تلك الصفحات ليسوا أفرادًا عاديين، إنما هناك عمل مؤسسى علمى منظم!

 

اختار القائمون خلف هذه الحملة إنجازات بعينها وقرروا وضعها هدفًا للتشويه وإقناع المصريين بأنها وهمٌ ولم تتم رغم اليقين بأنها إنجازات تحققت على الأرض بالفعل! من تلك الإنجازات ملف استصلاح الأراضى الذى وضعته الدولة المصرية منذ سنوات هدفًا استراتيجيًا، والذى تحقق بالفعل أكثر من نصفه، سواء بضم أكثر من مليون ونصف المليون فدان واستصلاحها، أو بالانتهاء من البنية الأساسية لباقى المساحة الإجمالية المستهدفة، وهى أربعة ملايين أفدنة! محاولة خداع غريبة تحاول نفى ما هو قائم بالفعل على الأرض! 

الملف الثانى هو ملف الانفجار السكانى فى مصر! فعلى الرغم من أن جميع الدراسات والبيانات والحقائق تؤكد أن مصر من كبرى الدول فى نسبة النمو السكانى، وبرغم أن هذه النسبة هى السبب الحقيقى الأهم وربما الأوحد فى حالة الإرهاق الاقتصادى الذى تعانى منه الدولة المصرية فى العقود السابقة، ورغم أن استمرار هذه النسبة يهدد بإجهاض كثيرٍ من خطط الدولة المصرية وجهدها فى التنمية، ورغم أن كل هذا من بديهيات الأمور فإن هذه الصفحات تحاول إقناع المصريين بعكس ذلك! تحاول إقناعهم بأن الزيادة السكانية ليست هى السبب فى أزمة مصر الاقتصادية، وتحاول الإلحاح على جملة من الأكاذيب التى تم غرسها فى العقل المصرى الجمعى فى العقود السابقة من أن هذه الزيادة هى ثروة بشرية لم تتمكن الإدارات المتعاقبة من حسن استغلالها! يلقون بكل الحقائق على قارعة الطريق وينضمون إلى بعض بقايا الأصوات الدينية التى تروج للفكرة نفسها! يتناسون أن أربعين مليونًا من المصريين هم فى سنوات التعليم المختلفة ولا يمكن أن يمثلوا سوى عبءٍ ضخم على كاهل الدولة الملتزمة بمجانية مراحل التعليم حتى الجامعى! متابعتى لما يتم نشره بشكل متزامن وملح، يؤكد بشكل بديهى أن الهدف هو إفشال رؤية الدولة المصرية فى السيطرة على الانفجار السكانى، والإبقاء على مصر فى حالة ركض عبثى لمحاولة مجاراة هذه الزيادة الرهيبة مجاراة خدمية معيشية ليس إلا! هذا الهدف يمكن وصفه بأنه هدف استراتيجى عدائى ضد مصر يتم العمل بقوة على تحقيقه عن طريق العبث بالعقل المصرى الجمعى!

 

المتابع لملف المياه فى العقود الأخيرة بشكل موضوعى، يدرك أن الدولة المصرية فى طريقها لحسم الملف بما يتوافق مع وعدها للمصريين، وأن مجرد بناء السد لا يمثل هزيمة لمصر، لأن مصر لا تقف حجر عثرة ضد التنمية فى أى بلد إفريقى، وأنها قد ساعدت بالفعل فى إنشاء مشاريع فى دول منابع النيل، وأن ما تهدف إليه مصر هو الدفاع عن حقوق مصر العادلة قانونًا وتاريخًا، وأنها لا تملك رفاهية السماح لأى جهة أو دولة بالمساس بتلك الحقوق، وأن الدفاع عن هذه الحقوق مسألة مصيرية مبدئية محسومة لدولة تعانى من الفقر المائى ولا تملك مصدرًا للحياة غير مياه النيل، ثم الهدف الثانى هو إعمال القانون الدولى واحترام المعاهدات الدولية الموقعة بالفعل، ولن يتم ذلك دون توقيع اتفاق قانونى ملزم لجميع الأطراف. من يتابع تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى الأخيرة يدرك بشكل واضح أن هناك تغيرًا فى موقف دولته، وأن هناك توقعًا بحسم الملف بشكل سلمى قانونى حتى لو خرج ذلك بشكل يحفظ ماء وجه حكومته هناك!

لكن هذا الاتجاه لا يُرضى القائمين على تلك الحملة الراهنة ضد مصر، ولا يرضى الرعاة الرسميين لهؤلاء! لذلك فهذا الملف وهذا الموقف الأخير تحديدًا بدأ يتم ترويجه بشكل موجه للرأى العام المصرى؛ بغرض إثارته ونشر حالة إحباط وترويج كاذب لهزيمة الدولة المصرية! وهؤلاء يعملون على استغلال حالة الارتباك المعلوماتى لدى قطاعات من المصريين عن الملف من بدايته حتى الآن! 

إذا كان ممكنًا التماس العذر لبعضنا من عوام المصريين فى السقوط فى هذا الفخ، لكن المستغرب هو أن ينضم طواعية لمن يروجون هذه الرؤية أحد الأكاديميين الرسميين ممن يتحدثون عن الملف بشكل شبه يومى وتنقل عنه تقريبًا كل المواقع الإعلامية! هذا الأستاذ الأكاديمى خرج بالأمس على المصريين بتصريحات هى الأغرب من نوعها! تصريحات تحاول نفى ما ذكره الطرف الإثيوبى ذاته! قال هذا الأستاذ نصًا: «لا يمكن أن يعنى رئيس الوزراء الإثيوبى أن هذه هى نهاية الملء والتعلية لأن هذا يعنى تغير موقف بلاده.. إلى آخر التصريح!» كنتُ أتابع تصريحات هذا الأستاذ الجامعى بإحدى جامعات مصر الكبرى، وتوقعت أن يحاول تقديم تصريحات الجانب الإثيوبى بشكل مختلف تمامًا عما قام به! فهو كأكاديمى مصرى كان يجب عليه تقديم رؤية وطنية بأهمية هذا التصريح الأخير ووجوب تمسك الدولة المصرية به وتفعيله فى المفاوضات! لكن هذا لم يحدث، فنقلت عنه تقريبًا كل المواقع الإخبارية!

 

من سيحسم معركة الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة؟ هناك من يرون المشهد المصرى من خلال صفحات السوشيال ميديا، أو من خلال بعض النشطاء الذين يشاهدون مصر من أبراج عاجية وينظرون للشأن المصرى من خلال إكليشيهات قديمة خرجت من سياق الواقع المصرى! وهناك من يرون المشهد المصرى على الأرض وجابوا قرى مصر ونجوعها وأزقتها ومدنها بمختلف مستوياتها الاجتماعية. الفريق الأول- من وجهة نظرى- يعيش فى مجموعة من الأوهام سوف يستفيق منها فقط أيام التصويت! الفريق الثانى يختزن دائمًا فى ذاكرته الماضى القريب منذ عشر سنوات بكل مشاهده، ويضع هذه المشاهد وجهًا لوجه مع مشاهد الحاضر الآن فى نفس الأماكن والبقاع المصرية! الفارق بين اللحظتين- منذ عشر سنوات والآن- هو ما سيحسم معركة الانتخابات الرئاسية! فكرة تخويف المصريين من مشاهد الفوضى والخراب والدم عامى ٢٠١١م و٢٠١٢م لا مكان لها فيما أقصده! لا حاجة لاستخدام هذه الفكرة- رغم حقيقيتها وعدالتها- فى محاولة حسم المعركة! لكن ما أقصده هو التغيير الذى حدث فى مختلف مناطق مصر الجغرافية فى هذه السنوات العشر. ربما ينسى أو حتى يحاول أن يتجاوز المتحزلقون من أصحاب الأبراج العاجية هذا التغيير، لكن الذين جنوا ثماره أبدًا لن ينسوه! المصريون الذين عايشوا هذا التغيير يمثلون الكتلة الأكبر من المصريين، وهؤلاء هم من سيحسمون المعركة! قابلتُ صنايعية من شباب مصر من محافظات مختلفة يعملون فى توشكى وتحدثت مع بعضهم، وأدركت أن مصر قد بدأت طريق التغيير الفعلى! الذين جنوا ثمار التغيير يبلغ تعدادهم ملايين ممن يملكون حق التصويت!

الآن وقبل المشهد الانتخابى بأشهر، يمكننى أن أخوض المغامرة وأن أراهن بتوقعات بمشاهد ونتيجة الانتخابات إن شاء الله وشهدتها! سوف تفوق نسبة التصويت نسبة الانتخابات السابقة! سوف تصوت كتل أكبر من نساء مصر فى القرى والنجوع! لن يعزف عن التصويت شباب مصر من الطبقات الوسطى! سوف يعرض عن التصويت بعض أصحاب المال والأعمال ممن لم يجدوا ما كانوا يحلمون به من امتيازات فى عهود سابقة! سوف تكون نسبة تصويت ما كان يسمى بالكتلة الصامتة هى الأكبر! 

حقيقة انتخاب السيسى لفترة جديدة تصيب رعاة الحملة الجديدة بهستيريا زاعقة، لأن هذا يعنى أن تكمل مصر طريقها على المستوى الدولى اقتصاديًا وسياسيًا! وأن الملفات التى تم العمل على إضاعة الوقت لتسويفها لما بعد عصر السيسى، على أمل أن تكون هناك فترة خلخلة سياسية فى مصر لفرض ما يريد هؤلاء الرعاة فرضه على مصر، انتخاب السيسى يعنى أن تستكمل مصر حسم هذه الملفات! وأن تلقى مصر إلى سلة مهملات التاريخ كل ما بذله هؤلاء من محاولات إضاعة الوقت فى السنوات الماضية!، وهذا سوف يجعل من الأشهر القليلة المقبلة أشهرًا غير عادية فى اشتداد تلك الحملة!. إننى أعتقد أن السيسى نجح فى نقل الحكم لمرحلة المؤسسية، وأن مصر لديها الآن خطة عمل وإدارة وحكم ورؤية لعقودٍ قادمة!، لكن الفترات التى تتخلل الانتقال من إدارة إلى إدارة جديدة تكون عادة فترات انتقالية رخوة فى سياسيات أى دولة، ومن الأفضل أن يتم حسم بعض الملفات قبل أو بعد هذه الفترات!، ولدى مصر عدة ملفات يجب أن تُحسم أو تُستكمل، وهذا الرجل فى سدة الحكم. من تلك الملفات وأهمها هو استكمال مشروع الأربعة ملايين فدان، وملف المياه، وملف استكمال إعداد الصفين الثانى والثالث من القيادات الإدارية والمحلية والسياسية، واستكمال ملف تصويب مسار الخطاب الدينى ومسار وطرق عمل بعض المؤسسات الدينية!

 

من المثير فى قيامى بتجربة متابعة بعض تفاصيل ومشاهد ومنابر تلك الحملة الشرسة، هو السهولة التى يُخدع بها بعض المتعلمين والمثقفين المصريين، وتطوعهم بالانضمام لخندق تلك الحملة!، أن يتحول أحدنا- سواء كان يدرك ذلك أم لا يدركه- لجندى فى كتيبة الطابور الخامس الموجه لبلاده! الحجج واهية وغير مقنعة. جملة أننا نهاجم النظام ولا نهاجم البلاد أصبحت مستهلكة وخارجة عن السياق!، فحين يروج أحدنا مشاهد كوميدية مثلًا تسفه من استصلاح الأراضى أو تتهم ضمنًا أجهزة سيادية مصرية فى ولائها الوطنى، حين يفعل أحدنا ذلك يصبح لا مجال هنا لفكرة التفريق بين النظام وبين البلاد!، فاستصلاح الأراضى هو هدف وطنى وإنجاز وطنى، والمساس بأى مؤسسة وطنية سيادية لا علاقة له بفكرة المعارضة، وإنما هو محاولة لهدم ثقة المصريين فى دولتهم، وهى محاولة- فى حال نجاحها لا قدر الله- لن يكون ممكنًا تصويبها فى حال تغيير النظام! ستصبح نصلًا حادًا مغروسًا فى جسد مصر! وهذا مقصود تمامًا ممن يقفون خلف تلك الحملة، لكنه يصبح كاللعب بالنار حين يسير فى ركبه مواطن مصرى يُعد فى عداد المثقفين أو المتعلمين!

بكل أسف انضم طواعية كثيرٌ من المصريين لهذه الحملة، وقاموا بفتح صفحاتهم لسهامها وخناجرها تحت دعاوى سمجة من قبيل أنها «فكاهة وهزار وخفة دم»!. إن هؤلاء يقومون بدور ربما يكون أهم من دور القائمين على تلك الحملة ذاتهم!، فحين يروج مصريون هذه الأكاذيب- التى يقترب بعضها من خيانة صريحة لما قدمه المصريون فى السنوات الماضية من دماء وعرق- فإنهم يمنحونها زخمًا ومصداقية ويمنحونها قبولًا شعبيًا مجتمعيًا، ويصبح تكرارها وتراكمها حجر لبنة فى تكوين فكر جمعى سلبى! يتجسد ذلك فى إفقاد المصريين الثقة فى ذاتهم وتشكيكهم فيما أنجزوه بالفعل على الأرض، وتشكيكهم فى جميع قياداتهم!

 

بعض هؤلاء نعرفهم جيدًا، ونعرف أنهم كانوا بالفعل فى صفوف مؤيدى جماعة الإرهاب والخيانة، لكنهم تحولوا خوفًا أو طمعًا، وسكنوا وصمتوا فى سنوات العمل والإنجاز المصرى. ولا تراهم أو تسمعهم إلا فى أى مشهد ضبابى عارض! يطلون علينا كالأفاعى من الجحور! صمتٌ فى حالات الإنجاز أو تسفيه وتشكيك، ثم يملأون الدنيا ضجيجًا وصراخًا فى أى مشهد يعتقدون أن به ارتباكًا أو خطأ!. موجودون فى أى تجمع ومهنة ومؤسسة! وجوه كالحة تطل بالشماتة فى أى موقف يظنون به ضعفًا أو ألمًا مصريًا! وربما تجدهم دائمًا فى مقدمة صفوف المستفيدين من أى مشروع قدمته مصر لأبنائها! يتعاملون مع مصر على أنها غنيمة لا وطن! هؤلاء فقدوا مصريتهم تمامًا وامتلأت قلوبهم غلًا وحقدًا على مصر والمصريين، ولا يُرتجى لهذه القلوب شفاء! 

لكنّ آخرين تأثروا- مثلنا جميعًا ومثل كل مواطنى العالم- بالأحوال والأزمات الاقتصادية، ففقدوا البوصلة تمامًا ونحوا عقولهم وما يعرفونه من علم وحقائق عن بلادهم وعما واجهته وأنجزته رغم تلك المواجهات، ورأوا فيما تبثه تلك الصفحات المسمومة متنفثًا عن معاناتهم فضلّوا الطريق! ولأن من يقودون الحرب ضد مصر يدركون هذا جيدًا، فقد ارتكزت خطتهم فى الاستقطاب على شىء واحد فقط، وهو المعاناة الاقتصادية! أدركوا أنهم فى غير حاجة أو بالأدق يجب أن يتجنبوا أى نقاشات منطقية موضوعية، وينفثوا فى كيرٍ واحدٍ هو الأزمة الاقتصادية! أن تستقطب مصريين من نقطة ضعف إنسانية! أعتقد أن هذه الموجة من الحملة الموجهة لمصر الآن هى الأرخص والأسهل لمن يقودها! ففى عام ٢٠١٣م كانت حملتهم صعبة عصية، لأن المصريين كانوا يرون بأعينهم المصير المظلم الذى ينتظر مصر وينتظرهم جميعًا، لذلك وقف المصريون بسهولة فى الموقف الطبيعى والمنطقى، وهو الدفاع عن وجود بلادهم ووجودهم أنفسهم! أما الآن فقد نجحت تلك الدولة فى سحق هذا الخطر الذى كان يتأهب للانقضاض على المصريين، وبدلًا من أن يصب ذلك فى صالح تقوية التصاق المصريين بدولتهم والصبر على السير فى الطريق الصحيح، فقد أصبح الأمر وكأنه يتطابق مع الحكمة القائلة إن اعتياد النعم أحيانًا- وعلى رأسها نعمة الأمن- يمثل فتنة كبرى لا يثبت فيها إلا من وهبه الله بصيرة العقل!

 

نعم العقل! فى أى تحليل عقلى أو موضوعى لأى مشهد أو صورة من الصور الموجهة فى أى صفحة من تلك الصفحات تتهاوى فكرتها ويظهر جليًا كذبها وفسادها، ومع ذلك ينحى بعضنا عقله ويسرع بترويجها! فعلى سبيل المثال ورغم أن مصر قد أولت لترميم الآثار الإسلامية اهتمامًا كبيرًا، وشهد العالم افتتاح المواقع والمساجد بعد ترميمها، فبعضنا يقوم بترويج أكذوبة خبيثة أن مصر رممت الآثار أو المقابر اليهودية وتركت الإسلامية للإهمال أو الهدم! 

الإلحاح جعل البعض لديه يقين بأن هذه الأكذوبة حقيقة، فبدأ فى ترويج كل ما يتم تمريره إليه وأصبح تمامًا آلة مملوكة للغير وسلاحًا يملكه الغير وفوهته موجهة لبلاده! مَن مِن هؤلاء قام وذهب بنفسه وشاهد على الأرض وبشكل كامل حقيقى حقيقة ما يتم هدمه أو يتم ترميمه من مقابر؟! ومَن مِن هؤلاء خبير يمكنه أن يفرق بين ما هو أثرى وما هو غير أثرى؟! وهل نقل المقابر بقرار من الدولة تنفيذًا لخطة تطوير كبرى جريمة، أم أنها عمل ثقيل نفسيًا على الجميع لكنه عمل تكرر قبل ذلك فى دول كثيرة وتكرر فى مصر وأنه أمر لا بد منه؟! 

أنا شخصيًا ذهبت من أكثر من ربع قرن إلى مناطق مثل مدفن الإمام الشافعى وحوش الباشا، وهالنى وقتها أن كثيرًا من تلك المناطق كانت أوكارًا للجريمة غير آمنة، ولا يمكنك أن تذهب إليها منفردًا! كما أن سكان تلك المناطق كانوا حرفيًا يستخدمونها أماكن لإلقاء القمامة! مَن لديه البيانات والمعلومات كاملة حتى يُصدر أحكامًا يقينية بصواب أو خطأ ما يحدث؟! ليس لدىّ هذه الصورة المكتملة، لذلك فلا يمكننى الحسم بتكوين رأى يقينى. وحين يستقيل رئيس لجنة اعتراضًا، أتوجه إليه بالسؤال.. وماذا عن الأشهر الماضية؟ ما الذى جد حتى تستقيل؟ هل ما تم سابقًا صواب ثم وقع حدثٌ بذاته دفعك للاستقالة؟ وضميريًا إذا كنتَ على يقين بصواب موقفك، لماذا لم تتواصل مع موقع رئاسة الجمهورية وتنقل الصورة كاملة؟! 

تقوم الدولة بتحديث نظام كامل فى مواقع أثرية وسياحية، ويحدث أن يقع خطأ هنا أو هناك، فتنطلق حملات تشويه وتسفيه لكل شىء ويتم اتهام المنظومة بالفشل الكامل! يقوم موظف هنا أو هناك باتخاذ قرار خاطئ أو متواطئ- وهو أمرٌ طبيعى فى أى مراحل انتقالية إدارية- فيتم توجيه حملات شرسة للهجوم على مصر واتهامها بالفشل، ويتم التغنى بهذه الدولة أو تلك! 

السخرية.. هذا السلاح الذى طالما استخدمه المصريون فى أزمان سابقة ضد أعدائهم تحول اليوم إلى سلاحٍ فاسد يصيب المصريين، ولا تنالُ قذائفُه صدورَ أعدائهم! لقد أصبح سلاحًا دون هوية مصرية ويحتاج إلى إعادة برمجة عقلية! قديمًا كان سلاحًا مصريًا أصيلًا.. ينطق بلسانٍ مصرى أصيل مهذب يغترف طلقاته من إرث مصر! كان سلاحًا مصريًا مخلصًا يأبى أن ينال مصر بسوء! فطن إلى خطورته أعداء مصر فقرروا السطو عليه وسرقته وإعادة صناعته، ثم توجيه فوهته إلى مصر ذاتها! تم استبدال لغته بلغة متدنية لقيطة لا تتناسب مع أمة عريقة يبلغ عمرها آلاف السنوات، ولديها أقدم وأعرق لغة خطتها البشرية! أصبح هذا السلاح أكثر فتكًا بالقيم المصرية وأكثر فاعلية فى تحقيق أهداف الحملة الأخيرة! يتم إلقاء الطلقة تلو الأخرى ولا تمر دقائق حتى تنفجر وتنتشر عبر آلاف الصفحات، ونجد أن أشرف ما فى مصر فى العقد الأخير من رجال وأفعال وإنجازات مادة للسفاهة والسخرية! هم لا يريدون أكثر من هذا السلاح لكى ينشر لهم ما عجزوا عن نشره بالخطاب العادى الموجه من منصات معادية لمصر!

تتقدم مصر بترشيح شخصية أثرية محترمة لمنصب دولى، فيتم إلقاء هذه الشخصية لتكون ضحية لموجة فورية من السخرية! يرفض محمد صلاح مغادرة النادى الذى يلعب له فتنطلق حملة هجوم وسخرية منه ومن مصر! 

إننى على يقين من انتصار مصر ودحرها هذه الهجمة الشديدة.. لكن السؤال: لماذا يُلدغ بعض المصريين من نفس الجحر مرات ومرات؟! وفى كل مرة تدفع مصر ثمن هذه اللدغات.. متى يكفى المصريون بلادهم شر وثمن مواجهات تعمل على عرقلة أو اقتطاع بعض جهدها فى السير فى الطريق الأوحد الذى يمكنه الخروج بالمصريين إلى ما تريده لهم؟!