رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراه.. تعرف على القديس نيكولا من تولينتينو المتصوف الملقب بـ"شفيع الأنفس المطهرية"

الكنيسة
الكنيسة

تحتفل الكنيسة القبطية الكاثوليكية بذكرى القديس نيكولا من تولينتينو المتصوف، الملقب بـ "شفيع الأنفس المطهرية" وبهذه المناسبة اطلق الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني، نشرة تعريفية قال خلالها وُلِدَ "نيكولا" حوالي عام 1245م، بمدينة سانت انݘلو – إيطاليا. أطلق عليه والداه هذا الاسم يتمُناً بالقديس نيكولاوس أسقف ميرا، والذي كانا يترددان على مزاره طالبين صلاته من أجل أن يكون لهما طفلاً.

رهبنته

والتحق نيكولا بعمر الثامنة عشر، بالرهبنة الأغسطينية، وتتلمذ عن يد الراهب " انݘلوس من سكارݒيتّي" ("الطوباوي انݘلوس من سكارݒيتّي" فيما بعد). ثم بعد ذلك بسبع سنوات صار كاهناً. كان موهوباً في خدمة الكلمة والوَعظ، كما كان مُرافقاً روحياً ومُعرِّف مميز. كذلك عُرِف بين إخوته بالدير أنه شديد التواضع وناسك حقيقي يعيش إماتة الجسد من أجل تحقيق شفافية نفسه واستماعه لصوت الله بشكل أوضح.

كان شهيراً بُحسن معاملته للفقراء والصبر عليهم حتى مع من يمتلك طباعاً مستفزَّة، لذلك كان الدير يوليه مسئولية توزيع الطعام على الفقراء اللاجئين عند باب الدير، ولثقتهم فيه كان يُترك له حرية التصرف في مؤن الدير عموماً، برغم أنه كان يحمل الكثير منها لحساب الفقراء مما كان يُحدث في بعض الأحيان عجزاً في المواد الغذائية المخصصة لرهبان الدير بسبب كرمه الزائد وتحننه الشديد على الفقراء مهما بلغ عددهم.

كان شغله الشاغل هو مواجهة التدهور الأخلاقي، والذي جاء مع تطور حياة المدينة في أواخر القرن الثالث عشر. وخلال أحد أصوامه الطويلة على هذه النيّة، تراءت له العذراء مريم والقديس أغسطينوس شفيع رهبنته، وطلبا إليه أن يكسر صومه وأشارا إلى خُبزٍ وُجِد فجاة بكمية كبيرة في محبسته، يحمل علامة الصليب ومغموس في ماء. بمجرد أن أكل الأب نيكولا هذا الخبز، فارقه ضعفه الشديد وهُزاله بفعل الصوم وشعر بأنه قوي كما لو كان قد تناول وجبة دسمة.

تبقّى الكثير من هذا الخبز، فأخذ يوزعه على المرضى الذين يرعاهم، فيتعافىَ كل من أكله، وبرغم أنه لم يكن يتشارك برؤاه حتى لا يُظهِر فخراً بمستواه الروحي، إلا أنه كان يروي قصة هذا الخبز للجميع حتى يعلموا رحمة الله، ويكرِّمون مريم الأم الحنون التي تراءت له وأعطته هذا الخبز.

كما يُذكَر أنه كان دائماً ما يُذكِّر الناس بأنه آداة في يد الله، فكان يجيب على تساؤل من حدثت لهم معجزات الشفاء بأن يحكي لهم عن رحمة الله لا عن قدرته كناسِك وصانع عجائب، ويوصيهم بألا يقولوا سوى أن الله صنع معهم رحمة واستخدمه كآداة في ذلك، وهو لا يستحق أي إكرام أو إحتفاء.

[منذ ذلك الحين أصبح الرهبان الأغسطينيين يكرمون تذكار القديس نيكولا بتبريك كميات من الخبز وتوزيعها على المرضى في عيده، وقد أطلقوا عليه اسم "خبز القديس نيكولا"].

بعُمر التاسعة والعشرين، تراءى له ملاك الرب، وقاده في انخطاف روحي نحو مدينة تولنتينو، الواقعة بوسط إيطاليا، والقريبة من مسقط رأسه، حينها تأكد الأب نيكولا أنه مدعو لخدمة هذه المدينة، وطلب من رئاسته الروحية أن يتم نقله إلى هناك وتم النقل فعلياً.

كانت المدينة تعاني صراعاً أهلياً بين الجولفي والجبلّيني وهما فصيلان متناحران في السياسة الإيطالية وكلاهما يمتلكان ميليشيات. الجولفي تتبنى مساندة الباباوية، والجبلّيني تتبنى مساندة الإمبراطورية الرومانية المتصارعة مع الباباوية، وكلاهما يريدان بسط السيطرة على الحياة السياسية في إيطاليا.

لدى وصول الأب نيكولا إلى هناك، حاول أن يكون راعياً للجميع من خلال تواجده في الدير الأغسطيني بها، فوقف على مسافة واحدة من الجميع، وكان خادماً للفقراء، لكنه أيضاً كان يرعى كل من يلجأ إليه دون تمييز، حتى أنه كان يأوي المصابين من أي ميلشيا لعلاجهم وتغذيتهم برغم اختلافه مع سلوكياتهم العنيفة. وقد فتح كنيسته لاستقبال كل من يلتجئ إليها طلباً للأمان أو العلاج أو الطعام أو المساندة النفسية.

كذلك ظل يتابع صلواته وأصوامه حتى يستطيع أن يكون له دور روحي ودور إرشادي في إحلال السلام في المدينة، ووقفْ القتال بين الجانبين. وقد نجح إلى حدٍ كبير في كسب ثقة الفصيلين لكونه قد عالج جرحى كلا الطرفين، وأثبت لهم أن أهم ما يُميز الإيمان المسيحي هو الإهتمام بالإنسان مُجرداً من أي انتماءات.

كان الأب نيكولا يعتبر أن صلاته وصومه ومحبته للجميع، هي السبيل الوحيد لإيقاف تنامي السلوك العنيف وتزايُد أعداد المسلحين من المدنيين، واشتعال الاستقطاب والاحتقان السياسي. وبرغم كون أحد الفصيلين موالياً للسُلطة الباباوية، إلا أن هذا لم يكن يُسعِد نيكولا، لأنه يعرف أن مملكة المسيح ليست من هذا العالم ولا تعيش بطرق العالم ولا تندفع نحو حمل السلاح وسفك الدم.

خلال فترات الأصوام حدث الانخطاف الروحي مرة أخرى، وهذه المرة شهد الأب نيكولا الأنفس المطهرية وعاين معاناتها، وقد كرَّس جزءاً خاصاً من صلواته وتقوياته نحو طلب الرحمة لهذه الأنفس المتألمة بالبعد عن حضن الأب السماوي. وبسبب اهتمامه الشديد لهذا أطلق عليه البابا "لاون الثالث عشر" عام 1884م، لقب شفيع الأنفس المطهرية.

في مرضه الأخير عاني الأب نيكولا كثيراً، لكن ذلك لم يمنعه من استكمال إماتاته الجسدية على نيات الإهتداء للإيمان وراحة الأنفس المطهرية، إلى أن توفِّيَ بعطر القداسة في 10 سبتمبر 1305م، عن عمر ناهز الستين.

تم دفنه بمدينة تولنتينو وأُعيد اكتشاف ذخائره المباركة عام 1926م.

أعلنه البابا "يوݘينيوس الرابع" قديساً عام 1446م.